اقتصاد تركي

لماذا هاجم أردوغان جمعية رجال الأعمال الأتراك "توسياد"؟

اتهم الرئيس التركي جمعية "توسياد" بأنها تعمل على إسقاط الحكومة التركية- الأناضول
اتهم الرئيس التركي جمعية "توسياد" بأنها تعمل على إسقاط الحكومة التركية- الأناضول

برزت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك "توسياد"، خلال الأيام الماضية، في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد، بعد بيان أدلت به، أعقبها تصريحات قاسية من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

ومع انخفاض العملة التركية خلال الأيام الماضية، بعد خفض البنك المركزي أسعار الفائدة، أدلت أقدم جمعية رجال أعمال في تركيا "توسياد" ببيان، هاجمت فيه سياسة أردوغان الاقتصادية الجديدة.

وفي بيان على حسابها في تويتر، طالبت "توسياد" السلطات التركية بالتخلي عن سياستها النقدية القائمة على أسعار الفائدة المخفضة، داعية للعودة إلى "قواعد العلوم الاقتصادية".

وتابعت بأنها حذرت الحكومة التركية من الآثار السلبية لسياسة خفض أسعار الفائدة، مشيرة إلى أن المشكلات الاقتصادية تؤثر سلبا على الشركات والمواطنين على حد سواء.

 

أردوغان: "توسياد" تعمل على إسقاط الحكومة

وأثارت تصريحات "توسياد" قبل أيام جدلا واسعا، لاسيما أنها جاءت بعد دعوة من زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو لأقدم جمعية رجال أعمال أتراك بتحديد موقفها وإصدار بيان.

واتهم الرئيس التركي جمعية "توسياد" بأنها تعمل على إسقاط الحكومة التركية "بطرق مختلفة وغير مباشرة".

 

اقرأ أيضا: ليلة مثيرة في تركيا.. تفاعلات ارتفاع الليرة وقرارات أردوغان

وقال أردوغان في تصريحات له: "يا توسياد أقول لكم، لديكم وظيفة واحدة، وهي الاستثمار والإنتاج والتوظيف والنمو".

وتابع: "لا تنهضوا وتبحثوا عن طرق مختلفة لمهاجمة الحكومة، لا يمكنكم مجابهتنا، أعرف أسلافكم وجنسكم وخلفيتكم جيدا، أنتم همكم شيء آخر، نحن نمضي وندافع عن حب الوطن والشعب، وأنتم تسعون لكيفية إسقاط هذه الحكومة، حتى تكونوا قادرين على إيصال حكومة أخرى تستطيعون استغلالها.. والشعب لن يمنحكم هذه الفرصة".

 

وأضاف: "هذه الهيئات والمؤسسات التي تحدثت عنها كم وقفت بجانب الشعب خلال وباء كورونا؟ كم مستشفى ساعدوا الدولة في بنائه؟.. نحن بنينا المدن الطبية في أصعب الظروف، ونشرناها في أبعد المناطق بالأناضول، هؤلاء ما الذي قاموا به؟.. لا شيء".

 

وتابع قائلا: "ندرك مدى الأزمة التي يعاني منها مواطنونا جراء ارتفاع الأسعار الناجم عن التلاعب بأسعار صرف العملات، لكنني أؤكد أننا سنتغلب على هذه الحملات".


وأردف: "أود أن أؤكد مرة أخرى أنه لا ينبغي إيلاء أي أهمية لأولئك الذين يريدون جر شعبنا إلى التشاؤم، وترهيب الأسواق، من خلال نشر أخبار كاذبة ومضللة".

 

بدوره، حث وزير الخزانة والمالية التركي، نور الدين نباتي، جمعية "توسياد" على عدم الانجرار خلف تحريض المعارضة، قائلا: "فهي ستخذلكم مرة أخرى في انتخابات 2023".

 

من هي "توسياد"؟

 

وفي تقرير لقناة "A HABER"، أشار إلى أن توسياد تم تأسيسها على يد أغنى أغنياء تركيا، لعبت دورا فاعلا في تحقيق مصالحها الخاصة، وساهمت في الإطاحة ببعض الحكومات.

