كتاب عربي 21

الإخوان المسلمون.. ومكلف الأيام ضد طباعها!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
كيف يمكن قراءة مستقبل الإخوان في ضوء الإجراء الذي اتخذه إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة والقائم بأعمال المرشد، ضد "مجموعة الستة"؟!

هذا هو سؤال الوقت الذي يطرحه كثيرون من خارج الجماعة، ومن المنصفين في خانة المحبين، وبصياغات مختلفة، وهم من الذين أسعدتهم هذه الإجراءات، فاحتفوا بها على منصات التواصل الاجتماعي!

عندما طُرح عليّ هذا السؤال، كنت أسأل طارحه عن الزاوية التي ينطلق منها في سؤاله، ذلك بأن هناك من ذهبوا بعيداً حد الاعتقاد بأن هذه التغييرات قد تعني عودة الحراك الثوري، ولو بالضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين، والبعض كان أكثر طموحاً فكان سؤاله ينطلق من فكرة الحفاظ على الجماعة من الانهيار والضعف، وربما التبخر!

إن ردة الفعل المستبشرة بهذه الإجراءات، لا سيما من الذين جمدوا عضويتهم في التنظيم، أو جمدت هذه العضوية بقرار من الإدارة المعزولة، إنما تؤكد على أنهم لا يزالون معنيين بأمر الجماعة. ولم تكن عدم المبالاة بمآلات الأمور إلا عجزاً عن الإصلاح، واستسلاماً أكثر مما هو رضى بالمكتوب، لكن ها هم يقيمون الأفراح لمجرد صدور قرار بتعيين متحدثين (اثنين) إعلاميين! كما لو كان فتحاً غير مسبوق في تاريخ الجماعة، وهو أمر وإن كانت له دلالته الرمزية في طريق نزع الشرعية عن "مجموعة الستة"، إلا أنه ليس بالعمل المبهر، أو بالإجراء الذي يمثل ضربة قاتلة في حسم الصراع؛ الذي لن يحسم بسهولة، ولن تستسلم هذه المجموعة، ولو لم يبق لها مؤيد واحد في الصف أو في القيادة!
ردة الفعل المستبشرة بهذه الإجراءات، لا سيما من الذين جمدوا عضويتهم في التنظيم، أو جمدت هذه العضوية بقرار من الإدارة المعزولة، إنما تؤكد على أنهم لا يزالون معنيين بأمر الجماعة. ولم تكن عدم المبالاة بمآلات الأمور إلا عجزاً عن الإصلاح

فهناك تكليف سابق للقائم بأعمال المرشد العام للجماعة، لم يستطع تنفيذه، بتشكيل لجنة برئاسة "حلمي الجزار"، الذي لم يبدُ حريصاً على تنفيذه وهو يواجه هذه المقاومة. وكان لا بد من مفاوضات تنتهي بقبول الحد الأدنى، وإذ خسر الأمين العام موقعه، فإن نفوذه باعتباره الرجل الأول استمر، لتظهر الأزمة أن هذا الموقع (الأمين العام للجماعة) قد ألغي لائحياً، وهذا الاستسلام في مواجهته، والقبول، رضاء أو غير ذلك، بموقعه المنتحل يمثل إجابة لسؤال الأنصار!

الحراك الثوري:

لن أدخل في إشكالات الصراع، ولكني سأقفز للأمام، في اتجاه أن الأمور حسمت لصالح من يمثل الشرعية الحقيقية، الممنوحة بحسب بنود اللائحة، وبحسب إرادة الأغلبية من الإخوان.. فماذا عن مستقبل الجماعة؟!

من الخطأ بمكان وضع تصورات حالمة لعودة الحراك، فهذا ليس صراعاً بين الجناح التنظيمي والثوري في الجماعة. فقد كان هذا في السابق وقد خسره التيار الأخير والذي مثله في الداخل الراحل محمد كمال، وكان له جناح في الخارج معلوم العنوان، وقد هُزم في المعركة وتبخر، وجمدت عضوية القوم في الجماعة، بل إن التيار السياسي الذي تمثله مجموعة الوزراء، ومن في تركيا من النواب السابقين ووجهاء الجماعة، هزموا أيضاً، ولم ينجحوا حتى في فكرة إحياء نشاط حزب الحرية والعدالة!

والحاصل الآن هو صراع داخل تيار واحد، وإن كانت هناك فروق جوهرية تتخلص في إخلاص إبراهيم منير للتنظيم، وهو لا يخلط إخلاصه بظلم، في حين أن الولاء الخالص للبعض مشكوك فيه، في جماعة شهدت كثيراً وعلى مدى تاريخها اختراقات أمنية، وهو دليل حيوية، فلا تحدث هذه الاختراقات لمن في القبور!
الحاصل الآن هو صراع داخل تيار واحد، وإن كانت هناك فروق جوهرية تتخلص في إخلاص إبراهيم منير للتنظيم، وهو لا يخلط إخلاصه بظلم، في حين أن الولاء الخالص للبعض مشكوك فيه

صحيح أن عودة المتقاعدين لصفوف الجماعة، سيجعل من الإدارة الجديدة، أكثر ديناميكية، لكن سيكون لهذا سقف، وإن نقل الجماعة من الموت السريري، إلا أنه لن يمثل عودة للحراك الثوري ولو في حده الأدنى!

