هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قفز سعر الدولار مقابل الجنيه المصري إلى 16 جنيها في السوق السوداء، للمرة الأولى منذ منتصف حزيران/ يونيو 2020، وسط توقعات باستمرار صعود الدولار في ظل زيادة الطلب نتيجة خروج المستثمرين الأجانب من سوق الدين بمصر بسبب الأزمة العالمية الحالية والبحث عن ملاذات آمنة.
وأحكمت السلطات المصرية قبضتها على سعر صرف الجنيه بعد شهور من عملية التعويم في نهاية عام 2016، وتذبذب سعره بقوة، لكنها تمكنت في نهاية المطاف من القضاء على السوق الموازية بنسبة كبيرة بعد شن حملات أمنية موسعة في الأسواق وتحجيم الاستيراد وإغلاق معظم مكاتب الصرافة بما فيها الشرعية.
وقال متعاملون ووسطاء في السوق السوداء لـ"عربي21": إن "سعر الدولار ظل قريبا من السعر الرسمي المعلن في البنوك والذي كان يتراوح بين 15.56 جنيه و15.68 جنيه للدولار حتى شهر تقريبا حيث زاد الطلب على الدولار وارتفع سعره قبل أسبوعين إلى 15.76 جنيه ثم إلى 15.90 جنيه وأخيرا إلى 16 جنيها. وقد يرتفع أكثر من ذلك مع زيادة الطلب عليه من قبل المستوردين.
وشجع الطلب على الدولار بعض الوسطاء على العودة إلى السوق السوداء، المحظورة في البلاد، خاصة بعد تخفيف السلطات الأمنية قبضتها، وهو ما برره الوسطاء بـ"عدم رغبة الحكومة في حدوث أزمة في توفير الدولار للتجار أو الشركات أو حتى للمستثمرين الأجانب"، الذين بدأوا في التخارج سواء من سوق أدوات الدين أو البورصة.
ضغوط على الجنيه
ونقلت وكالة رويترز عن مصرفيين ومحللين قولهم إن انخفاضًا حادًا في صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي أظهر مدى تزايد الضغط على سعر صرف الجنيه المصري، وتراجعت صافي الأصول الأجنبية إلى 11.8 مليار جنيه في كانون الثاني/ يناير من 186.3 مليار في نهاية أيلول/ سبتمبر ليسجّل أدنى مستوى له منذ 2017.
وأشارت في تقرير لها، صدر مؤخرا، أن الحكومة المصرية تواجه ضغوطا على العملة بسبب زيادة كلفة أسعار الفائدة، كما أنها تجازف أيضًا بالضغط على العجز في الميزانية التي تنفق الحكومة جزءًا كبيرًا منها بالفعل على خدمة الدين الحكومي.
وتوقعت الاقتصادية في رينيسانس كابيتال، إيفون مانغو، أن ينخفض الجنيه المصري إلى 16.2 جنيه مقابل الدولار منتصف العام الجاري، وأعربت عن اعتقادها أن يحاول البنك المركزي "التحرك صوب تخفيض قيمة العملة باعتدال بدلا من الحفاظ عليها في ما يشبه سعر الربط الثابت.. لا أعتقد أنهم سيواصلون محاولة إلقاء كل شيء على الجنيه المصري سعيًا لتثبيته".
أزمة توفير الدولار
وأكد أحد المستوردين للحلي النسائية (إكسسوارات)، لـ"عربي21" أنه يواجه صعوبة هذه الأيام في تجميع المبالغ التي يحتاجها من العملة الصعبة.
وقال، مفضلا عدم ذكر اسمه: "الأمور تغيرت عما كانت عليه قبل أشهر، ولم اضطر لدفع الكثير من أجل الحصول على الدولار، ولكن هذه الأيام يبدو أن هناك صعوبة في توفيره، ولا توجد جميع الكمية في مكان واحد على الرغم أني لا أقوم باستيراد بكميات كبيرة".
