صحافة دولية

إندبندنت: مدينة الإنترنت بدلهي تلاحق مساحات صلاة المسلمين

التضييق يزداد بصورة كبيرة على مسلمي الهند الراغبين بالصلاة في الأراضي الخالية بسبب قلة المساجد- أ ف ب
التضييق يزداد بصورة كبيرة على مسلمي الهند الراغبين بالصلاة في الأراضي الخالية بسبب قلة المساجد- أ ف ب

نشرت صحيفة "الإندبندنت"، تقريرا للصحفية سرافاستي داسغوبتا، قالت فيه إنه على مدار العامين والنصف الماضيين، كان نديم وزملاؤه في ورشة لتصليح السيارات في مدينة غوروغرام، التابعة لدلهي يؤدون صلاة الجمعة في قطعة أرض خالية، بالكاد على بعد 500 متر من مكان عملهم.


ومع وجود 21 مسجدا فقط يخدم المدينة سريعة النمو، والتي تضم أكثر من 1.5 مليون شخص، لم يكن أمام العديد من المسلمين العاملين مثل نديم خيار، سوى التجمع لأداء صلاة الجمعة في مواقع مرتجلة، مثل مواقف السيارات والأراضي العشبية المهجورة.

 

وأثارت هذه الممارسة الجدل بين السكان والمنظمات الهندوسية اليمينية على وجه الخصوص. وفي عام 2018، حددت السلطات 37 موقعا فقط للصلاة في الهواء الطلق في جميع أنحاء مدينة غوروغرام.


ومع ذلك، أصبحت هذه المواقع الآن مهددة أيضا، وفي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح الموقع الذي استخدمه نديم وزملاؤه أحدث موقع يتم استهدافه لاحتجاج أعضاء الجماعات اليمينية.


وقال نديم لصحيفة "إندبندنت": "جاءوا في مجموعة كبيرة، ورددوا هتافات، وأساءوا إلينا، وعرقلوا الصلاة". وبدلا من حماية الموقع، جاءت الشرطة بعد يومين إلى نديم وزملائه وأخبرتهم بأنه لم يعد بإمكانهم استخدامه للصلاة.


وتضيف الصحيفة: "إنه نمط تكرر في جميع أنحاء مدينة غوروغرام، حيث استسلمت إدارة المنطقة والشرطة لضغوط عدد من الجماعات اليمينية، وينتمي الكثير منها إلى حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الحاكم في الهند (BJP) والمنظمة الأم، راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)".


ومنذ أن بدأت حملة الضغط الأخيرة في 17 أيلول/ سبتمبر، تعطلت صلاة الجمعة في واحد من 37 موقعا تلو الآخر، حيث وصفت الجماعات الهندوسية الصلاة في الهواء الطلق بأنها إساءة استخدام للأماكن العامة وزعمت أن هذه التجمعات تشكل تهديدا للأمن.

 

في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، سحبت إدارة المنطقة بشكل دائم الإذن للصلاة في ثمانية من المواقع السبعة والثلاثين المخصصة للصلاة، ومع استمرار الاحتجاجات، فإنه ليس هناك ما يضمن أن مساحة صلاة المسلمين في غوروغرام لن تتقلص أكثر من ذلك.


ويرى الدكتور أمير علي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جواهر لال نهرو في دلهي، أن ما يحدث هو محاولة أخرى من قبل المنظمات الهندوسية اليمينية "لمواصلة إيجاد خطوط الصدع بين المجتمعات وتأجيجها.

 

وأضاف: "إنها ليست سوى أحدث حلقة في نمط إثارة الحقد في ما يتعلق بالوجود الإسلامي في الهند".

 

وتمثل معارضة الصلاة محاولة أخرى لتطهير وتنقية الأماكن العامة من أي شكل من أشكال الشعائر الدينية والثقافية الإسلامية.

 

اقرأ أيضا: صحفية مسلمة بالهند: الحكومة ومتطرفون هندوس يستهدفونني


وشهدت غوروغرام، المعروفة سابقا باسم غورغاون، نموا غير مسبوق في التسعينيات، عندما جعلها تحرير "السوق" مركزا للشركات وجذب المهاجرين من جميع أنحاء الهند للوظائف التي تتطلب مهارات عالية ومنخفضة. يوجد الآن مقر عدد من عمالقة التكنولوجيا العالميين في الهند هنا، بما في ذلك غوغل في مباني سيغنيتشر تاورز المتلألئ.


لكن هذا التطور السريع لم يأخذ في الاعتبار أماكن الصلاة الإسلامية كأولوية، وحقيقة أن المساجد قليلة جدا ومتباعدة تجعل من الصعب على العديد من المسلمين الوصول إليها في منتصف يوم عمل.


وقال شاريب، أحد العاملين في السوق: "تقع معظم المساجد على بعد 5 إلى 6 كيلومترات على الأقل من المناطق التي نعمل فيها.. نحصل فقط على استراحة غداء لمدة ساعة تقريبا..

