منذ
الانتخابات البلدية عام 2019، لم يخفت الحديث في
تركيا عن الانتخابات المبكرة، حيث تطالب بها المعارضة بشكل متكرر، متكئة على تقدمها النسبي في تلك الانتخابات ومروّجةً لنفسها صورة من الثقة بنصر مماثل في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
في المقابل، يؤكد تحالف الجمهور المكوّن من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية أن الانتخابات لن تبكر وستجرى في موعدها منتصف عام 2023، لكن ذلك لا يثني المعارضة عن نداءاتها المتكررة، خصوصاً وأن ذلك يتيح لها الادعاء بأن
شعبيتها في تصاعد وأن شعبية الحزب الحاكم في تدهور مستمر، وأن الحزب "يخاف من صندوق الانتخابات".
ولذلك، ورغم تأكيد تحالف الجمهور على تثبيت موعد الانتخابات، إلا أن تركيا تعيش مؤخراً أجواء الانتخابات بدون تنظيمها، من حيث حدة الاستقطاب والمناكفات والتراشقات، والحديث عن المرشحين للانتخابات الرئاسية على وجه التحديد.
رغم تأكيد تحالف الجمهور على تثبيت موعد الانتخابات، إلا أن تركيا تعيش مؤخراً أجواء الانتخابات بدون تنظيمها، من حيث حدة الاستقطاب والمناكفات والتراشقات، والحديث عن المرشحين للانتخابات الرئاسية على وجه التحديد
ولأن
أردوغان هو المرشح الطبيعي والمتوقع للعدالة والتنمية وتحالف الجمهور، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً بخصوص الانتخابات المقبلة هو اسم المرشح المعارض الذي سينافسه.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات تستقي جزءاً لا بأس به من أهميتها من السياق الذي تتنزل به، والذي يؤثر حتماً بنتائجها بهذه الدرجة أو تلك. فلا يمكن الحديث عن الانتخابات وتوقع نتائجها دون أن نضع بعين الاعتبار الظروف التي ستجرى خلالها، لا سيما الوضع الاقتصادي الداخلي وأهم تطورات السياسة الخارجية، وكذلك
التحالفات الانتخابية وعدد المرشحين وأسماءهم، وميول الناخبين.. الخ.
وثانياً، من المهم التأكيد على أن فرص الفوز في مواجهة أردوغان ليست بالضرورة المعيار الوحيد ولا الأهم في اختيار المرشح (المرشحين) المنافس له.
ففي الانتخابات الرئاسية الفائتة في 2018، لم تتفق المعارضة على مرشح توافقي مشترك؛ كانت فرصه ستكون أفضل بالتأكيد أمام أردوغان من مشهد توزع الأصوات على أكثر من مرشح معارض.
فرئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشنير، أصرت على ترشيح نفسها لأن ذلك كان من شأنه تعزيز فرص حزبها الذي يخوض الانتخابات البرلمانية لأول مرة بعد التأسيس.
أحد أهم العوامل التي ستؤثر في نتيجة الانتخابات الرئاسية هو مدى قدرة المعارضة على الاتفاق على مرشح مشترك أو توافقي لها. فإن فعلت ذلك فقد رفعت من فرصها في المنافسة، وإن فشلت تتراجع هذه الفرص
وحزب
الشعب الجمهوري أيضاً حكمت اختيار مرشحه عوامل أخرى، غير فرص الفوز. فكليتشدار أوغلو كان قد ضاق ذرعاً بالقيادي في الحزب محرّم إينجه الذي طالما نافسه على رئاسة الحزب وأخذ عليه الخسارة مرات عديدة أمام أردوغان، فأراد كليتشدار أوغلو بترشيح إينجه إزاحته من الحزب ثم خسارته أمام أردوغان لسحب هذه الورقة من يده. من جهته، قبل إينجه الترشح لأنه كان ينوي استخدام نتيجته في الانتخابات ضد كليتشدار أوغلو داخل الحزب، وهو ما حصل لاحقاً وتسبب في تفاقم الخلاف بينهما، وصولاً لانشقاق إينجه وتأسيسه حزب "البلد" مؤخراً.
وثالثاً، وبناء على ما سبق، فإن أحد أهم العوامل التي ستؤثر في نتيجة الانتخابات الرئاسية هو مدى قدرة المعارضة
على الاتفاق على مرشح مشترك أو توافقي لها. فإن فعلت ذلك فقد رفعت من فرصها في المنافسة، وإن فشلت تتراجع هذه الفرص. ويبدو حتى اللحظة أن حزبَيْ المعارضة الأهم، الشعب الجمهوري والجيد، متفقان على ضرورة تقديم مرشح توافقي، ويُظن أن حزب الشعوب الديمقراطي سيدعم ذلك المرشح من بعيد دون موقف رسمي ومعلن.
