هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لجودي روزين
حللت في خطأ الرئيس السابق جورج دبليو بوش في خطاب له عندما خلط بين العراق والحرب
في أوكرانيا.
وبدأت روزين مقالتها بوصف المركز الرئاسي للرئيس جورج بوش
في دالاس. وقالت فيه إن "مركز جورج دبليو بوش في دالاس هو مبنى مساحته
226.000 قدم مربع يحتوي على المكتبة الرئاسية لجورج دبليو بوش ومتحفه ومعهد جورج دبليو
بوش. وهو ليس المكان الذي تذهب إليه للبحث عن الحقيقة الخالصة عن جورج دبليو بوش. فمثل
بقية المؤسسات المشابهة له، فهو يقدم بطريقة مدروسة سيرته وسط أروقة فخمة ونافورة صاخبة.
ويدخل الزوار إلى قاعة الحرية ومساحتها 67 قدما، وطاولة الدفاع عن الحرية، وهي عبارة
عن شاشة لمس كبيرة يمكن للزوار مشاهدة خرائط وصور من حربي العراق وأفغانستان.
وهناك تمثال لبوش ووالده يحدقان بشكل هادف لمدى متوسط إلى
جانب تمثال بارني وبيزلي، كلب وكلبة الرئيس بوش وزوجته لورا، يحدقان بنفس الطريقة.
وفي المكتبة، يمكن للباحثين النظر في وثائق البيت الأبيض واستخراج قصص كاملة أو مجزوءة
من فترة بوش. ولكن الصورة العامة تهدف للتبييض. وفي موقع المكتبة على الإنترنت معرض
حول هجمات 9/11 وما بعدها وتقدم بوش على أنه الرجل الذي كشف "عن قوة وعزيمة أمريكا".
ومن هنا كان من المدهش أن تصدر لائحة اتهام لاذعة للرئيس
السابق في مركز بوش، وجاء الحديث الوقح والصريح من مصدر غير متوقع: بوش نفسه.
ففي تعليقات موجزة في ندوة عن الانتخابات والديمقراطية عقدت
الشهر الماضي، تعثر بوش في قراءة نص أعد مسبقا. وكان يناقش قمع الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين للمعارضة وقال: "نتيجة غياب الرقابة والموازنة في روسيا" و"قرار
رجل واحد لشن حرب غير مبررة بالكامل ووحشية للعراق، أعني أوكرانيا، العراق أيضا، على
أية حال".
اقرأ أيضا: زلة لسان مثيرة من بوش.. "غزو العراق قرار رجل واحد" (شاهد)
وانتشرت لقطات الخطأ سريعا، وعلى منصات التواصل الاجتماعي
أصبحت أغنية "سيطر على حماسك" الخلفية الموسيقية لخطأ بوش الفادح. ودخل المعلقون
في برامج آخر الليل إلى المعمعة. وقال ستيفن كولبيرت: "هذا اعتراف منعش وخفيف
بارتكاب جرائم حرب". وأشار الكثير من المعلقين لما رأوا أنها "زلة فرويدية"
وعذاب الضمير للرئيس السابق الذي أعاد قراءة أمر ليس مطلوبا.
وعلى أية حال، فقد كان فيديو بوش شيئا طريفا، فمن النادر
أن يقدم زعيم في العالم اعترافا صريحا حول موضوع ترك تداعيات تاريخية. وكان الخطأ
بمثابة أسلوب خاص، فلقطات الفيديو التي تظهر زلات لسان هي في كل مكان والصيادون جاهزون
للنقر عليها والساسة هم أهم مزود لها.
فبوش متخصص في علم الزلات والأخطاء، فهو خبير في خلط النحو
والإطالات الجنونية والخلط بين الأحرف في كلمات بنتيجة مثيرة للسخرية وغير ذلك من
"البوشيات" التي تلاحق الإنترنت. ودخلت الكثير من البوشيات التقاليد الأمريكية
مثلما فعلت أشعار غونزو ليوغي بيرا. وكان بوش من نشر مصطلح misunderestimated"" وغير ذلك من الأخطاء التي ظلت محل سخرية
للأمريكيين.
وبالعودة إلى زلة بوش الأخيرة وإدانته لنفسه، فلم تكن تعني
شيئا للحضور الصديق والمتعاطف مع الرئيس السابق فالخلط كان تعبيرا عن "بوشيات"
الرئيس السابق وبامتياز، زلة غير مؤذية ومحبوبة. وضحك الرئيس السابق وهز رأسه وقال
إنه يمر بهفوة عقلية مؤقتة. ورجت القاعة بالضحك.