 

من الصعب قطع تلك المسافة والذهاب إلى الجمعة وتناول الغداء في هذه النافذة الصغيرة. ولهذا نصلي في هذه المواقع المخصصة".


وقال ألطاف أحمد، المؤسس المشارك لمجلس غوروغرام الإسلامي وعضو مجموعة المجتمع المدني، غوروغرام ناجريك إكتا مانش: "على عكس المدن القائمة، لا تكاد توجد مساجد هنا. يُجبر الناس على الصلاة في الأماكن العامة لأن تخطيط المدن لا يشمل المساجد. انظر إلى نيو غوروغرام: هناك مسجد واحد فقط [يتسع لـ] 300 شخص".


وتقول المنظمة إن أرض الوقف، التي اشتراها مسلمون أثرياء وتم التبرع بها لاستخدام المجتمع، تم التعدي عليها لسنوات لأغراض أخرى.


جمال الدين، مسؤول العقارات من مجلس وقف هريانا في غوروغرام، الذي يدير مثل هذه الأراضي في جميع أنحاء الولاية، يعترف بمشكلة المساحة في المدينة، لكنه يقول إنه لا يمكن حلها إلا من قبل الإدارة المحلية.


وقال: "يتعين على إدارة المنطقة التأكد من أن الأماكن المخصصة لصلاة الجمعة مسموح لها أن تظل كذلك، أو يجب على الحكومة تخصيص أراض جديدة لهذا الغرض".


وتم القيام بصلاة الجمعة في الأماكن العامة في غوروغرام لأكثر من عقد من الزمان، وحتى مع الأخذ في الاعتبار الاضطرابات في عام 2018، فإن المعارضة واسعة النطاق للصلاة في الشهرين الماضيين غير مسبوقة، كما يقول المراقبون.


قال أبورفاناند، الذي يُدرس في جامعة دلهي: "الأمر المختلف هذه المرة هو تواطؤ الإدارة. في عام 2018، كنت جزءا من المفاوضات وكان هناك استعداد من جانب الشرطة لكبح جماح هؤلاء البلطجية". 


"لكن هذه المرة، نرى الشرطة تسأل هؤلاء الناس عما إذا كانوا سعداء بتطور الأمور في ما يتعلق بتقييد الشرطة لمواقع الصلاة. لا يتعلق الأمر كثيرا في رأيي بالتواطؤ السياسي، على الرغم من أن العديد من هذه الجماعات تنتمي إلى BJP و RSS. إن هذا يمنحهم شعورا بالإفلات من العقاب".


يوم الجمعة الماضي، حولت الجماعات اليمينية تركيزها إلى القطاع 37، حيث تجمع حشد صغير لأداء صلاة الجمعة. وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي قيام المتظاهرين بإصدار تهديدات وتعطيل الصلاة، بينما لا تفعل الشرطة شيئا يذكر لمنعهم، وفي وقت لاحق، ذكرت تقارير أنه تم اعتقال سبعة أشخاص.

 

بالنسبة للمسلمين الذين يعملون في المنطقة، ويبحثون بقلق عن مكان آمن لأداء صلاة الجمعة، فإن نفس الأمر الذي يتكرر كل أسبوع.


يقول توفيق أحمد، الذي يمتلك متجرا في غوروغرام وكان في طليعة من نقل مخاوف العمال إلى السلطات، إن القضية ليست قضية إزعاج أو سلامة عامة.


وقال متسائلا: "إذا كان لدى الناس مشاكل [مع صلاتنا]، فلا نريد إزعاجهم. انتقلنا من المواقع التي اعترضوا عليها. ولكن بعد ذلك، لماذا قاموا بطقوس جوفاردان بوجا [طقوس صلاة هندوسية] في نفس الموقع بعد منعنا من الصلاة في الأماكن العامة؟".


إنه يشير إلى حقيقة أن الاضطرابات التي حدثت في مواقع الصلاة المعينة قد شملت بشكل متكرر مجموعات هندوسية تعقد صلاتها الخاصة في الأماكن العامة. على سبيل المثال، فإنه في موقع في القطاع 12 الشهر الماضي حيث تعطلت صلاة الجمعة، عُقد اجتماع صلاة هندوسي حيث يُتهم كابيل ميشرا السياسي البارز من حزب بهاراتيا جاناتا بالتحدث علانية ضد المسلمين.


في زيارة لموقع القطاع 12 المتنازع عليه، رأت صحيفة الإندبندنت أن الأرض قد غُطيت بكعكات روث البقر، التي يعتبرها الهندوس مقدسة.


وقال راهول خان، الذي يملك متجر أثاث في أحد أركان الموقع، إن الصلاة لم تعد تقام في الموقع، لكن أعضاء الجماعات الهندوسية يزورون كل يوم جمعة ويجلسون في زاوية للتأكد من عدم تجرؤ أحد على القدوم والصلاة.


وقال أبورفاناند: "المسألة لا تتعلق بسوء استخدام الأراضي العامة. وبدلا من ذلك، فإن القضية تتعلق بخلق سيادة هندوسية وإخبار المسلمين بما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله". 


