هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حمل الغاز الطبيعي المكتشف بكميات ضخمة في شرق المتوسط العلاقات المصرية مع الاحتلال الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة في التعاون فيما بينهما، بعد الإعلان عن خطط لمد خط أنابيب بري جديد بين البلدين لزيادة صادرات الأخيرة من الغاز الطبيعي، وسط تساؤلات عن المستفيد الأكبر من الخط الجديد.
وقالت وزارة الطاقة الإسرائيلية؛ إنها تدرس مد خط أنابيب بري جديد إلى مصر لتعزيز إمدادات الغاز الطبيعي لمصر، ونقلت وكالة رويترز عن مصادر بالقطاع، أن خط الأنابيب سيتيح لإسرائيل زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر بين ثلاثة وخمسة مليارات متر مكعب في السنة.
الخط الذي سيكلف نحو 200 مليون دولار، قد يصبح جاهزا لتشغيله خلال 24 شهرا، من شأنه أن يعزز وضع إسرائيل كمركز رئيسي للطاقة في شرق البحر المتوسط، خاصة بعد أن أصبحت موردا رئيسيا للغاز الطبيعي إلى مصر.
الخط البري الجديد ينضم إلى خطوط أخرى، أقدمها هو الخط الأول "خط أنابيب شرق المتوسط"، الذي كانت تصدر منه الغاز إلى إسرائيل قبل أن تنقلب الدفة وتستخدمه الأخيرة لتصدير الغاز إلى مصر، ويبدأ من العريش وحتى عسقلان.
في شباط/ فبراير الماضي، اتفق النظام المصري مع الاحتلال الإسرائيلي على بناء خط بحري جديد، يربط حقل لوثيان البحري ومحطتي إسالة الغاز في إدكو ودمياط في شمال مصر، مع وجود خطط أخرى لمد خطوط بحرية من حقول النفط التابعة لليونان وقبرص لمصر.
اقرأ أيضا: الاحتلال يبحث مع القاهرة تسييل الغاز في مصانع مصرية
هذه الخطوط تأتي إلى جانب الخط الذي اتفقت إسرائيل وقبرص واليونان على إنشائه تحت البحر المتوسط إلى أوروبا مطلع عام 2020، لتصدير الغاز إلى أوروبا، ما أثار جدلا كبيرا حول أسباب وجدوى إنشاء هذا الخط، الذي قد يتعارض مع طموحات مصر في التحول لمركز إقليمي للغاز.
في كانون الثاني/ يناير 2020، بدأت مصر باستقبال الغاز الإسرائيلي بعد البدء في الإنتاج من حقلي "تمار" و"ليفياثان" البحريين للغاز، ويتم استقبال حوالي 5 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، يربط إسرائيل بشبه جزيرة سيناء المصرية.
بموجب الاتفاق التاريخي الذي أبرم بين الدولتين ليصبح الأهم منذ إقرار اتفاقية السلام قبل عقود، سوف تستقبل 85 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 19.5 مليار دولار من حقلي لوثيان وتمار البحريين الإسرائيليين على مدى 15 عاما.
وسيسمح خط الأنابيب الجديد بزيادة الإمدادات إلى مصر بما يتراوح بين 3 و5 مليارات متر مكعب سنويا، وسوف تستخدم هذه الإمدادات في تغذية شبكة الكهرباء المصرية، وزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا وآسيا.
— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 23, 2021
إسرائيل المستفيد أولا
في سياق تعليقه، قال الباحث المتخصص في شؤون النفط والطاقة المهندس عامر الشوبكي؛ إن "الخطوط الموجودة حاليا ومستقبليا، هي من أجل عبور الغاز الإسرائيلي للعالم الخارجي سواء إلى مصر وسوقها المحلي، أو إلى أوروبا بعد إسالته بمحطات الإسالة المصرية".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، "أن المستفيد في المقام الأول هو إسرائيل، التي تعمل جاهدة على الاستفادة من زيادة الإنتاج وارتفاع الأسعار، واستغلال الخطوط في تصدير الغاز لمصر، حيث إنها لا تملك محطات لإسالة الغاز الطبيعي وتصديره للخارج، وبدون تلك الخطوط لا تملك إسرائيل فرصا حقيقية لإنتاج الغاز وبيعه للأسواق الخارجية".
