في حين يعلن خليفة
حفتر رسميا تعليق مهامه العسكرية، تمهيدا للترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول/ ديسمبر القادم، وتعيينه الفريق أول عبد الرزاق الناظوري قائدا مؤقتا لقواته، نجده على الجانب الآخر يكثف الطَّرق الذي بدأه منذ سنوات على أبواب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة طلبا للعون والمشورة..
يأتي ذلك بعد مرور أسبوعين من إقرار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قانونا انتخابيا مثيرا للجدل لم يطرح للتصويت بعد؛ يسمح لقائد "الجيش الوطني الليبي" باستعادة منصبه في حال عدم فوزه في
انتخابات الرئاسة، وهو قانون خاص مفصل على قياس حفتر تماما، بما يشبه العبث بالقوانين والدساتير التي اعتدنا عليها، وهي تلك التي تخدم الطموحات الشخصية للحكام العرب في مراحل معينة من سني حكمهم البائس!!
وطمعا في الدعم الأمريكي
الإسرائيلي، وقبل أن تبدأ الانتخابات الرئاسية، يقدم حفتر وأبناؤه
وعود التطبيع بوصفه الخيار الأهم في خريطة الإجراءات ذات الأولوية في حال الفوز في انتخابات الرئاسة. فقد دارت الكؤوس وترنحت الرؤوس، ليعلن حفتر بوضوح وبصوت مسموع: أنا جاهز للانبطاح.. للخيانة.. لأي شيء ممكن، فقط فلتعمل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على تمكيني من رئاسة
ليبيا؛ مما يجعلنا نترحم على أيام معمر القذافي..!!
طمعا في الدعم الأمريكي الإسرائيلي، وقبل أن تبدأ الانتخابات الرئاسية، يقدم حفتر وأبناؤه وعود التطبيع بوصفه الخيار الأهم في خريطة الإجراءات ذات الأولوية في حال الفوز في انتخابات الرئاسة
لكن بإيجاز سريع لتاريخ حفتر نستطيع أن نعرف من هو هذا الرجل الذي شارك في الانقلاب على الملك إدريس السنونسي لصالح القذافي سنة 1969، وفي سنة 1978 وضعه القذافي على رأس القوات الليبية في الحرب التشادية، وقد تم أسره في إحدى المعارك. ثم يحدث شيء غريب، وهو إعلان حفتر الانشقاق عن نظام القذافي، بالتزامن مع إطلاق سراحه بوساطة أمريكية، ثم حصوله على حق اللجوء في الولايات المتحدة. ومع انطلاق الثورة الليبية ضد معمر القذافي2011 عاد حفتر إلى بنغازي، ومنذ أن وضع فيها قدمه وليبيا تعيش على وقع الخوف والقتل المجاني والاعتقال والمقابر الجماعية..
وثمة سؤال هنا مستحق: ما العلاقة بين حفتر والولايات المتحدة؟ والإجابة ليست لغزا، فقد كان تمرد حفتر على القذافي وإخراجه من الأسر ثم سفره إلى الولايات المتحدة لاجئا سياسيا معززا، بأثمان لا يختلف عليها عاقلان، إنها كمية الأسرار العسكرية والخطط والبرامج السياسية، وكل ما يتعلق بالقطر الليبي التي سلمها لـ"سي آي إيه".
إن مثل هذا الرجل لا يمكن أن يكون رجلا وطنيا يصلح لقيادة المرحلة، هذا لو أغفلنا الصفات الشخصية لكائن قاتل يفتقر إلى الذكاء والدهاء العسكري، وهو لا يزيد عن كونه يمثل ظاهرتين: الظاهرة الصوتية وظاهرة إهلاك الحياة.. مثل هذا الشخص هو المؤهل والمرشح لدى الدوائر الأمنية والسياسية من أعداء ليبيا، لأنه الوحيد القادر على جعل ليبيا في أسوأ حالة ممكنة، بحيث لا تقوم لها قائمة.. وقد لاحظت أن كل الدول التي قامت فيها ثورات ثم تعرضت للثورات المضادة تتم إطالة أمد الصراع فيها وإطالة أمد المعاناة قصدا؛ ثم تحميل كل أوجاع المرحلة ومعاناتها للثورة.
