قضايا وآراء

الاتفاق النووي الإيراني.. إحياء ميت أو إعلان وفاة؟

حازم كلاس
1300x600
1300x600
بالصدفة توقفت مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي تزامنا مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا نهاية شباط/ فبراير الماضي، لکن لیست صدفة أن تتغير الظروف الدولية والإقليمية.. أزمات دولية اندلعت وأخرى أخذت مناحي جديدة، وأزمات إقليمية اشتعلت وأخرى بدأت، تلوح بوادر حلحة لها في الأفق، وظروف داخلية مختلفة بالكامل داخليا على الصعد كافة في إيران كما في الولايات المتحدة كما في دول الثلاثي الأوروبي أو روسيا أو الصين.

فظروف عالم السياسية سائلة غير مستقرة وهذه قاعدة يعرفها الجميع. يقول محمد جواد ظريف قبل أشهر على تركه منصبه وزيرا للخارجية الإيرانية: "ظروف اليوم لن تتكرر بعد ستة أشهر والعالم سيكون عالما آخر، كل شيء يتغير".

اليوم تبدو مفاوضات فيينا المتوقفة منذ أكثر من شهرين أمام حقل من الألغام والأزمات. والأسئلة التي يحاول كثيرون الإجابة عنها هي: ما تأثير هذه الأزمات على مفاوضات فيينا؟ ما مصير هذه المفاوضات؟ هل مات الاتفاق النووي فعلا، أم أن الآمال بإنعاشه لا تزال قائمة؟

الحرب الروسية على أوكرانيا

قبل أسابيع قال مندوب روسيا الدائم في فيينا ميخائيل أوليانوف: "لو کانت الظروف مختلفة لكتن ربما بإمكان روسيا مساعدة الطرفين (إيران والولايات المتحدة) للتوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، ولكن الآن لا".. كلام ليس بعيدا عن حقائق الصراع الدولي وما يشبه الحرب العالمية الثالثة المندلعة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وإن كانت إيران الرسمية، على عكس إيران الشعبية، لا تأخذه على محمل الجد. يقول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: "دور روسيا في مفاوضات فيينا بناء، والصوت الذي نسمعه منها هو ما سمعناه خلال اللقاء مع السيد لافروف في موسكو، ولا تهمنا تغريدات بعض الاشخاص"..

وبعيدا عن النظرة الشعبية الإيرانية لروسيا والمرتبطة بالذاكرة التاريخية للشعب الإيراني، وبعيدا عن المواقف الرسمية فإن تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا تفرض نفسها في معادلات إيران.

سلاح الطاقة، من النفط إلى الغاز، الذي أشهره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية الحرب في وجه أوروبا دفع الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية للتحرك سريعا. استراتيجية حلول قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى رسمت لتنويع مصادر الطاقة، سواء من ناحية الاعتماد على النفط والغاز أو من ناحية عدم الاعتماد على عدد محدود من الدول. وهنا برزت الحاجة إلى عودة النفط والغاز الإيراني إلى السوق الدولية سريعا، خاصة مع ارتفاع الأسعار، ما دفع روسيا إلى الحذر من التفاف إيران عليها يقول خبراء، خاصة مع التحرك الأوروبي السريع بعد سبات ربيعي لمفاوضات فيينا من خلال زيارة منسق مفاوضات فيينا ومندوب الاتحاد الأوروبي إينريكي مورا إلى طهران.

بماذا جاء مورا إلى طهران وهل عاد منها بخفي حنين؟

في طهران خاض مورا مفاوضات مكثفة مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، أكثر من ثمانية وأربعين ساعة امضاها في العاصمة الإيرانية لم يتمكن خلالها من عقد لقاء خاص مع وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان ولا أي مسؤول من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، رغم طلبه ذلك كما كانت الخارجية الإيرانية قد أعلنت.

تقول مصادر دبلوماسية في طهران إن مورا جاء بطيف من المقترحات؛ إحداها يعلق العقوبات على الحرس الثوري لكنه يبقي أجزاء منه على لائحة الإرهاب الأمريكية، كما يرفع العقوبات عن اكثر من عشرين شخصية من قادته. لكن أيا من مقترحات مورا لم يستطع إقناع الجانب الأمريكي برفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب الأمريكية..

