قضايا وآراء

اتفاق الغاز الثلاثي في ميزان الأرباح والخسائر الجيوسياسية

حازم عيّاد
1300x600
1300x600
كشفت بيانات وزارة البترول المصرية عن ارتفاع قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى نهاية نيسان/ أبريل 2022، بنسبة 98 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مسجلة نحو 3.892 مليار دولار، حسبما ذكرت وكالة رويترز.

عائدات الغاز المصرية في أربعة أشهر تكاد تتجاوز عائدات قناة السويس في عام كامل؛ والتي تتراوح بين خمسة إلى ستة مليارات دولار؛ ما يعني أن تواصل الزيادة في عائدات الغاز بنفس الوتيرة ستعود على مصر بأكثر من 11 مليار دولار سنويا، والفضل يعود في ذلك للحرب الأوكرانية.

ورغم ذلك فإن عائدات مصر من الغاز شهدت قفزات متتابعة منذ العام 2021، بعد أن تجاوزت الـ700 في المائة عما كانت عليه في العام 2020، حيث قدرت بـ400 مليون دولار فقط؛ لتسجل في العام 2021 ثلاثة مليارات و900 مليون دولار) فما سر هذه القفزات الكبيرة والتحولات الطاقوية المهمة في مصر؟

الأرقام لا يمكن فهمها دون العودة إلى اتفاقية الغاز الموقعة مع الكيان الإسرائيلي في العام 2020، والتي بموجبها نقل الغاز من حقل لفياثان المحاذي لمدينة حيفا المحتلة عام 48، عبر أنبوب غاز شرق المتوسط المصري إلى محطات التسييل المصرية في ميناء البحيرة فإلى الأسواق الأوروبية.
طموح "إسرائيل" بالهيمنة الجيوسياسية على شرق المتوسط بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق؛ فمعضلة الكيان الإسرائيلي كانت مرتبطة بتخطي العقبة التركية الرافضة لتنفيذ مشروع أنبوب "ميد إيست" من قبرص واليونان إلى أوروبا الغربية؛ وتخطي العقبة اللبنانية

الزيادة ارتبطت بتحقيق الكيان الإسرائيلي خروقات جيوسياسية مهمة جعلته أحد البدائل الأوروبية المحتملة للغاز الروسي فهي لم تتحقق بمعزل عن تحقيق الكيان مكاسب جيوسياسية على حساب مصر والقضية الفلسطينية.

طموح "إسرائيل" بالهيمنة الجيوسياسية على شرق المتوسط بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق؛ فمعضلة الكيان الإسرائيلي كانت مرتبطة بتخطي العقبة التركية الرافضة لتنفيذ مشروع أنبوب "ميد إيست" من قبرص واليونان إلى أوروبا الغربية؛ وتخطي العقبة اللبنانية التي أعاقت تشغيل منصة الحفر والتسييل التي رست بالقرب من حقل كاريش العملاق (1.2 تريليون إلى تريليوني متر مكعب) قبالة الشواطئ اللبنانية، وهددت مشروع ميد إيست في الآن ذاته.

وأخيرا، عقبة المقاومة الفلسطينية من خلال فرض المظلة الأمنية المصرية وردع المقاومة عن استهداف المنشآت المصرية لنقل الغاز إلى أوروبا باستخدام أنبوب الغاز المصري شرق المتوسط؛ ومحطات تسييل الغاز المصرية في ميناء البحيرة ودمياط.
توافر البنية التحتية الجاهزة جعل من مصر خيارا أوروبيا يوفر خمس سنوات من عمليات الإنشاء للموانئ والبنى التحتية في قبرص واليونان والكيان الإسرائيلي لتصدير الغاز إلى أوروبا، كما جنّبها المخاطر الأمنية والصراعات السياسية والمساومات مع كل من تركيا ولبنان وسوريا والفلسطينيين

المكاسب الجيوسياسية الإسرائيلية لا تقتصر على الجوانب الأمنية والسياسية بل والاقتصادية؛ فمصر تتوافر على محطتين لإسالة الغاز الطبيعي هما مصنع "إدكو" في البحيرة، ويضم وحدتين للإسالة بطاقة 10 مليارات متر مكعب، والأخرى في مدينة دمياط بطاقة تصل إلى سبعة مليارات متر مكعب وتتبع شركة يونيون فينوسا الإسبانية الإيطالية، ويضم وحدة واحدة فقط.

كما يتوافر لمصر أنبوب غاز شرق المتوسط الذي يسمح بنقل الغاز من حقول فلسطين المحتلة عام 48؛ إلى محطات التسييل المصرية ثم إلى القارة الأوروبية، عملية أقل كلفة من حيث الظروف اللوجستية والأمنية؛ فضلا عن القابلية لتوسيع المحطتان لتنضم لها مستقبلا حقول قبرص الرومية الثلاث إلى جانب حقل كاريش المتنازع بين لبنان والكيان الإسرائيلي.

توافر البنية التحتية الجاهزة جعل من مصر خيارا أوروبيا يوفر خمس سنوات من عمليات الإنشاء للموانئ والبنى التحتية في قبرص واليونان والكيان الإسرائيلي لتصدير الغاز إلى أوروبا، كما جنّبها المخاطر الأمنية والصراعات السياسية والمساومات مع كل من تركيا ولبنان وسوريا والفلسطينيين في الآن ذاته.
تدفق الغاز سيحقق مصلحة مشتركة إسرائيلية وأوروبية، وفي الآن ذاته يحقق دخلا لمصر التي تعاني من صعوبات اقتصادية وتضخم مرتفع؛ إلا أنه في المقابل سيلحق ضرر بالشعب الفلسطيني وحقوقه عبر مكافأة الاحتلال على انتهاكاته لحقوق الفلسطينيين والمقدسات

أوروبا تبحث عن حلول سريعة لمعالج أزمة الطاقة قبيل الشتاء المقبل والمفوضة الأوروبية. "أورسولا فون دير لاين" التي وقعت الاتفاق المشترك لاستيراد الغاز مع مصر والكيان في القاهرة يوم الأربعاء (15 حزيران/ يونيو) تطمح بأن يتدفق الغاز في شتاء العام 2023.

تدفق الغاز سيحقق مصلحة مشتركة إسرائيلية وأوروبية، وفي الآن ذاته يحقق دخلا لمصر التي تعاني من صعوبات اقتصادية وتضخم مرتفع؛ إلا أنه في المقابل سيلحق ضرر بالشعب الفلسطيني وحقوقه عبر مكافأة الاحتلال على انتهاكاته لحقوق الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والحرم الإبراهيمي.

ختاما.. لا يمكن فصل الحسابات السياسية عن الاقتصادية؛ إذ سرعان ما ستتحول المكاسب الاقتصادية المصرية إلى خسائر سياسية عبر تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي الجيوسياسية وربط أمنه بأمن أوروبا واستقراراها الاقتصادي؛ هدف إسرائيلي سيتحول إلى قيد جديد يكبل القاهرة ليضاف إلى قيود اتفاق كامب ديفيد التي جعلت من مصر ضامنا لحق "إسرائيل" بالوجود على أرض فلسطين المحتلة، بعد أن كانت خصما ودولة إقليمية يتجاوز دورها مجرد لعب دور الوسيط السياسي والتجاري في الإقليم.

twitter.com/hma36
التعليقات (0)