 

وأضافت القناة أن "توسياد" تأسست بعد انقلاب 12 آذار/ مارس 1971، وقد تحولت من كيان اقتصادي إلى جمعية، عملت على ترهيب السياسيين والحكومات، وبرزت بالتزامن مع تنامي "ميللي غوروش" التي أسسها نجم الدين أربكان في سبعينيات القرن الماضي.

 

في عام 1971، قام أغنى 12 رجلا في تركيا بالاجتماع تحت سقف واحد، حيث تم وضع حجر الأساس لمجموعة "الأوليغارشية"، وقاموا بتوقيع بروتوكول فيما بينهم، بعد شهر واحد من الانقلاب الذي جرى بالبلاد.

 

وظهرت "توسياد" في تلك الفترة بالبلاد، حيث كانت تتنامى الأيدلوجيات المناهضة للقطاع الخاص، وكان الهدف الذي ركزت عليه هو "مساعدة تركيا على التطور بطرق ديمقراطية، والارتقاء بها إلى مستوى الحضارة الغربية"، وجاءت هذه الفكرة بالتزامن مع صعود الإسلاميين والمحافظين.

 

اقرأ أيضا: سقوط حر لليرة.. أردوغان يتحدث عن "حرب استقلال اقتصادي"
 

وفي عام 1979، لعبت "توسياد" دورا بارزا لإسقاط حكومة بولنت أجاويد، ونشرت إعلانا في الصحف، طالبت فيه حكومة أجاويد بالاستقالة، وفي الإعلان المعنون بـ"الحل الصحيح في الاقتصاد"، أشارت إلى أن هناك ارتباطا وثيقا بالقروض الخارجية التي تحتاجها البلاد والنظام الاقتصادي الذي يطبق.

 

ومع تأسيس حكومة شكّلها حزبا "الرفاه" و"الطريق القويم"، اتخذت "توسياد" موقفا مضادا لها، وقدمت الدعم لانقلاب 28 شباط/ فبراير 1997، وقبيل ما يعرف بـ"الانقلاب ما بعد الحداثة"، نشرت صحيفة يملكها أحد أثرياء توسياد عنوان "سيتم حل الأمر من دون قوة السلاح"، وتزامن ذلك مع دعوة أيضا من الجمعية باستقالة الحكومة التي ترأسها أربكان.

 

الجمعية تحولت إلى محور قرارات سياسية لتهديد الحكومات

 

الخبير الاقتصادي علاء الدين شينكولار، أشار إلى أن "توسياد"، التي تعد أقدم جمعية في تركيا، منعت العضوية إليها عن رجال أعمال محسوبين على الإسلاميين والمحافظين، وهي يسارية مؤيدة للنظام العلماني، وتمثل 75 بالمئة من رجال أعمال يستحوذون على رأس المال والحركة التجارية والتصدير والصناعة والإنتاج.

 

وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن الجمعية تحولت بعد تأسيسها إلى محور قرارات سياسية لتهديد الحكومات الموجودة، وأكثر من تضررت منها حكومة أجاويد التي كانت تابعة لحزب الشعب الجمهوري، فقد حاربتها، وقدمت إليها طلبات على أنها في سبيل مصلحة البلد، وعندما لم يكن التأييد لهذه المطالب من الحكومة قامت بوضع الإعلانات في الصحف المحسوبة إليها، وجعلت الرأي العام ضد أجاويد، ما اضطر الحكومة للاستقالة.

 

وأشار إلى أن أردوغان لم يتطرق بشكل عشوائي لجمعية "توسياد"، وألمح إلى مخططاتها، وما تفكر به، لافتا إلى أن تصريحات الرئيس دفعت بالقائمين على "توسياد" إلى التراجع، وقالوا إنهم لا يقصدون شيئا، وإنهم يدعمون النظام الاقتصادي في البلاد، وإنه ليس لديهم أي اعتراض لنهج أردوغان الجديد.

