سويسرا الشرق، جمال الطبيعة الخلابة حيث الجبال الشامخة المغطى بالثوب الأخضر، والوديان التي تجري تحسبها لؤلؤا أبيض، والأنهار الزرقاء التي تبهر الأعين وتخطف القلوب، والأبنية ذات النقوش التراثية البديعة، بلد العلم والثقافة والحضارة والتمدين، بلد الثراء والجمال والموضة، البلد العربي الوحيد الذي يتمتع بالحرية والديمقراطية، درة الوطن العربي.
هكذا كان
لبنان في أذهان العالم وعيونهم، قبل أن تغزوه إيران من خلال أهم وكلائها في المنطقة،
حزب الله، الذي حول البلد إلى خراب ودمر كل معالمه التي اشتهر بها، فلم يعد لبنان هو لبنان الذي يعرفه العالم؛ لم يعد البلد السياحي الذي تشد إليه الرحال؛
انهار اقتصاده وانهارت معه الليرة اللبنانية بما يعادل 95 في المئة من قيمتها، وغرق لبنان في بحر من الديون الخارجية عجزت البلاد عن سدادها، وهو ما جعله في عداد الدول المفلسة.
واللبنانيون لا يعرفون صرف ودائعهم ولا أخذ مستحقاتهم المالية، والبنوك تقطر عليهم ببعض الليرات من أموالهم التي استولت عليها. غادرته الشركات الأجنبية الكبرى وذهبت إلى دبي، بعد أن كانت بيروت هي مركز التجارة العالمية في الشرق الأوسط، وها هي الجامعة الأمريكية في بيروت، أقدم جامعة أنشأتها أمريكا في الشرق؛ توشك هي الأخري أن تنتقل إلى دبي!
أصبح لبنان في حالة خراب تام، لقد هوت الطبقة الوسطى في البلاد، التي هي عماد المجتمعات بسرعة فائقة إلى درك الفقر، إنها المرة الأولى التي نرى فيها المواطن اللبناني يقف في طوابير أمام المخابز من أجل الحصول على رغيف العيش!
باختصار، لقد أصبح لبنان في حالة خراب تام، لقد هوت الطبقة الوسطي في البلاد، التي هي عماد المجتمعات بسرعة فائقة إلى درك الفقر، إنها المرة الأولى التي نرى فيها المواطن اللبناني يقف في طوابير أمام المخابز من أجل الحصول على رغيف العيش، والسيارات تقف بالساعات أمام محطات البنزين، فقد شح الوقود والغاز من البلاد، بعد أن كان يُسرق ويرسل إلى سوريا في الخفاء، منذ أن كان صهر الرئيس وحليف حزب الله، "جبران باسيل"، وزيرا للطاقة واستمرت من بعده، فوزارة الطاقة ووزارة المالية دائما من حصة حلفاء حزب الله، ليضع يده على الطاقة ويتحكم في توزيعها على المناطق الخاضعة لحزبه أولا، ولقد أعلن أمينه العام "حسن نصر الله"، أن إيران سترسل ناقلات محملة بالوقود إلى لبنان عبر سوريا، وهدد وتوعد في إحدى خطبه العنترية؛ الكيان الصهيوني وأمريكا بردّ قاس منه في حال تعرضت السفن لأي هجوم نتيجة العقوبات المفروضة على إيران!
أراد "حسن نصر الله" أن يظهر بدور المنقذ للبلاد من العتمة والظلام، وهو الذي حوّل لبنان إلى ظلام حالك يتخبط فيه شرقا وغربا ولا يعرف له مرسى!
كل هذا يحدث ورئيس الدولة "ميشال عون" ورئيس الحكومة "
نجيب ميقاتي" يتفرجان وهما سعيدان، فالدولة التي هي داخل دولتهما تقوم باللازم وتوفر عليهما عناء الجهد والمشقة!!
ولكي نكون منصفين فلا نحمل حزب الله وحده مسؤولية الأزمة الاقتصادية في لبنان، وإن كنا نحمله مسؤولية جر لبنان إلى صراعات إقليمية لا ناقة لها فيها ولا جمل، وإرسال مليشياته إلى سوريا واليمن لتقتل السوريين واليمنين واستعراض القوة؛ متباهيا بعدد قواته العسكرية التي بلغ تعدادها مئة ألف مقاتل كما أفصح نصر الله في إحدى خطاباته الأخيرة، وصواريخه التي تصل إلى حيفا وإلى ما بعد بعد حيفا، مما يُعد تهديدا مبطنا للبنانيين، وخاصة أنهم شهدوا بأم أعينهم غزوة القمصان السود واقتحام العاصمة بيروت وصيدا وغيرهما عسكريا في السابع من أيار/ مايو عام 2008، وكأنها كانت بروفة لما سيحدث في لبنان إذا تجرأ أحد وطالب الحزب
بنزع سلاحه وتسليمه للجيش اللبناني. كانت أقوى رسالة يبعثها للبنانيين مفادها؛ إنكم أمام خيار إما القبول بما أمليه عليكم أو أرغمكم بالقوة على ذلك، مما جعل شبح الحرب يطل من جديد على لبنان. وما حدث مؤخرا في الطبونة والمواجهة بينه وبين القوات اللبنانية التي أسفرت عن مقتل تسعة من اللبنانيين، أعطى انطباعا بأن اندلاع الحرب الأهلية في لبنان غير مستبعد في أي لحظة، وجعل لبنان بلدا غير آمن فضُربت السياحة في مقتل، وبذلك فقد لبنان أهم مصدر من دخله القومي، وقد كان يعتمد عليه منذ إنشائه.
الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان حالياً ليست وليدة اليوم، بل إنها بدأت منذ سنوات بعيدة، نتيجة تراكم الديون التي اقترضها رئيس الوزراء الراحل "رفيق الحريري"
أعود فأقول؛ إن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان حاليا ليست وليدة اليوم، بل إنها بدأت منذ سنوات بعيدة، نتيجة تراكم الديون التي اقترضها رئيس الوزراء الراحل "رفيق الحريرى"، والتي بلغت 86.2 مليار دولار حسب بيان صادر من وزارة المالية اللبنانية. والرقم مرشح لمزيد من الارتفاع، بالإضافة للفساد المستشري في البلاد منذ بداية تلك الفترة
الحريرية التي امتدت من الأب إلى الابن، وسيطرة تلك الأسرة والمقربون منها على كل ثروات لبنان، والاستحواذ على كل المشروعات الاستثمارية في البلاد، مما خلق طبقة طفيلية في البلاد، عُرفت بـ"الطبقة الحريرية"، وأصبحت عصابة تحكم لبنان، بينما المواطن اللبناني يعاني من شظف الحياة وضيق المعيشة ويفرضون عليه الضرائب الثقيلة، في الوقت التي تنشر فيه الصحف العالمية وأبرزها "نيويورك تايمز"؛ عن منح "سعد الحريري" 16 مليون دولار لعارضة أزياء من جنوب أفريقيا كان على علاقة بها، تدعى "كانديس فان دير مروري" وتخصصت في عروض البكيني والملابس الداخلية!!
إن
الحقبة "الحريرية" الفاسدة في لبنان التي عاش اللبنانيون في كنفها ثلاثين عاما، عندما تولى رجل الأعمال المقرب من السعودية "رفيق الحريري" رئاسة الحكومة عام 1992، بعد "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد؛ لتبدأ حقبة سياسية جديدة في البلاد؛ هذه الحقبة الحريرية، طوت كل الحقبات القديمة بكل رموزها السياسية، وأغلقت بيوتا سياسية عريقة نشأت منذ عهد الاستقلال، كبيت كرامي والحص وشهاب وسلاّم وشمعون والخورى وفرنجية وإده، إلى آخره، حيث تؤخذ زعامات الطوائف في لبنان بالوراثة، والنظام اللبناني تأسس أساسا على نظام المحاصصة بين الطوائف.
وها هو ابن مَن أغلق هذه البيوت يُغلق بيت الحريري، فلقد
أعلن "سعد الحريري" تعليق عمله في الحياة السياسية ودعوة عائلته في تيار المستقبل لاتخاذ نفس الخطوة، وكذلك عدم الترشح للانتخابات النيابية
المزمع إجراؤها في أيار/ مايو المقبل، وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل.
لقد ورث "سعد الحريري" والده على المستوى الشخصي والعام، أما على المستوى الشخصي فقد بدد أمواله وخسر كل شركاته وآخرها شركة "سعودي أوجيه"، التي حجزت السعودية عليها لمديونيته البالغة أربعة مليارات دولار، مع مصادرة منزله في الرياض، كما حصلت أخته هند على حكمين قضائيين من محاكم فرنسية بالحجز على طائرته الخاصة؛ تسديدا لحصتها من بنك البحر المتوسط وشركة "سعودي أوجيه"، البالغة 80 مليون دولار.
ورث سعد "تيار المستقبل" كأكبر وأهم تجمع للمسلمين السنة في لبنان، الذي كان يقف حائط صد أمام شطحات حزب الله، ويحافظ على التوازن الطائفي في البلد، فأضعفه بأخطائه المتكررة وتنازلاته الكارثية ورضوخه لطلبات حزب الله
أغلق واحدة من أهم وأشهر القنوات في العالم العربي، قناة "المستقبل" التي أنشأها الحريري الأب، بعدما عجز عن سداد مستحقات العاملين فيها، وتكاثرت عليه تلال من الديون!!
أما على المستوى العام، فقد ورث سعد "تيار المستقبل" كأكبر وأهم تجمع للمسلمين السنة في لبنان، الذي كان يقف حائط صد أمام شطحات حزب الله، ويحافظ على التوازن الطائفي في البلد، فأضعفه بأخطائه المتكررة وتنازلاته الكارثية ورضوخه لطلبات حزب الله، وآخرها الموافقة على ميشال عون رئيسا للبنان، ولذلك نجد أكثر المتباكين على خروج سعد الحريري من الحياة السياسية، هو الذي في الضاحية الجنوبية، والذي في عين التينة (نصر الله ونبيه بري)، فقد خسرا حليفا كان على هواهما ويمشي في ركابهما!
وبعد كل هذا يبكي سعد الحريري وهو يودع جمهوره.. ابك يا ولداه فلم يعد أمامك غير البكاء على الأطلال، لقد قالتها عائشة أم الأمير "أبو عبد الله محمد الثاني عشر" آخر ملوك الأندلس، الذي سلم غرناطة للملك "فرناندو": "ابك كالنساء مُلكا لم تحافظ عليه كالرجال".
twitter.com/amiraaboelfetou