ولم يكن الجميع مسرورا، فقد كان خطأ زائفا يكشف عن حقائق
غير مريحة. ومن المنطقي أن يخلط بين حرب روسيا على أوكرانيا والعراق، ذلك أن المشترك
بينهما كثير. لم يكن صدام بالضرورة زيلينسكي، لكن غزو العراق كان بالتأكيد قاسيا وغير
مبرر. وكان كارثة تاريخية عالمية زرع الفوضى ونشر التعذيب وأدى، حسب تقديرات عدة إلى
مئات الآلاف من القتلى. وربما تم طبخ الأيديولوجيا التي تقف وراء حرب بوش في واحد من
مراكز البحث الراسخة في واشنطن، ولكن في جوهرها لم تكن أقل تهورا من التفكير الإمبريالي
المتضخم الذي يقف وراء غزو بوتين أوكرانيا.
غادر بوش البيت الأبيض عام 2009، كأقل رئيس أمريكي يحظى بشعبية.
واليوم يبدو بوش شخصية محبوبة، وقيل لنا إنه يحب قضاء الوقت في مرسمه لرسم الكلاب والعلم
الأمريكي. ولعبت زلاته "بوشياته" دورا كبيرا في إعادة تأهيل صورته وحولت
"رئيس الحرب" السابق إلى مواطن كبير في العمر يضحك على نواقصه وعيوبه.
وفي بودكاست لمركز بوش استحضر اسمه من مشهد في برنامج
"عرض ليلة السبت على الهواء" ويسخر من إطالة بوش "ذي ستراتيجيست"
بدلا من الإستراتيجي. وفي العام الماضي، ظهر بوش في برنامج "جيمي كيمبل على الهواء"
للمشاركة في مسابقة "بوشيات أم لا؟". وشملت المسابقة لقطة لبوش في بغداد
أثناء مؤتمر صحفي حيث ضربه صحفي عراقي غاضب بالحذاء. وعلق كيمبل "عندك رد فعل
جيد". وبعد عدة أشهر لاحقة، قاطع الناشط والمحارب السابق في العراق مايك برينز
خطابا لبوش "سيد بوش هل ستعتذر لملايين العراقيين الذين ماتوا بسبب كذبك"
و"كذبت حول أسلحة الدمار الشامل وأصدقائي ماتوا"، وكان يريد أن يقرأ أسماء
بعضهم لكن الحرس أخرجوه من القاعة.
وتعلق الكاتبة قائلة: "في أمريكا، نحن لا نتقن الحقيقة
والمصالحة ونفضل الغمز واللمز على "تويتر" أو عروض آخر الليل على التلفاز".
وفي عام 2022 تعيش الولايات المتحدة هفوة عقلية جمعية. فالديمقراطية
مصابة بالشيخوخة وضعيفة. و"بدأنا القرن من خلال فرض تغيير النظام في الخارج، واليوم
ندافع ضد انقلاب في الكونغرس. وزلة بوش أوكرانيا- العراق هي علامة على حماقات تراجيدية
وتراجع وسقوط مسار يبدو أننا نسير فيه. وهي تذكير بعدد الذين يفضلون نسيان كارثة العراق
وبشكل كامل".
و"لا يتحمل الغزوَ رجل واحد، فقد دعمت معظم المؤسسة في
واشنطن من جمهوريين وديمقراطيين ومحافظين جدد وصقور ليبراليين الغزو والأكاذيب التي
بررته. وكل هؤلاء الداعمين تشاركوا بنوع من الغطرسة والسذاجة الأمريكية، لديهم رغبة
بتجاهل السياسة الواقعية وراء غزونا لبلد غني بالنفط في الشرق الأوسط مع رفع كلمات
براقة حول نشر الحرية والديمقراطية. ولم يكن من الممكن الهروب من تلك الرسالة في الأشهر
التي سبقت الغزو".
و"نشجب استخدام بوتين التضليل لتبرير الهجوم على أوكرانيا.
وبالمثل كانت دفعة بوش للحرب مرفقة بحملة دعائية ولا يزال عدد من الصحفيين والمثقفين
الذين رددوا كلام الحزب في مناصب مؤثرة. ولا يحبون تذكيرهم بسوء تقديراتهم. ولكن الحقيقة
لديها طريقة للتسلل إلى أماكن غير محتملة، مثل منصات المكتبات الرئاسية، سمها زلة فرويدية
أو تجمدا في الدماغ أو انتقام التاريخ. وعلى خلاف البوشيات، فالماضي لم ولن ينتهي أبدا".