لاحظت أن كل الدول التي قامت فيها ثورات ثم تعرضت للثورات المضادة تتم إطالة أمد الصراع فيها وإطالة أمد المعاناة قصدا؛ ثم تحميل كل أوجاع المرحلة ومعاناتها للثورة
وأقف هنا مندهشا من تصور بعضهم بأنه يمكن للولايات المتحدة والكيان الصهيوني التأثير على الانتخابات لإيصال حفتر أو غيره لسدة الحكم، فهل هذا ممكن حقا؟! وأظنني سأكون في حالة اضطراب نفسي وتشتت ذهني في حال نجح حفتر في الانتخابات استنادا إلى تصريحاته حول
التطبيع والدين الإبراهيمي، في ظل الاتهامات الموجهة له بالفساد والتورط في سفك دماء الليبيين، كذلك بعد زيارات أبنائه المتكررة للكيان الصهيوني سرا وعلانية، والتي كان آخرها
زيارة ابنه صدام منذ أيام قليلة..!!
وفي الوقت نفسه لا أتخيل أن حفتر استطاع عبر نحو 10 سنوات من وجوده في شرق البلاد أن يدجن أبناء الشعب الليبي، وأن يجعلهم لعبة في يده يعبث بها كيف شاء، ليقوموا بانتخابه على الرغم من تصهينه وتماهيه مع التوجهات التطبيعية الإماراتية. فثمة ساعة للهزل وساعات للجد، وأظن أن ساعة الحقيقة قد أزفت؛ فالانتخابات سرية، وحسابات الحقل غير حسابات البيدر..!!
وهنا تبرز ثلاثة أسئلة مركزية ربما تجيب عنها نتائج الانتخابات المزمع تنظيمها في كانون الأول/ ديسمبر القادم:
السؤال الأول: ما الذي يجعل حفتر يبدو شبه واثق من الفوز بانتخابات الرئاسة؟
السؤال الثاني: هل تكون تصريحات حفتر وأفعاله الخيانية وتاريخه المخزي دافعا لليبيين للردة عنه؟!
السؤال الثالث: هل تملك الولايات المتحدة والكيان الصهيوني - فعلا - مفاتيح الانتخابات ومغاليقها بهذه القوة التي تمكن مرشحا ما من الفوز؟!
سأترك هذه الأسئلة لتجيب عنها ليبيا بشعبها الأبي ورجالها الأشاوس ومعهما رياح التاريخ والصحراء وعمر المختار؛ لأسأل سؤالا آخر عن القوانين التي تبيح لقاتل الترشح لأعلى منصب في الدولة، وهو يحمل أعلى أوسمة العار التي تؤشر عليه كأعتى مجرمي الحرب وأقبح حافري القبور الجماعية..!!
إذا وصل خليفة حفتر إلى الرئاسة سيعسكرها، لأنه لا يفهم سوى لغة القوة والمراوغة، وإن لم يصلها سيعسكر وجوده العسكري أكثر في وجه الرئيس الجديد
إن فوز حفتر في الانتخابات الرئاسية يشكل كارثة خُلقية وإنسانية واجتماعية وسياسية في آن معا.. ويجعل من إمكانية العيش الآمن وتحقيق مبدأَي الحرية والديمقراطية أمرا بعيد المنال، وسيضع البلاد على صفيح ساخن قابل للاشتعال في أي وقت.. فإذا وصل خليفة حفتر إلى الرئاسة سيعسكرها، لأنه لا يفهم سوى لغة القوة والمراوغة، وإن لم يصلها سيعسكر وجوده العسكري أكثر في وجه الرئيس الجديد؛
لنيل بعض المكاسب التي قد يحصل عليها بسهولة، في محاولة من مؤسسة الرئاسة لإغلاق بعض الملفات سريعا - وإن على حساب القناعات - وذلك لتوفير الهدوء الضروري لتسيير البلاد في أجواء من الأمن والسلام الاجتماعي..
من المؤلم حقا أن يصبح الكيان الصهيوني محجّا لبعض الساقطين بكل وقاحة وفجور وسفور؛ يبعث على القرف وقشعريرة الضلوع، وأستغرب من مرور ما قام به حفتر من تعهد بالتطبيع والاعتراف بالديانة الإماراتية/ اليهودية الجديدة مرورا عاديا، ناهيك عن تعهده بتجفيف منابع المقاومة الفلسطينية وحرمانها من السلاح، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الاحتلال في مقابل أن يقدم له الكيان الصهيوني الدعم والمشورة للفوز في الانتخابات.. كذلك قيامه بالتعاقد مع شركات صهيونية لتلميع صورته، والأمرّ من ذلك والأدهى أن نجد أن واحدة من هذه الشركات متعاقدة مع حفتر وسيف الإسلام القذافي في ذات الوقت، وهو ما يذكرني بمقولة موجعة لهيلين توماس، رئيسة قسم البيت الأبيض في وكالة يونايتد برس إنترناشونال، حيث قالت: "الغرب يعيش على غباء العالم الثالث والدول الفقيرة"..!!