كتاب عربي 21

لصالح من تنشغل واشنطن بحرب اليمن؟

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

المشهد في اليمن يهيمن عليه هذه الأيام متغيرٌ واحد، وهو استمرار الحوثيين في حيازة مكاسب عسكرية في محافظة مأرب الاستراتيجية، ومواصلة المجلس الانتقالي فرض نفوذه الأمني في العاصمة السياسية المؤقتة عدن على وقع أحدث المعارك العبثية التي تسببت في سقوط المزيد من الضحايا، وفي مواصلة تدمير أحد أهم وأقدم مدن وأحياء العاصمة المؤقتة، التي انتهت كالعادة بعودة المتقاتلين إلى الملاذات المحصنة التي يوفرها التحالف بشقيه السعودي والإماراتي لهؤلاء المقاتلين.

تتميز الجهود السياسية التي تبذل حالياً بواسطة المبعوثين الخاصين إلى اليمن: الأمريكي تيموثي ليندر كينغ والأممي هانزغروندبرغ؛ بالنفس الطويل والرتابة، والارتهان إلى خطاب يشدد على الأولويات الإنسانية والإغاثية ويتجاهل استمرار الحرب وضرورة وقفها على الفور، لأن الحرب وحدها من يفتك بالآلاف ويعمق المعاناة الإنسانية ويدفع بالملايين إلى حافة المجاعة.

وبينما تتجه الحرب التي يشنها الحوثيون على مأرب نحو تهديد ملايين اليمنيين في عاصمة المحافظة، فإن الحكومة الأمريكية لم تفعل أكثر من أنها أضافت مأرب إلى قائمة المناطق التي تتهددها الحرب بكوارث إنسانية فظيعة، فيما وجد السعوديون فرصة لبقاء مأرب قيد الاستنزاف المستدام للموارد البشرية والاقتصادية، ومنطقة مفتوحة على موجات لا متناهية من النزوح، جراء الحرب الشرسة، وهدفها هو أن تُثبِّتَ الحوثيين طرفاً محلياً فتاكاً ومنتهكاً لحقوق الإنسان ومدعوماً من إيران؛ في معادلة الصراع التي تضع السعودية طرفاً خارجياً متورطاً بشكل مباشر في هذه الانتهاكات، وفقاً لتقييم المنظمات الدولية وجماعات الضغط في واشنطن.

الخطاب السياسي والإعلامي للمنظومة الدولية والدبلوماسية الأمريكية بشأن الحرب الدائرة في اليمن يبدو أنه صيغ بعناية ليتم تصديره إلى المؤسسات الغربية؛ التي تنشغل بنفاق شديد بمظلومية اليمن وتسوقه كضحية لدول غنية تحاربه بأدوات فتاكة، وهي سردية تغطي على القاتل الحقيقي الأشد فتكاً والذي تمثله جماعة الحوثي

الخطاب السياسي والإعلامي للمنظومة الدولية والدبلوماسية الأمريكية بشأن الحرب الدائرة في اليمن يبدو أنه صيغ بعناية ليتم تصديره إلى المؤسسات الغربية؛ التي تنشغل بنفاق شديد بمظلومية اليمن وتسوقه كضحية لدول غنية تحاربه بأدوات فتاكة، وهي سردية تغطي على القاتل الحقيقي الأشد فتكاً والذي تمثله جماعة الحوثي المدعومة من إيران، بل وتشد على أيدي هذه الجماعة لأنها تواجه السعودية الوهابية وتحارب الإرهاب المزعوم.

ترتهن الإدارة الأمريكية لتأثير الكونجرس وللعشرات من الواجهات الإنسانية والحقوقية بالإضافة إلى جماعات الضغط التي تعمل كلوبي لخدمة مصالح المخرطين في الصراع اليمني، في متاجرة معلنة بل ومقننة أمريكياً بالمواقف الرسمية المفترضة لواشنطن حيال القضايا الدولية، بما فيها تلك التي تحدث آثاراً مدمرة على السلام العالمي كما يجري في اليمن.