لكن مشكلة مفاوضات فيينا لا تتوقف على بقاء الحرس الثوري الإيراني على لائحة إرهاب الولايات المتحدة او تحت عقوباتها، يقول مستشار الوفد الإيراني المفاوض في فيينا د. محمد مرندي: "المسألة المهمة بالنسبة لإيران هي بقاء إيران في الاتفاق (الضمانات) وإنهاء العقوبات".

لكن مباحثات مورا وإن لم تكن سهلة إلا أنها لم تكن مخيبة للآمال، يقول د. مرندي: "المندوب الأوروبي جاء إلى طهران بمقترحات جديدة، وغادرها بمقترحات جديدة أيضا عرضتها عليه إيران"..

وبين مبادرات طهران ومقترحات الاتحاد الأوروبي، تنشط أطراف مختلفة لتسهيل مفاوضات فيينا، سلطنة عمان الحاضرة دائما، وقطر التي لا تألو جهدا في دعم دبلوماسية مفاوضات فيينا باعتبارها "الخيار الوحيد"، كما يقول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال لقائه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران، تزامنا مع اليوم الأخير من مفاوضات مورا في طهران.

يوضح أمير قطر في كلمة له في الجلسة الافتتاحية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "إن الدوحة لا تدعي أنها تلعب دور الوسيط الرسمي بين إيران والغرب.. إيران جارتنا ونحن نحاول مساعدتهم وحث الجميع للعودة إلى الاتفاق النووي".

مصادر مطلعة تقول إن "الدوحة تنشط في ملفات أخرى من بينها تحرير اموال المحتجزة في الخارج وتبادل السجناء بين إيران ودول غربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية"، وهذا برأي كثير من المراقبين يسهم بترطيب الأجواء المرتبطة بمفاوضات فيينا.

جهود أوروبية وإقليمية تسابق الزمن، في وضع يبدو معقدا جدا رسمه المبعوث الأمريكي الخاص بإيران روبرت مالي في إفادته امام الكونغرس الأمريكي حيث قال: "بعد الانسحاب من الاتفاق النووي حققت إيران تقدما تكنولوجيا وبات بقدرتها حيازة قنبلة نووية في خلال أسابيع".

مالي الذي لفت إلى أن "احتمالات نجاح مفاوضات العودة للاتفاق النووي أقل من احتمالات فشلها"، لم يغلق باب الدبلوماسية الذي يقول إنه "الحل الوحيد مع إيران"، لكنه ألمح أيضا إلى "احتمال شن هجمات لمنع إيران ووكلائها من تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة ومصالحها". وجمع الأضداد بانتقاده سياسة عقوبات ترامب وقوله "إن سياسة الضغوط القصوى لم تنتج قيودا قوية وطويلة الأمد على برنامج إيران النووي" من جهة، وإعلانه "استعداد واشنطن لفرض وتكثيف العقوبات على إيران في حال عدم التوصل لاتفاق" من جهة أخرى.. إفادة تكشف جانبا من حجم التعقيد الذي تواجهه مفاوضات فيينا النووية.

يقول مالي أيضا: "إن أحد الدروس المستقاة من فترة إدارة أوباما هو ضرورة التشاور والتنسيق مع شركائنا وحلفائنا الإقليميين"، تنسيق لا يعلم أحد مدى حجمه في ضوء تطورات متسارعة في المنطقة قد تؤدي إلى انفلات الأوضاع من عقالها.

إسرائيل تتحرك

يقول مسؤول استخباراتي أمريكي لصحيفة نيويورك تايمز؛ إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها وراء مقتل العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدائي، وأن إسرائيل أرادت أن يكون ذلك بمثابة تحذير لإيران لوقف استهداف المواطنين الإسرائيليين في الخارج.

حادثة غير مسبوقة، فهي المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل شخصية عسكرية إيرانية مباشرة داخل الأراضي الإيرانية.