أحد قادة الجماعات الهندوسية هو دينيش بهارتي، مؤسس منظمة بهارات ماتا فاهيني، وهي منظمة يزعم أنه أنشأها "لحماية النظام الأبدي للهندوسية".


وفي حديثه إلى صحيفة الإندبندنت، قال بهارتي، الذي يقول أيضا إنه عضو في حزب بهاراتيا جاناتا، إنه قاد الاحتجاجات المناهضة للصلاة في عام 2018 وهو يفعل ذلك مرة أخرى.


وقال: "لقد جعلت مهمتي العثور على هذه القائمة لما يسمى بـ 37 مكانا. أريد أن أعرف من أعطاهم الإذن لإقامة الصلاة في الأماكن العامة".


وأضاف: "لا أحد يستطيع أداء الصلاة في الأماكن العامة. يتجمع المسلمون من خلال الصلاة، ويجمعون المال؛ هذه هي الطريقة التي يزيدون بها عدد سكانهم.

 

الصلاة هي استعراض للقوة للمسلمين. في كشمير على سبيل المثال، صدرت فتاوى من المساجد تطالب الناس بطرد الهندوس من منازلهم.. إذا استمروا في احتلال الأماكن العامة مثل هذا، فهل سنقسم بلادنا إلى أشلاء ونتنازل عنها؟ قد يكون المسلمون هنا منذ 800 عام، لكن الهندوس موجودون هنا منذ أن خلق الله البشرية".


بهارتي، الذي ذهب إلى السجن عدة مرات بسبب هذه الاحتجاجات، يقول إنه يعمل مع جمعيات رعاية السكان المحليين (RWA) لمعارضة الصلاة على أساس السلامة العامة.


وفي هذه المرحلة، يبدو أنه وجد حلفاء راغبين. قال سونيل ياداف، رئيس RWA للقطاع 47: "تبقى النساء والأطفال وحدهم في المنزل أيام الجمعة. يأتي هؤلاء الناس ويصلون في حدائقنا، ما يخلق مشاكل تتعلق بالسلامة. كان هناك العديد من السرقات يوم الجمعة، ولهذا السبب اتصلنا بالإدارة وطلبنا منهم إنهاء الصلاة هنا".


واتهمت مجموعات المجتمع المدني المسلمة بهارتي وشركاءه بنشر الفرقة الطائفية، وهي جريمة جنائية في الهند، وفي 1 كانون الأول/ ديسمبر، تم تقديم شكوى للشرطة ضده وضد اثنين آخرين.


في اليوم التالي، قال بهارتي لصحيفة الإندبندنت إنه قدم شكواه المكتوبة إلى إدارة المنطقة، وكذلك وزير هاريانا الأول من حزب بهاراتيا جاناتا، مانوهار لال خطار، مطالبا بإنهاء "الصلاة في المناطق العامة" حفاظا على السلامة العامة.


وقال مفوض المنطقة ياش جارج لصحيفة الإندبندنت إنه لا يمكنه إصدار بيان كامل "لأن الوضع في حالة تغير مستمر"، لكن "الجهود جارية للتوصل إلى توافق في الآراء بين المجتمعين".


يقول المسلمون إنه إذا كانت الإدارة غير راغبة في اتخاذ إجراءات ضد الجماعات التي تعطل الصلاة، فيمكنها على الأقل تخصيص أراضٍ لمساجد جديدة أو أماكن صلاة لا تجبر الناس على الصلاة في الأماكن العامة.


وقال أحمد من مجلس غوروغرام الإسلامي: "لقد تقدمنا بطلب للحصول على أرض في عام 2017 ولكن لم نمنح أرضا.. التقينا بالإدارة في تشرين الثاني/ نوفمبر وسألناها مرة أخرى. لن يمنحوا الأرض، ولن يبنوا المساجد، ولن يسمحوا لنا بالصلاة في الأماكن العامة. ماذا يمكننا ان نفعل؟".


على الرغم من أنه لن تعقد الانتخاب في هاريانا حتى عام 2024، فقد أصبحت قضية الصلاة قضية سياسية مع إجراء العديد من الولايات الهندية الشمالية المجاورة انتخابات مهمة في الأشهر القليلة المقبلة.


يقول المحللون إنه في حين يمكن حل المشكلة وديا من خلال تخصيص المزيد من الأراضي للصلاة، فمن غير المرجح أن تتبع الحكومة هذا الخيار، لذلك فإنه لا يوجد حل بسيط للقضية في الأفق.


يقول الدكتور علي: "تحتاج الحكومات بالتأكيد إلى فعل المزيد، لكن من غير المرجح أن تفعل ذلك لأن أي تنازل يقدم للمسلمين من المرجح أن يوصف بأنه 'سياسة استرضاء'..

 

وهذا يعني أنه حتى الحكومات [المحلية] التي تشكلها أحزاب أخرى غير حزب بهاراتيا جاناتا ستمتنع عن محاولة حل المشكلة. لن يرغبوا في أن يُنظر إليهم على أنهم متكيفون بشكل مفرط مع مطالب المسلمين".

التعليقات (0)