ولهذا سيستمر الجهد الدبلوماسي الأمريكي بالضغط على السعودية، التي لم تعد تجني من الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية سوى هذه الضغوط والابتزاز والإهانات لقادتها، خصوصاً تلك التي صبها الرئيس السابق دونالد ترامب إبان مهرجاناته الانتخابية، ليستعرض قدراته في تطويع دول وممالك في منطقتنا لإراداته وخدمة للأولويات الاقتصادية والاستثمارية لبلاده.
سيستمر الجهد الدبلوماسي الأمريكي بالضغط على السعودية، التي لم تعد تجني من الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية سوى هذه الضغوط والابتزاز والإهانات لقادتها، خصوصاً تلك التي صبها الرئيس السابق دونالد ترامب إبان مهرجاناته الانتخابية، ليستعرض قدراته في تطويع دول وممالك في منطقتنا لإراداته

بعد نصف شهر تقريباً على زيارة له إلى الرياض، ها هو المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينج يستأنف جولة جديدة في المنطقة بدأها الجمعة بالأردن وتشمل الإمارات والسعودية وسلطنة عُمان، في تحرك تركز أولوياته "على تقديم الإغاثة الفورية للشعب اليمني، والدفع باتجاه وقف الحرب وصولا إلى سلام دائم وشامل في البلد تحت قيادة الأمم المتحدة"، كما جاء في بيان لوزارة الخارجية الأمريكية.

ليس هناك من معنى لجولة المبعوث الأمريكي، سوى أنها تخصم بالفعل من رصيد الحكومة الشرعية، ومن حقوق الشعب اليمني، الذي ينظر إلى الحوثيين المدعومين من إيران وهم يحققون أهدافهم في تناغم متفاوت من حيث المصالح والدوافع مع كل من السعودية والإمارات، رغم الضربات الجوية السعودية التي تستهدف إمدادات الحوثيين وتجمعاتهم في مناطق تقدمهم بمحافظة مأرب، لكن لا تصل إلى حد هزيمتهم.

لا يبدو إذاً أن واشنطن مستعدة للتصرف بحماس تجاه مبادرة وقف إطلاق النار المعلنة من جانب السعودية نيابة عن السلطة الشرعية، بما يقتضيه ذلك من مقاربة مختلفة لحالة عدم الانصياع التي تغلب على مواقف الحوثيين المرتبطين بإيران، خصوصاً أن مبادرة وقف إطلاق النار حققت ما كانت تريده واشنطن من انصياع سعودي تام، في حين ينظر إليها (المبادرة) المراقبون كخطوة توفر الحد الأدنى من متطلبات بناء السلام، لكونها تركز على الانطلاق نحو هذا السلام بناء على المرجعيات لا على المكاسب الميدانية التي أحرزتها الجماعات المسلحة؛ عندما تجاوزها الحوثيون وشركاؤهم في المؤتمر الشعبي العام منذ 2014 عبر الحرب.
إذا كان المساران الدبلوماسيان الأممي والأمريكي يركزان على سلام بين الشرعية والحوثيين، فإن السعودية والإمارات استبقتا هذه الجهود بخلق مسار مليء بالتعقيدات في جنوب اليمن؛ من بين أهم أهدافه فصل الجنوب وإعادة تفكيكه، وهو أمر يجعل من الصعب التصديق بأن هذين البلدين جاهزان لمساعدة اليمن للتغلب على تهديد الحوثيين

وبقي أن نؤكد على أن المقاربة الأممية والأمريكية للحرب في اليمن، تتكئ على رصيد من الانتهازية التي غذّتها للأسف سياسة الرياض وأبو ظبي ومعركتهما العبثية في اليمن. ففي المحصلة لا تمكن معرفة ما الذي يريده هذان البلدان، بعد أن فقدنا الأمل في كونهما يدعمان اليمن وشرعيتها أو يرغبان في هزيمة جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران.