يقول مراقبون إن الأمر ليس ببعيد عن تطورات تحصل في المنطقة الجنوبية في سوريا، في إطار ما فرضته تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا والتطورات في سوريا والانتشار العسكري للقوات الاجنبية على أراضيها.

يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حوار أجري معه مؤخرا: "إن القوات الروسية في سوريا، لم يتبق لديها مهام عسكرية تقريبا، وعددها على الأرض تحدده مهام محددة، وعلى أساس مبدأ المصلحة".

وفي سياق متصل تنفي مصادر إيرانية أي انسحاب للقوات الروسية في المنطقة الجنوبية، سواء كانت شرطة عسكرية أو قوات خاصة، وتوضح أن "المركز الرئيسي للقوات الروسية في الجنوب ما زال في منطقة ازرع، وحيث مقر الفرقة الخامسة السورية، ومن هناك تنطلق الدوريات المشتركة بين الشرطة العسكرية الروسية والأمن العسكري السوري، وتصل إلى الحدود الأردنية السورية أحيانا. ووفق المصدر فإنه "في ذروة نشاطها كان عديد القوات الروسية بحدود 40 ألف عنصر، وتقلص بعد انحسار المعارك إلى عدد يتراوح ما بين 20 إلى 25 ألفا"، وينفي المصدر وجود أي قوات إيرانية في الجنوب السوري، منذ عام 2018.

لكن بعيدا عن هذه التفاصيل وعن تسريبات نقلتها وسائل إعلام إيرانية عن دور صياد خدائي في نقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى سوريا ولبنان، فإن توعد طهران بالانتقام يفتح باب التكهنات حول مزيد من التعقيد في ملف الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأقل، خاصة مع الحادثة التي تلت ذلك في مجمع بارتشين العسكري في طهران.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلت عن ثلاثة إيرانيين ومسؤول أمريكي، أن الحادثة مساء 25 أيار/ مايو 2022 والتي دت إلى مقتل مهندس وإصابة آخر، كانت نتيجة هجوم بطائرة من دون طيار على المجمع الذي تجري فيه عمليات تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

هكذا تتشابك الملفات بين "دور ونفوذ إيران الإقليمي، والمساحة والطريقة التي تنشط فيها إسرائيل لضبطه"، وبين "التطورات المرتبطة بملف إيران النووي". صحيح أن طهران تركز دائما على فصل الملفات، لكن الجميع يدرك تأثيرها وتأثرها ببعضها البعض.

حرب الناقلات من جديد

في معادلات المفاوضات النووية يبحث الجميع عن أوراق القوة، وليس غريبا أن يصل النفط الإيراني إلى فنزويلا بالتزامن مع توقيف ناقلة تنقل نفطا إيرانيا تحت علم روسيا، وبعدها بأيام يتم توقيف ناقلة نفط تحمل علم إيران.

تطور لم يكن أمام الدبلوماسية الكثير من الوقت لحله، فبعد ثمانية وأربعين ساعة من استدعاء إيران للقائم بأعمال السفارة اليونانية في طهران ومطالبته بالإفراج عن الناقلة الإيرانية، واستدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية كراعية للمصالح الأمريكية في طهران بعد إعلان أثينا نيتها تسليم شحنة النفط إلى الولايات المتحدة لأن التوقيف تم بناء على طلبها، سارعت بحرية الحرس الثوري إلى توقيف ناقلتين يونانيتين في المياه الخليجية مقابل بندر لنغه وعسلوية وسحبهما إلى موانئ إيران، وهما "دلتا بسويدن" و"برودنت وريور" بشحنتيهما القادمتين من البصرة في العراق والمتجهة إحداهما إلى الولايات المتحدة، لا بل إن طهران هددت بتوقيف المزيد من الناقلات اليونانية في المياه الخليجية بحسب ما نقلت وكالة تسنيم عن مصادر إيرانية مطلعة.

