طرحت مجلة
"
إيكونوميست" تساؤلات بشأن أسباب فشل
الحرب ضد "الجهاديين" في
مالي، وقالت إن الأمور تتجه من سيء إلى أسوأ في البلد الذي تغيب فيه سلطة الدولة.
وقالت المجلة في تقرير
ترجمته "عربي21" تدور الحرب ضد "الجهاديين الآن في مالي والنيجر
وبوركينا فاسو، حيث نشرت
فرنسا 5.000 جندي يدعمهم 1.000 جندي أمريكي. ويساعدهم
مئات من عناصر القوات الخاصة الأوروبيين ويدربون قوات الجيش المالي".
ولدى الأمم المتحدة
15.000 عنصر في قوات حفظ السلام. ورغم هذا العدد الضخم من القوات إلا أن "المتمردين
والجهاديين توسعوا وتوغلوا عميقا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو".
وقالت إن "التمرد
أجبر أكثر من مليوني شخص على النزوح من منازلهم وقتل أكثر من 1.000 شخص خلال
العامين الماضيين. وبعبارات موجزة، فحكومات المنطقة والدول الغربية الداعمة لها
تخسر ببطء الحرب. ويمكن التعرف على أسباب هذه الهزيمة في مالي حيث بدأ التمرد
ببناء موطئ قدم في ظل الحكومة الفاسدة التي ركزت على العاصمة باماكو وتجاهلت بقية
البلاد. ففي معظم أنحاء مالي لا توجد شرطة، قضاة، مدرسون ولا ممرضين".
وأوكلت السلطات مهمة
الحرب لفرنسا والأمم المتحدة حيث سحبت قواتها من أجزاء واسعة من البلاد. و"في
المناطق التي ليس فيها أي وجود للدولة وانتشرت فيها الجريمة، كان الجهاديون
قادرين على نيل دعم السكان وإحلال العدالة حتى لو كانت قاسية. فالجهاديون ينتشرون
ويؤسسون وجودهم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو في المناطق التي تغيب فيها الدولة
أو تلك التي أجبرت على الخروج منها".
وأضافت المجلة أنه
ومنذ 2018 "استطاع الجهاديون اختطاف وقتل 300 مسؤول وقادة مجتمع مع عائلاتهم
في المناطق الحدودية للدول الثلاث. ويرى محللون أن الحرب ضدهم لا يمكن الفوز بها
عبر القوة ولكن من خلال تحسين طريقة الحكم والأوضاع الإقتصادية التي تكون كافية
لإعادة هيبة الدولة. ولكن من أين ستكون البداية في دولة عملت جهدها لنزع الشرعية
عن نفسها؟ ففي عام 2020 وبعدما أعلنت الحكومة عن فوزها في انتخابات مشكوك
بنزاهتها، خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجا عليها. وكانوا غاضبين، ليس من
الانتخابات ولكن من الفساد وتراجع الأمن".
وأشارت إلى أن معظهم
رحب بالانقلاب الذي قاده العقيد أسيمي غويتا في آب/أغسطس ذلك العام. ورغم وعده
بعقد انتخابات بعد 18 شهرا وعين رئيسا مدنيا انتقاليا إلا أنه غير رأيه وقاد
انقلابا ثانيا في أيار/مايو هذا العام، وعين نفسه رئيسا.
وقال رئيس وزرائه
المعين شغويل مايغا إن الانتخابات المقررة في شباط/فبراير المقبل ستؤجل "لعدة
أشهر"، وقد تكون لفترة أطول. وقال عمارو ديارا، الإمام السابق الذي يعمل مع
الحكومة الآن "ماذا قدمت لنا الانتخابات خلال 30 عاما؟ الفساد المستشري
والمحسوبية والكسل".
ويقول الإنقلابيون
إنهم بحاجة لمدة أطول "لإعادة تأسيس الدولة" بعد سنوات من الفساد والحكم
السيء، وهناك الكثير من الماليين يصدقونهم. وفي استطلاع نظم في شهر أيلول/سبتمبر
بالعاصمة باماكو قالت نسبة 75% إنها تريد تأجيل الانتخابات.
ويناقش الجنرال مارك
كونرويت الذي قاد القوات الفرنسية في المنطقة بالقول: "ليس للإضطرابات
والمصاعب السياسية في باماكو أي أثر" على العمليات العسكرية، وربما لن يدوم
هذا الوضع. فمن أجل تعبئة البلاد للاستمرار في الفترة الإنتقالية ألقت الحكومة
الإنتقالية كل مشاكل البلاد على الفرنسيين، وزعم مايغا بطريقة غريبة أن الفرنسيين
يوفرون التدريب للجهاديين. لكنه اشتكى في الوقت نفسه من خطط سحب باريس نصف قواتها
وإغلاق بعض القواعد العسكرية. وما يزيد من المصاعب هي خطط مالي الإستعانة بالمرتزقة
الروس من شركة فاغنر.
كما وتتشابك السياسة
مع الأمن والعنف في المحافظات أيضا. فالكثير من الجهاديين هم رموز سياسية ولهم
أتباع. فزعيم جماعة أنصار الإسلام والمسلمين، المرتبطة بالقاعدة إياد أغ غالي لم
يكن في الماضي جهاديا، وظهر أول مرة كمتمرد من الطوارق المطالبين بانفصال الشمال
عن الجنوب.
ولم يتم تنفيذ اتفافية
سلام وقعت عام 2015 تخفف من مظاهر الغضب التي تدفع الناس للعنف.
وفي وسط مالي ساء
الوضع أكثر من الشمال، واستغل الجهاديون الخلافات المحلية وقدموا أنفسهم كمدافعين
عن الفولانيين. وتزعم مليشيات مثل "دان نا أمبساغو" (صيادون متوكلون على
الله) أنهم يدافعون عن جماعاتهم العرقية. والنتيجة هي معارك انتقامية. ونفس الأمر
يمزق النسيج الإجتماعي في بوركينا فاسو والنيجر. فالسلام لا يستدعي فقط بناء مدارس
وعيادات ولكن أفكارا حول التشارك في السلطة بمجتمعات متعددة العرقيات.
ويرى الكثير من
الماليين أن التحاور مع الجهاديين قد ينتج عنه أفكار، إلا أن فرنسا التي خسرت 30
جنديا منذ 2013 تعارض الفكرة. إلا أن هذا لم يمنع من عقد أكثر من 40 اتفاقية سلام
في مالي وعدد آخر في بوركينا فاسو، وبعضها بين الجماعات العرقية وأخرى مع جماعات
جهادية. وتظل مفاوضات على مستوى عال بين الحكومة المالية والرموز البارزة بين
الجهاديين تحتاج لقفزة كبيرة.