وهذا يعود إلى طبيعة الجماعة، ولنكن أكثر وضوحاً في هذه النقطة، فحسب الظاهر من الأوراق أن الدكتور محمود حسين سافر بتكليف للخارج، قبيل 30 حزيران/ يونيو 2013، وهو نفس التكليف الذي يقول المقربون منه إنه صدر له بقرار الإخوان بالمشاركة في الثورة، حتى إذا فشلت الثورة أو نجح الانقلاب، يتولى هو التنظيم في الخارج، فانظر إلى من وقع عليه الاختيار لتتضح لك الرؤية!

ولا يعيب د. محمود حسين أنه ليس محسوباً على التيار السياسي أو الثوري في الجماعة، ولكن هذا التكليف - لو صح - فإنه يضع النقاط فوق الحروف، فالهدف هو الحفاظ على التنظيم ولو بوضعه في الثلاجة!

فلم يكن عصام العريان من وقع عليه الاختيار، أو البلتاجي، ولم يكن صاحب صفة سياسية تؤهله للقيام بشيء، كرئيس البرلمان ورئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور سعد الكتاتني، لكن الاختيار كان لمن هو دوره في الجماعة وظيفي، وأقرب للموظف الإداري!

ولم تكن أزمة الإخوان بعد الثورة في عدم وجود من لهم وصل بها، ولكن في تهميشهم، بل إن "كبار العائلات" في الريف المصري كانت أكثر إدراكاً منهم للمرحلة الجديدة، فقد طوت دور القيادات التقليدية، واهتمت بالبحث عمن له علاقة بالثورة أو انتماء ديني من القبيلة ليكون ممثلهم، إدراكاً منها أن الإصرار على القيادات الحالية هو مغامرة ستدفعها لخسارة الجلد والسقط!
مما يميز جماعة الإخوان المسلمين هو أنها قماشة اتسعت لتوجهات عدة، ففيها الثوري والسياسي، والصوفي والسلفي، وإن كان الغالب عليها هو التيار الإصلاحي، وكان ينبغي أن يتقدم الصفوف سياسيو الجماعة من لهم قدم صدق في الثورة، لكن غيرهم من تخطوا الرقاب

إن مما يميز جماعة الإخوان المسلمين هو أنها قماشة اتسعت لتوجهات عدة، ففيها الثوري والسياسي، والصوفي والسلفي، وإن كان الغالب عليها هو التيار الإصلاحي، وكان ينبغي أن يتقدم الصفوف سياسيو الجماعة من لهم قدم صدق في الثورة، لكن غيرهم من تخطوا الرقاب، ليظل واحد مثل العريان في أدوار ثانوية، وليفتش الحاوي في جرابه ويقدم شخصاً مجهولاً كأحمد فهمي ليكون رئيساً للغرفة البرلمانية الثانية، ومسؤولاً عن المؤسسات الصحفية القومية، وعندما يخلو موقع رئيس حزب "الحرية والعدالة"، باختيار الدكتور محمد مرسي رئيساً للجمهورية، وتكون المفاضلة بين العريان والكتاتني، فيكون الدفع في اتجاه أن يفوز الأخير بالموقع، فأي عقل يمكن أن يستوعب هذا؟!

وقد جرى تهميش الدكتور البلتاجي، حد القول إنه تقرر فصله من عضوية الجماعة أكثر من مرة، وعندما يحتاج الرئيس محمد مرسي إلى من يفاوض القوى المدنية، فلا يدفع بالعريان (الصديق لمعظم رؤساء الأحزاب)، أو البلتاجي (الذي يعرف كل شباب الثورة)، وإنما فوض بالمهمة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي!

لست هنا أنكأ الجراح، أو أقلب المواجع، ولا بأس من هذا كله، لكن ما قصدته هو الفهم الحقيقي لجوهر الأمر، لوضع حدود للتصورات المستقبلية!

ملف المعتقلين

إن هذا التدخل الجراحي الذي قام به نائب المرشد العام والمرشد بالإنابة؛ سيعيد للتنظيم حيويته، بعودة من تم وضعهم في الثلاجة، وهذا كله لصالح التنظيم، لكن هذه الحيوية لا تعني عودة الحراك الثوري ولو للضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين، وإن كان الاتجاه الجديد لن يطوي ملف المعتقلين كما فعلت "القيادة المعزولة"!
هذا التدخل الجراحي الذي قام به نائب المرشد العام والمرشد بالإنابة؛ سيعيد للتنظيم حيويته، بعودة من تم وضعهم في الثلاجة، وهذا كله لصالح التنظيم، لكن هذه الحيوية لا تعني عودة الحراك الثوري ولو للضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين، وإن كان الاتجاه الجديد لن يطوي ملف المعتقلين كما فعلت "القيادة المعزولة"!

