هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رفض قطاع واسع من مجتمع الأعمال في مصر قرار البنك المركزي المصري المتعلق بتنظيم قواعد الاستيراد، الذي يفترض أن يدخل حيز التنفيذ مطلع الشهر المقبل، وسط انتقادات كثيرة للقرار بسبب تداعياته السلبية على المستوردين والمصنعين والمستهلكين.
وتعقيبا على رفض القرار، أكد محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، الثلاثاء، أنه لا رجعة عن القرار المتعلق بقواعد تنظيم الاستيراد الذي تم الإعلان عنه ولن يتم إجراء أية تعديلات عليها، ودعا رجال الأعمال إلى ضرورة الإسراع بتوفيق أوضاعهم وعدم إهدار الوقت في جدال لا علاقة له باستقرار التجارة الخارجية لمصر وسلامة أدائها.
وكان محافظ البنك المركزي قد قرر بشكل منفرد، الاثنين، وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ العمليات الاستيرادية كافة، واستبدالها بالاعتمادات المستندية فقط ، وذلك اعتبارا من بداية شهر آذار/مارس المقبل، ما يضع المستوردين في مأزق مالي كبير؛ لأنه يتطلب وضع ثمن الشحنة كاملة في البنك قبل شحنها ووصولها.
ما زاد الطين بلة، أن القرار الصادر من المركزي المصري استثنى فروع الشركات الأجنبية والشركات والكيانات التابعة لها، وهو ما دفع العديد من المتضررين للطعن في القرار؛ لأنه يفتح باب التمييز وعدم تكافؤ الفرص، ويخل بالمنافسة العادلة بين الشركات الوطنية والأجنبية.
من شأن القرار الذي يقول البنك المركزي إنه يأتي في إطار توجيهات مجلس الوزراء بشأن حوكمة عمليات الاستيراد وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات، أن يجبر المستورد على وضع ثمن الشحنة كاملة في البنك بمجرد طلبها، ثم يقوم البنك بتحويلها إلى البنك المقابل بعد شحنها واستلامها، في عملية قد تستغرق بضعة أشهر، ما يعني تحميل المستورد أعباء تمويلية ضخمة وتجميد أمواله.
أبعاد قرار المركزي على السوق
وتقدم مجتمع الأعمال في مصر (مستوردون وغرف تجارية وغرف صناعية) بخطاب إلى رئاسة مجلس الوزراء، أعربوا فيه عن رفضهم للقرار الذي اتخذه البنك المركزي بشكل مفاجئ ودون تشاور مع الأطراف المعنية، وأكدوا أن القرار له انعكاسات سلبية على الصناعة ومعدل الإنتاج والمستهلك، ويهدد إمداد الصناعة باحتياجاتها من مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة وقطع الغيار لخطوط الإنتاج بصورة منتظمة.
ومن الآثار الوخيمة المترتبة على القرار، بحسب الخطاب المشترك، تعميق مشكلة سلاسل الإمداد التي بدأت بالتزامن مع جائحة كورونا، وهو ما سينعكس بدوره على حجم الإنتاج، وتوفير السلع وارتفاع أسعارها، بما ذلك من نتائج سلبية على المنتج والمستهلك على حد سواء.
وحذر الموقعون على الخطاب من أن القرار سيؤثر سلبا في ثقة المستثمر الأجنبي في الصناعة المصرية والاقتصاد المصري، إذ ينطوي على رسالة إنذار بوجود خلل في توفير العملات الأجنبية، مما استدعى إصدار تلك التعليمات.
خروج شركات من السوق
من جهته، قال عضو شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، أحمد شيحة؛ إن "القرار استثنى الشركات الأجنبية العاملة في مصر، ومن ثم لا يوجد تكافؤ فرص، إلى جانب أن القرار يفرض أعباء تمويلية مرهقة على المستوردين؛ لأن البنك المركزي لا يقبل الاعتماد المستندي بتسهيلات الموردين الخارجية".
وأضاف لـ"عربي21": "على سبيل المثال يقوم المستورد بدفع 20% فقط عند التعاقد، وعندما تصل البضاعة يتم دفعة أخرى بنحو 30%، وبعد شهرين أو ثلاثة يتم دفع باقي ثمن الشحنة، أما الاعتمادات في قرار البنك المركزي الجديد، تشترط دفع ثمن الشحنة كاملة عند فتح الاعتماد بمجرد التعاقد عليها، وهذا يكلف المستورد أعباء مالية كبيرة من جهة، ويهدر قيمة الأموال من خلال تجميدها في البنك من ناحية أخرى".