وبعيدا عن الأسباب التي تسوقها طهران بشأن توقيف الناقلتين اليونانيتين والمرتبطة بتلويث المياه الخليجية، فإن التهديد بتوقيف المزيد يحمل الرسالة الواضحة. ليس الأمر فقط المطالبة بتحرير الناقلة الإيرانية، وإنما التأكيد على قاعدتين أساسيتين تضعهما إيران عنوانا عريضا لتحركاتها، الأولى: ما كان المرشد الإيراني علي خامنئي قد قاله قبل سنوات بأن "زمن اضرب واهرب قد انتهى.. ومن يضرب سيتلقى الرد عشرة أضعاف". وهذا ما أكده سلوك إيران خلال السنوات القليلة الماضية، المعلن منها وغير المعلن، سواء باستهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق أو استهداف ما قالت إيران إنه مقر للموساد الإسرائيلي في أربيل أو توقيف ناقلة النفط البريطانية ستینا إیمبرو حين تم توقيف ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" قبل أكثر من عامين.

والثانية هي ما أعلنه الرئيس ابراهيم رئيسي عن سياسة حكومته بـ"العمل على رفع العقوبات من خلال المفاوضات وإبطال أثرها من خلال تحشيد الجهود". وهذا ما تسعى إليه طهران من خلال الحديث عن صفحة جديدة من التعاون الإقليمي والانفتاح على دول الجوار، من آسيا الوسطى إلى المنطقة الخليجية، وبالتأكيد الدول الحليفة كروسيا والصين وفنزويلا.. وغيرها.

العتبة النووية

ولعل أبرز أوراق إيران في معادلات المفاوضات النووية هو قدراتها التقنية النووية التي تمكنت من خلالها من توطين التقنية النووية ورفع نسبة التخصيب إلى 60 في المئة وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة، والأهم امتلاكها التكنولوجيا التي تمكنها من الوصول إلى العتبة النووية. وهذا تحول كبير يقترب من الواقع مع مضي الزمن ويتساوى ربما مع امتلاك القنبلة النووية، مع فارق واحد وهو القرار السياسي في ذلك.

سيناريوهات مفتوحة

كل هذه التطورات من المواقف الأوروبية إلى الأمريكية مرورا بالروسية، وكل هذه الجهود بما فيها الإقليمية تضع المفاوضات النووية أمام احتمالات وسيناريوهات مفتوحة:

- بدءا من انهيار المفاوضات والاتفاق النووي وبالتالي تصعيد وتوتر على الصعد كافة، إقليميا ودوليا، قد تنزلق الأمور إلى حرب لا تعرف خواتيمها، وهو خيار لا يرغبه المشاركون في المفاوضات.

- وصولا إلى العودة إلى المفاوضات بعد جولة تصعيدية جمعت فيها الأطراف المختلفة أوراقها ورتبت ملفاتها، وهو خيار يفضله الجميع ويدفع باتجاهه، لكنه الأصعب في ظل ما يمكن اختصاره باتهامات إيرانية لإدارة جو بايدن بالضعف على اتخاذ القرار السياسي لإحياء الاتفاق النووي، واتهامات أمريكية لطهران بمطالبات تتجاوز الاتفاق النووي.

- وبينهما سيناريوهات متعددة، تراوح بين عض الاصابع وكسر العظام؛ سيناريوهات تنتظر أوضاعا داخلية أمريكية قبل الإيرانية، في ضوء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتطورات إقليمية ودولية.

وحتى ذلك الوقت تتقاطع معلومات مصدر إيراني مطلع مع آخر أوروبي عن رغبة أوروبا بالاستعجال بذلك، وطرحها مقترحا يطبع العلاقات الاقتصادية بين إيران ومجموعة 4+1 بضوء أخضر أمريكي لكن بشكل غير رسمي. فهل سينجح ذلك، خاصة مع الألغام الكثيرة التي تركها ترامب لخلفه بايدن؟ أم أن التطورات والتداخلات في تفاصيل الملفات ستفرض واقعا آخر يدفع باتجاه خيارت يتراوح فيها الأمر بالنسبة للاتفاق النووي بين إحياء ميت وإعلان وفاة؟
التعليقات (0)