وخلاصة القول في ما يختص بالثورة، أن الفارق الجوهري بين وضع الجماعة في السابق ووضعها الحالي أنها لم تكن تدعو للثورة، أو تشارك في الحراك (مظاهرات محمد علي ومظاهرات الأرض نموذجان مهمان)، لكن الاتجاه الجديد قد يشارك بقدر وبعد حسابات كثيرة إذا قام بها الآخرون، والقيادة السابقة لن تفعل أبداً، وقد صارت من أهل الدثور!

إن الاتجاه الجديد لن يستمر في تبني السياسة الشهيرة لجورج بوش الابن: من ليس معنا فهو علينا، وتحت هذا الشعار طرد شباب من رحمة الجماعة في الخارج إلى الشوارع، ومنع الدعم عن أسر معتقلين، بل وعن محافظات بأكملها لأمر مرتبط بخروجها عن الولاء للقيادة في صراعها السابق مع تيار محمد كمال، بل وعقاباً على رفض السياسات المتبعة، وهي ملفات لو فتحت في المستقبل فسيكون المعلن مؤلماً، وقاسياً، ومؤذياً للضمير الإنساني!

وليبقى السؤال التالي عن مدى تعزيز الإدارة الجديدة من مستقبل الجماعة في مصر، وللدقة مستقبلها السياسي، وهو المهم، لأنني أعتقد أن المطالب التي يرفعها كثيرون بضرورة أن تقتصر الجماعة على العمل الدعوي وتترك السياسة بعد كل هذا الفشل، هو مكلف للأيام غير طباعها، وقد توافق الجماعة الآن من منطلق الهزيمة، لكنها لن تكون صادقة أبداً، وستظل تنتظر الفرصة من جديد!

من حسن حظ جماعة الإخوان أن ذخيرتها الحية ليست في الأعضاء ولكن في الأنصار، وهؤلاء لن تشغلهم كثيراً سياسات القادة، لأنهم لن يصدقوا كل ما يقال، ودوا لو ستروا العورات بطرف ثيابهم، وإن كنت أقطع جازماً بأن فكرة نجاح الإخوان في أي انتخابات رئاسية في الأمد المنظور مستبعدة تماماً، ليس إقراراً بفشلهم ولكن تسليماً بعدم قدرتهم على حماية الشرعية وصد العدوان عليها، وهذا مهم في فهم سيكولوجية الشعب المصري!
كما أن من يعتقد أن خروج الإخوان من السياسة هو مكلف الأيام غير طباعها، فكذلك حال من يعتقد أن الإدارة الجديدة، ستعيد الحراك الثوري من جديد!

بيد أن الأمر سيكون مختلفاً في أي مسارات أخرى برلمانية، أو بلدية، أو نقابية، وفي حدود أقل مما حصلوا عليه من قبل، سواء نجح إبراهيم منير في مهمته، أو نجح تمرد مجموعة الستة. والتعامل مع شعبية الإخوان يحتاج لعقل سياسي، وليس لعقول عسكرية عليها أقفالها، لكن السياسة لن تنجح في أن يتولى عبد الفتاح السيسي الحكم، وهذا مربط الفرس!

ما علينا، فكما أن من يعتقد أن خروج الإخوان من السياسة هو مكلف الأيام غير طباعها، فكذلك حال من يعتقد أن الإدارة الجديدة، ستعيد الحراك الثوري من جديد!

هؤلاء وهؤلاء، كمكلف الأيام ضد طباعها.. ومتطلب في الماء جذوة نار، كما قال القائل!

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (2)
ناصحو أمتهم
الأربعاء، 20-10-2021 12:08 ص
وهل صنع الاخوان حراكا ثوريا حتى يُتساءل عن امكانية قيامهم بعودته؟؟؟ كلا من الستة ومنير ومن معه وجوه لنفس العقم والاهتراء والتلفيق المتراكم عبر عقود طويلة.
حمدى مرجان
الإثنين، 18-10-2021 06:42 م
قيس سعيد رئيس منتخب ، ويفعل بالدبابة والسفارة الامريكية في الشعب ما لم يفعله بالشعب ، فالدبابة اصدق انباء من الشعب ، وكيف تكون قوتها اذا قادتها امريكا ، ولقد انتصرت نصرا باهرا في موقعة " الجيزة " ، معركة الدكر الوحيدة والتي حصل منها علي رتبة " اكسترا " ، فما المانع وقد تكررت في " دلجا " والاجوار ، الشعب المصرى داخل معسكر الامن المركزى ، لقضاء خدمة الزامية او حبس احتياطي او سجون ،والغريب ان امريكا " تقلق " والشعب لا " يقلق "