لا شيء يجب أن يثير الاستغراب في عنوان هذه المقالة، لأن الحرب تؤكد كل يوم أنها أمر يخص
التحالف وحده؛ فهو المتحكم بها وهو الذي يمتلك القدرة على وضع نهاية لها، لأن لا طرف محليا بمفرده يمكن أن يربك هذا التدخل أو يضعه في مأزق حقيقي وخطير. فالتحالف بقيادة
السعودية لم يكن في أي من مراحله تعبيراً عن عداء مستحكم مع
الحوثيين، أو بين التحالف وإيران التي تدعهم، والأهم من ذلك أن هذا التدخل الذي يشارف عامه السابع على نهايته، تم أصلاً خارج أي تفاهم يمكن أن يرجح كفة الشرعية في أي تسوية نهائية للحرب.
الأولويات المضمرة بالنسبة لهذا التحالف هي جوهر الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها في
اليمن، وفي خلاصتها هيمنة على الجغرافيا اليمنية موحدة أو مجزأة، واحتواء النموذج السياسي اليمني بما يشتمل عليه من ممارسات ديمقراطية ضمن جمهورية تحتكم لإرادة الشعب وصندوق الاقتراع، وتأسيس نظام أو أنظمة شمولية تابعة. ولأهداف كهذه مخاطرها القاتلة على السعودية؛ التي عليها أن تدرك أن اليمن الضعيف سيكون أقرب إلى تحقيق مطامع دولة إقليمية عدوانية كإيران.
مع تجدد المواجهات العسكرية واكتسابها زخماً كبيراً إثر عودة التدخل الجوي للتحالف، تتضح الحقيقة المرة وهي أن كل شيء في مسرح العمليات يشير إلى قوة وتأثير التحالف في توجيه دفة الحرب والتحكم بها وبنتائجها، وتشير بالقدر نفسه إلى قدرته على إفراز قوى عسكرية جديدة ومؤثرة وتعطيل أخرى قائمة
ومع تجدد المواجهات العسكرية واكتسابها زخماً كبيراً إثر عودة التدخل الجوي للتحالف، تتضح الحقيقة المرة وهي أن كل شيء في مسرح العمليات يشير إلى قوة وتأثير التحالف في توجيه دفة الحرب والتحكم بها وبنتائجها، وتشير بالقدر نفسه إلى قدرته على إفراز قوى عسكرية جديدة ومؤثرة وتعطيل أخرى قائمة. والتركيز دائماً على الجيش الوطني الذي يراد له أن يستنفد كل قواه في مواجهات متواصلة مع الحوثيين
في مأرب، حتى يجري حشد القوات المعدة أصلاً لفرض أمر واقع جديد؛ الكلمة العليا فيه لهذا التحالف دون سواه.
الإعلام السعودي والمغردون السعوديون انخرطوا منذ مساء الجمعة في حملة تركز على معركة شاملة قد تشهدها جبهات عديدة في اليمن إلى جانب المعارك التي تدور حالياً في محافظة
مأرب، والإشارة كانت بشكل واضح إلى مديريات في محافظة تعز الواقعة في جنوب غرب اليمن، ومحافظة الحديدة في الساحل الغربي. هذه الحملة الإعلامية من الواضح أنها تحاول أن تتسق مع ما أعلنه المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية العميد تركي المالكي الذي أطلق عملية عرفت بـ"
عملية تحرير اليمن السعيد".
لم يشاركهم كما كل مرة مغردون أو مسؤولون يمنيون حكوميون، مما يشير إلى أي مدى بات التحالف يدير المعركة بعيداً جداً عن السلطة الشرعية ورجالها، وعن الملتزمين بخط استعادة الدولة كاملة غير منقوصة، وربما نجد من ينخرط لاحقاً في الحديث عن بدء عمليات عسكرية في المساحة التي أشرت إليها والمتصلة بمحافظتي تعز والحديدة.