 

وأضاف أن الدور الوظيفي لـ"توسياد" هو الاستثمار والإنتاج والنمو وبناء المصانع، والتوظيف وتقليل البطالة، لكن أعضاءها كلما تتجمع لديهم الأموال يتلاعبون بالفائدة، وقبل قدوم حكومة العدالة والتنمية، كان أعضاء الجمعية من خلال البنوك الخاضعة لهم يقدمون الديون والقروض للحكومات بنسبة عالية من الفوائد، تصل إلى 70 و80 بالمئة سنويا.

 

ولفت إلى أن الخلاف بين الحكومة التركية و"توسياد" كان موجودا، وسيتواصل، مؤكدا أن أعضاء الجمعية يتلاعبون بالليرة التركية والفائدة في الأوقات التي تسبب ضررا للحكومة التركية، مشيرا، على سبيل المثال، إلى الدور الفاعل الذي تقوم به عائلات أو مجموعة "كوتش" و"صبانجي" وأخرى تنتسب للجمعية.

 

وأوضح أن "توسياد" لها تأثير لا يستغنى عنه، رغم ظهور "موصياد"، لكن الإشكالية أن الإداريين ورجال الأعمال المنتسبين إلى "توسياد" يميلون إلى الغرب، وتطبيق قرارات تتناسب مع نظام الاقتصاد الغربي.

 

ما علاقة كليتشدار أوغلو؟

 

الكاتب التركي أوكان مدرس أوغلو، ذكر في تقرير على صحيفة "ًصباح" أن عملية البرمجيات الجديدة في الاقتصاد أدت إلى ظهور بعض الحسابات المؤجلة ذات الطبيعة التراكمية والمختلفة، ومثال ذلك "توسياد".

 

وأضاف أن نجم "توسياد" لم يتصالح مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، لأنهم واجهوا زعيما أعلن منذ البداية أنه لن يستسلم لقادة الجمعية، التي شنت هجمات منخفضة الحدة في معظم الأوقات ضد السلطات.

 

وأشار إلى أن "توسياد" لم تتمكن من استيعاب الاستفتاء الدستوري عام 2017، والانتقال إلى النظام الرئاسي، وما بين الفينة والأخرى تطلق البيانات التي تتحدث عن الديمقراطية الملمعة، مخفية غايتها الحقيقية.

 

اقرأ أيضا: أردوغان يعلن الحد الأدنى للأجور.. هل يفرض "حالة الطوارئ"؟
 

ولفت إلى أنه قد يكون لدى "توسياد" اعتراضات على البرنامج الاقتصادي الجديد، ويحق لها مشاركة انتقاداتها، بل ويجب ذلك، لكن البيان الأخير جاء بعد دعوة كليتشدار أوغلو للجمعية بالتحدث، وهذا يعطيه بعدا سياسيا.

 

عبد القادر سيلفي، الكاتب في صحيفة "حرييت"، أشار إلى أنه بعد رد فعل الرئيس أردوغان على "توسياد"، تحولت الأنظار إلى كليتشدار أوغلو، الذي اتصل بالجمعية، وأبلغها بالإعراب عن موقفها.

 

وأضاف أن "توسياد" واحدة من أفضل جمعيات رجال الأعمال، وإذا لم تتحدث بالجانب الاقتصادي فمن سيفعل ذلك؟ لكن مشكلتها الرئيسية أن البيان جاء بعد طلب كليتشدار أوغلو، حيث برزت ردود الفعل التي تتساءل: "هل توسياد الحديقة الخلفية لحزب الشعب الجمهوري؟".

 

وأشار سيلفي إلى أن "توسياد" برزت في خطاب أردوغان الذي أعطى رسائل مهمة، منها عبارة "نصف الاقتصاد الثقة"، ولكن لا يمكن تجاهل المعلومات المضللة التي يقوم بها أشخاص لتقويض هذه الثقة.

 

وأوضح أن تقلبات اقتصادية برزت حتى 17 كانون الأول/ ديسمبر، وقد كانت تلك الفترة محبطة للجميع؛ بسبب ارتفاع الأسعار، وانخفاض العملة المحلية، وهناك من سعى للاصطياد في المياه العكرة الجمعة الماضية، من خلال أساليب الحرب النفسية بسبب الأوضاع الاقتصادية، ماساهم في توقف تداولات البورصة مرتين.

التعليقات (0)