وبشأن تداعيات ارتفاع سعر الدولار على أسعار السلع التي سوف يستوردها، أوضح أنه "ستكون هناك زيادات في الأسعار دون شك تتراوح ما بين 15 بالمئة و20 بالمئة على أقل تقدير، ولا يمكن التكهن بحجم الزيادة إلا بعد الاستيراد ودفع رسوم الشحن والجمارك والتي زادت بدورها بسبب ارتفاع أسعار النقل.
وأعرب أحد التجار لـ"عربي21" عن مخاوفه استمرار ارتفاع الدولار، قائلا: "لقد بدأت الأسعار في الارتفاع قبل حتى قيام المستوردين باستيراد بضائع جديدة، وذلك تحسبا لارتفاع سعر المنتجات أو تقلصها نتيجة الأزمات الحالية، ولذلك نواجه صعوبة في توفير السلع أيا كان نوعها للزبائن".
تداعيات خفض الجنيه
في تقديره، يقول الخبير الاقتصادي، علاء السيد، إن "الحكومة المصرية تقع تحت ضغط هائل نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، على الصعيد الاقتصادي ستواجه أزمة مالية وتمويلية ناتجة عن زيادة أسعار النفط والقمح عالميا خاصة أنها كانت تعاني من وطأة الديون وفوائدها قبل الحرب وخروج 3.2 مليار دولار من الأموال الساخنة في فترة وجيزة تحت إغراءات زيادة الفائدة على أذون الخزانة الأمريكية وهربا من تداعيات انخفاض قيمة السندات الحكومية المصرية في بورصة لندن بأكثر من ثلث قيمتها".
وأضاف لـ"عربي21": "التوقعات تشير إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بنسبة قد تتراوح بين 10 بالمئة : 15 بالمئة حرصا على عدم هروب المزيد من الأموال الساخنة من مصر و استباقا لتوقيع مصر على الاتفاقية المرتقبة لطرح الدين المحلي بالجنيه المصري كسندات دولية في بورصة يوروكلير ببلجيكا قبل نهاية آذار/ مارس الجاري".
و بشأن أثر خفض الجنيه أمام الدولار أكد السيد أن "الدولة سوف تضطر إلى رفع الدعم جزئيا عن رغيف الخبز وتقليص المستفيدين منه وكذا فيما يتعلق بزيادة أسعار المحروقات، وارتفاع فاتورة الاستيراد بشكل عام؛ مما سيتسبب في موجة غلاء عاتية لكل السلع الغذائية وغيرها في الأسواق المحلية تفوق احتمال المواطنين في ظل تدني الأجور وارتفاع نسبة البطالة وأزمة السيولة واقتراب شهر رمضان المبارك، وفي النهاية زيادة طبقة الفقر".
سيناريوهات خفض الجنيه
بدوه توقع بنك الاستثمار الأمريكي جيه.بي مورغان (JPM)، انخفاض قيمة الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة، على خلفية تفاقم الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد، مشيرا إلى أنه من المرجح أن تكون هناك حاجة إلى خفض كبير في قيمة الجنيه المصري، وأن الدولة قد تحتاج مزيدا من المساعدة من صندوق النقد الدولي إذا استمر تزايد ضغوط الأسواق المالية.
وطرح البنك الأمريكي عدة سيناريوهات.. واحد دون خفض قيمة العملة، و سيناريو مشابه للفترة 2014-2015 عندما سمحت السلطات للعملة بالانخفاض حوالي خمسة بالمئة، وآخر يشهد خفضا أكبر في القيمة في إطار برنامج جديد مع صندوق النقد.
وقال جيه.بي مورغان: "ينتج عن تحليل السيناريو هذا انخفاض محتمل مرجح بنسبة 8.5 بالمائة عن السعر الحالي"، مضيفا أن سعره المستهدف هو انخفاض العملة إلى 17.25 جنيه للدولار.
وارتفع عجز الميزان التجاري غير البترولي في مصر بمعدل 26.1% ليسجل نحو 11 مليار دولار خلال الفترة من تموز/ يوليو إلى أيلول/ سبتمبر 2021، مقارنة مع 8.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2020، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.