من الواضح أن السعودية وبالتنسيق مع الإمارات؛ ماضيتان في تمكين القوى شبه العسكرية التي تأسست خلال السنوات الماضية خارج سيطرة السلطة الشرعية وبدعم كبير من البلدين
من الواضح أن السعودية وبالتنسيق مع الإمارات؛ ماضيتان في تمكين القوى شبه العسكرية التي تأسست خلال السنوات الماضية خارج سيطرة السلطة الشرعية وبدعم كبير من البلدين، حيث من المقرر أن يفرض العميد طارق صالح، نجل الرئيس السابق الذي أسقطته ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، سيطرته على محافظة تعز وأجزاء من محافظتي إب ولحج، انطلاقاً من مدينة وميناء المخا التابعين لمحافظة تعز، والواقعين في الضفة الشرقية لجنوب البحر الأحمر، فيما يراد للقوات التهامية وهي ألوية تتشكل من أبناء تهامة ومحافظة الحديدة، إلى جانب ألوية العمالقة المرابطة ضمن القوات المشتركة في الساحل الغربي، أن تخوض معارك استعادة المناطق التي انسحبت منها لكن دون مؤشر قوي على إمكانية استعادة مدينة وميناء الحديدة وميناء الصليف، وهي ألوية استراتيجية تتعلق بالسعودية التي تتحدث باستمرار عن تأثير هذين الميناءين في تهريب الصواريخ للحوثيين.
ومع ذلك لا ينبغي أن يكون التشاؤم سيد الموقف، فأن تحرك كل هذه الجبهات في وقت متزامن لهو أمر يدعو إلى التفاؤل بإمكانية التحام المعركة حول هدف استعادة الدولة اليمنية، وتقويض سلطة الأمر الواقع التي أسسها الحوثيون في مناطق حاولوا قدر استطاعتهم تأمين بيئة اجتماعية حاضنة فيها؛ لكنهم يواجهون صعوبات عديدة أهمها عدم قبول المجتمع بسلطتهم ونفوذهم وتطرفهم العقائدي الذي دفنوه منذ سقوط الإمامة الزيدية بصنعاء في 26 أيلول/ سبتمبر 1962.
ثمة ما يُبقي التصعيد العسكري الكبير المدعوم من التحالف تحت الملاحظة القلقة بشأن الأهداف والمآلات، فما من إنجازات حققها التحالف يمكن البناء عليها في تقدير حسن نواياه تجاه اليمن
لكن ثمة ما يُبقي التصعيد العسكري الكبير المدعوم من التحالف تحت الملاحظة القلقة بشأن الأهداف والمآلات، فما من إنجازات حققها التحالف يمكن البناء عليها في تقدير حسن نواياه تجاه اليمن. فجردة الحساب تشير إلى أن هذا التحالف عسكر محافظات تبعد كثيراً عن مسرح العمليات العسكرية لكنها مهمة استراتيجية بما يكفي للزج بها في أتون العنف، وإخضاعها لترتيبات تعيد صياغة واقعها الجيوسياسي وتحولها إلى تركة متنازع عليها بين الأطراف المحلية. مثال على ذلك محافظات أرخبيل سقطرى والمهرة، و
حضرموت، ونزع
محافظة شبوة من تحت سلطة الشرعية والدفع بها باتجاه المشروع الانفصالي، والأهم من ذلك كله، تجريف الشرعية من العاصمة السياسية المؤقتة عدن، ومن محافظة أرخبيل سقطرى، ومحافظات أخرى جنوبية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يعكسه الخطاب الإعلامي والسياسي لدولتي التحالف من إساءات متعمدة لكبار رجال الدولة اليمنية وأحزابها الرئيسة، ونعتهم بصفات سيئة، فإننا لا ينبغي أن نركن للترتيبات الحالية للتحالف، الذي أبقى القرار العسكري وأهداف العمليات العسكرية حكراً عليه، ومع ذلك لمَ لا نتفاءل، فربما شهدت الرياض صحوة متأخرة بعد أن أدركت أهمية معركة مأرب بالنسبة لإيران وإعلامها، وربما أدركت أنها قد فرّطت كثيراً وعبثت كثيراً وأحرقت الكثير من الأوراق الرابحة، وهي اليوم بالفعل تريد أن تغير مسار المعركة باتجاه أهداف تستوعب متطلبات الأمن الحيوي للمملكة، وتليق بصبر اليمنيين على المكاره وتضحياتهم الغالية، وتلبي تطلعاتهم المشروعة.
twitter.com/yaseentamimi68