هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد مرور أسابيع على استهداف الحرس الثوري الإيراني لقاعدة تابعة لجهاز الموساد في مدينة أربيل شمال العراق، ما زال الإسرائيليون يبحثون في أسباب رفع الإيرانيين لوتيرة غضبهم، وما الذي جعلهم يفكرون في توجيه ضربة في وضح النهار، وما علاقة ذلك الهجوم بأنابيب الغاز والنفط، ومدى الأهمية التي تشكلها قاعدة الموساد باعتبارها "مركزًا استراتيجيًا" لجهاز التجسس الإسرائيلي.
تزامن الهجوم الإيراني على أربيل، مع محافظة المنطقة الكردية في شمال العراق، على علاقات سرية مع تل أبيب من خلال مبيعات النفط، حيث يتم بناء وتشغيل خط أنابيب لتصدير النفط إلى جيهان في تركيا من خلال مشروع مشترك مع شركة روسية، ولا تتردد طهران في الإعراب عن قلقها من وجود خطة إسرائيلية كردية لتزويد تركيا وأوروبا بالغاز الطبيعي، وتحاول التصدي لهذه الخطوة، التي يُنظر إليها على أنها تهديد لأمنها الاقتصادي.
نير دفوري، الخبير الأمني في موقع "القناة 12"، ذكر في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الموقع الذي استهدفته الهجمات الإيرانية شهد لقاءات مع خبراء طاقة أمريكيين وإسرائيليين لبحث نقل الغاز من كردستان إلى تركيا عبر خط أنابيب جديد، حيث أصابت صواريخ كاتيوشا مصفاة أربيل للنفط، وفي مثل هذه الظروف من الطبيعي أن إيران لن تتسامح مع الوجود الممنهج للموساد في إقليم كردستان، ولن تسمح لهم بالتخطيط وحشد القوات لتنفيذ عمليات تخريبية في إيران انطلاقا من هناك، ما يجعل من هجومها طبيعيا لحماية أمنها القومي".
وأضاف أن "ربط الهجوم الإيراني بمقتل اثنين من ضباطها في سوريا بقصف إسرائيلي ليس كامل الصورة، حتى لو تمثل الأمر بقاعدة التجسس في أربيل، لأنه أكثر أهمية من عملية انتقام، ويأخذ بعين الاعتبار أمنها القومي الإجمالي، وكأن إيران بهذا الهجوم حملت رسالة بعدم التسامح مطلقًا مع التهديدات لأمنها القومي، مفاده إرسال رسالة حول القدرات العسكرية الإيرانية لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، باستهداف برنامج خط أنابيب الغاز، ومن شأنه أن يشكل تهديدًا لإيران، وهي مورد رئيسي للغاز الطبيعي للعراق وتركيا، خاصةً عندما ينهار الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات الدولية".
اقرأ أيضا: انتقادات إسرائيلية للموساد بسبب تراخي إجراءاته الأمنية
تتحدث المحافل الإسرائيلية أن الهدف من الهجوم الإيراني ركز أكثر على تصدير الطاقة من شمال العراق، والتعاون المحتمل الذي قد يشمل إسرائيل، في ضوء أن هناك محادثات تجري حول تصدير الغاز الطبيعي من هناك، بمشاركة العراق والولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، بالتزامن مع اقتراب الأخيرتين من تطبيع علاقاتهما، ما يثير قلق إيران، وفي الوقت نفسه أثار الغزو الروسي لأوكرانيا المخاوف بشأن نقص الغاز الروسي في أوروبا.
ليس سراً أن إسرائيل تمتلك احتياطيات من الغاز الطبيعي البحري تأمل بيعها في القارة الأوروبية، فيما زعمت محافلها أن تركيا أبلغت العراق أنها تريد توقيع صفقة للغاز الطبيعي معه، بحيث تصبحان شريكتين وحليفتين مهمتين، ليس فقط في مجال الطاقة، بل الأمن أيضاً.
في الوقت ذاته، تزعم الأوساط الإسرائيلية أن إيران لا تخفي غضبها للعلاقات الساخنة المتنامية بين إسرائيل وأذربيجان وكازاخستان، فإسرائيل تبيع الأسلحة لتلك الدول، وفي المقابل تتلقى قاعدة عمل قرب الحدود الإيرانية، لاسيما للتجسس على مواقعها النووية وقواعدها العسكرية، وتربط إيران بين تواجد إسرائيل في هذه المناطق وبين هجومها الأخير عبر طائرات دون طيار، وتدميرها مستودع طائرات دون طيار في القاعدة العسكرية بمحافظة كرمنشاه شمال غرب إيران، وتدمير 200 طائرة في هذا الهجوم الغامض.
القراءة الإسرائيلية للهجوم الإيراني الأخير على قاعدة الموساد في أربيل تأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعلومات الوارد ذكرها أعلاه، وجميعها تهدد أمنها القومي من خلال الأعمال العدائية في محافظات أذربيجان الغربية وكردستان الشمالية، ما جعل من الهجوم الإيراني على أراضي العراق يحمل رسالة مهمة وحاسمة ومباشرة للقادة الأكراد لإبلاغهم بأن سياستهم غير مقبولة وغير محتملة، وبالتالي فإن الادعاء بأن المنطقة الكردية لا علاقة لها بإسرائيل غير صحيح.
مع أن تل أبيب لا تخفي علاقاتها مع الأكراد الساعين للتميز عن القوى العراقية بتقربهم من تل أبيب والقوى الغربية، والتقرب منهم لتحقيق أهدافهم، حتى أن بنيامين نتنياهو وإيهود باراك عملا في الماضي لتعزيز العلاقات مع الدول المحيطة، خاصة كازاخستان باعتبارها موردا أساسيا للنفط لإسرائيل، مقابل جهودها بشكل كبير في التنويع الاقتصادي لتلك الدول، خاصة كازاخستان، وأصبحت إسرائيل خامس أكبر شريك تجاري لها، وتستورد 1.5 مليار دولار من البضائع سنويًا.
كل ذلك يجعل النهج الإيراني تجاه التقارب الإسرائيلي مع أذربيجان وكازاخستان وتركيا متسماً بالقوة، ولعل استعدادها لاستخدام القوة ضد هذه "القواعد" مؤشر آخر على مخاوف طهران المتزايدة من قدرة إسرائيل على استغلال علاقاتها السياسية والأمنية الموسعة مع جيرانها لزيادة تهديدها العسكري، وهي لا تعتقد فقط أن الإسرائيليين سيكتفون بشن عمليات عسكرية واستخباراتية ضد إيران في سوريا، لكنها تخشى أن تصل هذه الهجمات إلى أراضيها قريبًا، ما يعني تصاعد المعركة بينهما.