وبالتالي فإن المعيار الرئيس لهذا المرشح التوافقي هو أن يكون مقبولاً من أنصار الشعب الجمهوري والجيد على وجه التحديد، وكذلك من شرائح أخرى من الناخبين، وبالتالي يفضل أن يكون ذا خلفية يمينية (قومية أو محافظة) أو يعطي هذا الانطباع، أو على الأقل أن يكون مقبولاً من هذه الشرائح، وهو ما يؤدي لطرح اسمي أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، رئيسَيْ بلديَّتَيْ إسطنبول وأنقرة على التوالي.
المعيار الرئيس لهذا المرشح التوافقي هو أن يكون مقبولاً من أنصار الشعب الجمهوري والجيد على وجه التحديد، وكذلك من شرائح أخرى من الناخبين، وبالتالي يفضل أن يكون ذا خلفية يمينية (قومية أو محافظة) أو يعطي هذا الانطباع، أو على الأقل أن يكون مقبولاً من هذه الشرائح، وهو ما يؤدي لطرح اسمي أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش
نظرياً، ما زال الرئيس الأسبق عبد الله غول الشخصية الأقوى في مواجهة أردوغان، إذ يبدو قادراً - نظرياً مرة أخرى - على كسب الأصوات من مختلف الأحزاب والأطياف، ومنها الأحزاب الجديدة التي خرجت من رحم العدالة والتنمية. لكن تجربة انتخابات 2018 تقول لنا بوضوح إن كليتشدار أوغلو لم يستطع إقناع قيادة حزبه فضلاً عن قاعدته بهذا الخيار، وهو أمر سيتكرر غالباً في الانتخابات المقبلة.
وإذا ما بدا للكثيرين أن شخصية مثل أكرم إمام أوغلو ستكون الأوفر حظاً في منافسة أردوغان في 2023 بعد فوزه ببلدية إسطنبول الكبرى، فإننا نذكّر بأن حسابات البلديات تختلف عن حسابات الانتخابات الرئاسية، ولذلك فقد كنا استبعدنا ترشيحه في مواجهة أردوغان. اليوم يقول رئيس الحزب كليتشدار أوغلو ما معناه أن إمام أوغلو ويافاش ينبغي أن يبقيا في رئاسة البلدية في كل من إسطنبول وأنقرة حتى لا يخسرهما مجدداً لصالح العدالة والتنمية. يعني ذلك أنه لا يفضل ترشيح أي منهما للانتخابات الرئاسية، وربما سيرغب أن يرشح نفسه، لكن الأخيرَيْن قد لا يسلمان له بهذا القرار، وهو ما قد يفتح الباب على خلافات داخل الشعب الجمهوري بين يدي الانتخابات.
وفي الخلاصة، فإن العاملَيْن الرئيسين المؤثرين في نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة هما مدى قدرة المعارضة على تقديم مرشح توافقي، واسم هذا المرشح. وهذا بحد ذاته تحدٍّ كبير للمعارضة، إذ ليس من السهل إيجاد مرشح يحظى بأصوات حزبي الجيد (القومي التركي) والشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) المتهم بعلاقات عضوية وتنظيمية مع حزب العمال الكردستاني.
من غير الممكن الحديث منذ اليوم عن نتائج الانتخابات المقبلة في تركيا، إذ لا تحضر الانتخابات قبل أن يحضر سياقها. لكن من المفهوم أن تشيع الأحزاب المختلفة، لا سيما المعارضة، أجواء الانتخابات لأن ذلك من شأنه حشد الأنصار
وتزداد الأمور تعقيداً حين تضاف الأحزاب الجديدة على المعادلة، والتي ما زال غير معروف على وجه التحديد ماذا سيكون خيارها في الانتخابات المقبلة: مشاركة كل حزب منها بشكل منفرد، أو الانضمام لأحد التحالفين القائمين، أم تشكيل تحالف ثالث من أحزاب صغيرة.
أخيراً، ولكافة الأسباب سالفة الذكر وغيرها، من غير الممكن الحديث منذ اليوم عن نتائج الانتخابات المقبلة في تركيا، إذ لا تحضر الانتخابات قبل أن يحضر سياقها. لكن من المفهوم أن تشيع الأحزاب المختلفة، لا سيما المعارضة، أجواء الانتخابات لأن ذلك من شأنه حشد الأنصار وتأمين التفافهم حول أحزابهم وقياداتها، بمعنى أن ذلك يمثل مصلحة حزبية في المرحلة الحالية السابقة على الانتخابات.
أما سؤال الفائز بالرئاسة التركية في 2023 فما زال سؤالاً سابقاً جداً لأوانه، وينبغي أن يُسبق بسؤال المرشحين وسؤال التحالفات الانتخابية القائمة، وغيرها من الأسئلة التي سبق وفصلنا فيها في المقال. لكن لن يكون من المبالغة القول إن الانتخابات المقبلة ستكون أصعب على أردوغان وحزب العدالة والتنمية من سابقاتها، ولذلك فإن الجميع ينظر لها على أنها انتخابات استثنائية سترسم صورة تركيا لسنوات طويلة قادمة.
twitter.com/saidelhaj