وبشأن تداعيات ذلك القرار، أوضح عضو شعبة المستوردين أن هناك "تداعيات سلبية على المستوردين والمصنعين؛ لأنه يشمل مجالات التجارة والصناعة والزراعة وغيرها، وسوف يؤدي القرار إلى خروج بعض الشركات من السوق وتراجع وارداتها وتجارتها، ومن ثم سوف ترتفع أسعار السلع، وتنفرد بعض الشركات الكبيرة ببعض المنتجات، ما يفتح الباب أمام الاحتكار والإضرار بالسوق، كما سوف ترتفع مكونات التكلفة للمنتجات، وتزيد تكلفة القروض أيضا".
البرلمان يدخل على خط الأزمة وتحذيرات
ووجدت الأزمة أصداءها في أروقة البرلمان، إذ تقدم وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب، محمد السلاب، بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء للوقوف على أسباب وتداعيات اتخاذ القرار، دون الدخول في نقاش مجتمعي حول آثاره، خاصة على القطاعين الصناعي والإنتاجي.
وأضاف السلاب في تصريحات صحفية لجريدة البورصة، "أن القرار سيؤثر سلبا على الصناعة المصرية، من حيث توفر المواد الخام ومستلزمات الإنتاج في المصانع، وكذلك قطع غيار الماكينات، وسيرفع الطلب على العملة؛ لأن الجميع أصبح مُضطرا لتلبية كل التزاماته المادية دفعة واحدة، وهي خطوة تضر المصانع أكثر من غيرها؛ لأنها غالبا تستورد احتياجاتها بنظام الآجل ولا يُمكنها تبديد كل السيولة الخاصة بها، والتخلي عن ميزة السداد على دفعات مستقبلية".
بدوره تقدم عضو مجلس النواب، النائب مجدي الوليلي، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، موجه إلى رئيس الوزراء، ووزيرة التجارة والصناعة، بشأن قرار البنك المركزي، وجاء في موضوع طلب الإحاطة، أن القرار صدر بشكل مفاجئ دون التشاور مع مجتمع المال والأعمال.
وأضاف أن هذا القرار يؤثر على عمليات الاستيراد، لاسيما السلع الاستراتيجية، وسينعكس على حجم الإنتاج وتوفير السلع وقد يؤدي إلى ارتفاع الكثير منها، كما أنه لم يراعِ الشركات التي ليس لديها تسهيلات ائتمانية مع البنوك، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتمثل الشريحة الأكبر من المنشآت الصناعية.
تفاقم عجز الميزان التجاري
ولم يستبعد خبراء ومراقبون ربط قرار المركزي الجديد بتفاقم العجز في الميزان التجاري لمصر، حيث زادت قيمة عجز الميزان التجاري لمصر بنهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2021 لتبلغ نحو 38,244 مليار دولار، وارتفعت الواردات المصرية إلى نحو 76.747 مليارا مقابل 63.788 مليار دولار خلال الـ11 شهرا الأولى من العام الماضي.
وأوضحت نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي)، أن حجم الصادرات المصرية، خلال الفترة نفسها، إلى نحو 38.503 مليار دولار مقابل 26.259 مليارا في الفترة المقابلة من العام الماضي.
ارتفاع الأسعار 15%-20%
بدوره، حذر رئيس الغرفة التجارية بمحافظة كفر الشيخ برئاسة حاتم عبد الغفار، من مغبة القرار الذي من شأنه أن يربك الأسواق قبل شهر رمضان، وقال: "يجب استقرار الأسواق قبل شهر رمضان المبارك وعدم إثارة القلق، حتى لا ينعكس ذلك على ارتفاع أسعار السلع الرمضانية المستوردة".
وتوقع في بيان على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن يؤدي القرار إلى رفع أسعار السلع وارتباك عملية الاستيراد من الخارج، إلى جانب ارتفاع الأسعار في السوق المحلي بنسب تتراوح بين 15 بالمئة و20 بالمئة على أقل تقدير.