وتقول مصر، التي تملك 2.1 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، وتنتج زهاء 7 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميا، وتستهلك نحو 6 مليارات قدم مكعب يوميا؛ إنها تعمل على تنفيذ استراتيجية متكاملة لتحويلها إلى مركز إقليمي لتداول وتجارة الطاقة بالمنطقة.
اتفاقيات غسيل الطاقة
بدوره؛ قال عضو لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري سابقا، محمد مسعد؛ إنه "في ظل غياب الشفافية تحت نظام الحكم الحالي الذي فرط في ثروات المصريين في شرق المتوسط، أصيبت إسرائيل بالتخمة من وفرة الغاز الطبيعي من حقلي ليفان وتمارا، وتوج النظام تفريطه بعقد اتفاق مجحف باستيراد الغاز من إسرائيل، بصفقة وصفت بالتاريخية قيمتها نحو 20 مليار دولار".
ووصف في حديثه لـ"عربي21" ما يجري "بأنه أشبه بغسيل الطاقة على غرار غسيل الأموال، وهي أشبه بالاتفاقية التي عقدت في عهد مبارك وخسرت مصر فيها مليارات الدولارات، وتم التفريط في مقدرات الشعب المصري مرتين، الأولى كبائع بثمن بخس، والثاني كمشترٍ بثمن مبالغ فيه".
وأعرب عن أسفه "لعقد مثل هذه الاتفاقات طويلة المدى دون أن تعرض على الشعب المصري، ولكنها تضمن فقط عمولات باهظة للمتعاقدين، وللأسف كل الاتفاقيات تكون بنودها لصالح الكيان الإسرائيلي ومحكمة الخناق للجانب المصري، هذا إلى جانب أنها جزء من ولاء نظام السيسي لتل أبيب، والتنازلات شرقا وغربا للحفاظ على الكرسي".
اقرأ أيضا: ماذا وراء اللقاء الاقتصادي الأكبر منذ عقدين بين مصر والاحتلال؟
مصر وإسرائيل في حقل واحد
اعتبر المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، الدكتور حسام الشاذلي، أنه "بات من الواضح أن النظام المصري الحاكم منذ ٢٠١٣ قد وافق على أن يكون البوابة الرئيسية لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا والعالم، الذي بات أحد أهم محاور التعاقدات بين النظام المصري وإسرائيل منذ اكتشاف كميات كبيرة منه في عام ٢٠٠٩".
وأضاف لـ"عربي21": "إذا نظرنا لحجم التعاقدات في مشاريع إسالة الغاز الإسرائيلي وإعادة تصديره التي بلغت مرحلتها الأولي فقط ١٥ مليار دولار، ثم الخط الجديد الذي سيتم مده عبر سيناء إضافة للخط المتفق عليه مسبقا تحت الماء، تكون لدينا صورة واضحة لنوع العلاقة التي يتم رسمها مستقبلا بين مصر وإسرائيل، وهي علاقة اقتصادية ارتباطية تربط الاقتصاد المصري بالإسرائيلي والعكس".
وأشار الشاذلي إلى أن "هذا يأتي في مجال هو من أكثر المجالات الحرجة والمؤثرة سياسيا واقتصاديا محليا وإقليميا ودوليا وهو مجال الطاقة، ولا شك أننا سنسمع قريبا عن إنشاء محطات للمعالجة والتسييل أخرى بمصر، وتمويل من مؤسسات دولية يلعب اللوبي الإسرائيلي فيها دورا رئيسيا؛ حتى نصل لنقطة اللاعودة، بحيث لا يمكن فصل المنظومتين اقتصاديا".