فإذا كان المساران الدبلوماسيان الأممي والأمريكي يركزان على سلام بين الشرعية والحوثيين، فإن السعودية والإمارات استبقتا هذه الجهود بخلق مسار مليء بالتعقيدات في جنوب اليمن؛ من بين أهم أهدافه فصل الجنوب وإعادة تفكيكه، وهو أمر يجعل من الصعب التصديق بأن هذين البلدين جاهزان لمساعدة اليمن للتغلب على تهديد الحوثيين، أو منع حسم ممكن للحرب لحساب الحوثيين الذين يقاتلون لإعادة فرض نظام لا يكره اليمنيون نموذجاً أكثر منه في هذا العالم.

 

twitter.com/yaseentamimi68

التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
الإثنين، 11-10-2021 01:06 م
المعذرة أخي الكريم أن وجع سوريا بالغ الشدة شغلنا عن متابعة وجع اليمن الشديد الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبركة ... هذا البلد العزيز الغالي الذي هو أصل العرب أي أصلنا . لو دققنا النظر في واقع البلدان العربية لوجدنا أنها ، من دون استثناء ، خاضعة للاستعمار المعادي و المبغض لأمتنا بشكل "جنوني" . هو استعمار فرعوني متغطرس متوحش و بذل جهوداً جبارة من أجل أن تبقى بلادنا مجزأة و في حظيرة العبودية له و استعمل أدوات متنوعة لإبقائنا تحت كابوس سيطرته. من هذه الأدوات ، (( استغلال الأقلية في بلد ما لتتحكم بالأغلبية )) حيث يعتقد الاستعمار أن خوف الأقلية على نفسها سيدفعها بشكل غريزي للارتماء بأحضان الاستعمار فيقوم هو بإعطائها مفاتيح السلطة و متى تورطت في ذلك و مارست القتل و التدمير فسيزداد ارتباطها بالاستعمار الغريب بما يضمن لها الحماية و عندما يزداد انغماسها في مستنقع الخيانة و العمالة لا يتبقى لها انتماء للبلد الذي تعيش فيه و لا إمكانية تعايش سلمي مع أغلبية أهل البلد و يتحول غالبية شباب ، و ربما شابات ، الأقلية إلى مليشيا كبيرة تمتهن سفك الدماء و التخريب فتصبح هي و الغريب الحاقد نفس الشيء . في مطلع الثمانينات ، أخبرني رجل حلبي فاضل واسع الاطلاع أن عدد الطائفة النصيرية (التي سمتها فرنسا العلوية) هو حوالي مليون نسمة أي أن نسبتهم كانت أقل من 1 % . دارت الأيام دورتها ، فإذا أمريكا تتلاعب بالأرقام لتجعل نسبتهم 10 % (انظر للوكيبيديا للتأكد). و بالطبع ، لعبت مع أقليات أخرى لتدعم تلك الأقلية "المنقرضة" . التلاعب بأرقام الإحصائيات ، جعل بول بريمر الحاكم الأول للعراق بعد احتلالها يهبط بنسبة المسلمين في ذلك البلد من أكثر من 75% إلى 20% و قال في مذكراته أن أمريكا ذهبت للعراق من أجل تصحيح خطأ تاريخي استمر 1000 عام ، و لذلك قامت بلاده بنقل السلطة لأتباع الدين الفارسي الشيعي . سبحان الله كيف يقوم الاستعمار بتكرار الأكاذيب . ما أعلمه أن التركيبة السكانية في اليمن هي ( المسلمون 95% ، أتباع الدين الفارسي الشيعي 2 % ، بقية الأديان 3 %) . التلاعب أدى إلى نفخ عدد الحوثيين إلى 5 % ... هكذا بجرَة قلم ! لقد لعبت أمريكا لعبة غبية ، إذ في نهاية عهد ترامب وضعت الإدارة الحوثيين على قائمة الإرهاب و في بداية عهد بايدن رفعت الإدارة الحوثيين من قائمة الإرهاب و المسافة بين الوضع و الرفع كانت أياماً معدودات . لقد اتضح لي منذ نهاية 2013 أن أمريكا هي الداعم الأكبر للحوثيين ، و ما إيران و غيرها من اللاعبين سوى أدوات أمريكية لتنفيذ مشروعها الجهنمي بشأن اليمن الذي يتمثل بتقسيمه و جعل الحوثيين من أتباع الدين الفارسي الشيعي يتحكمون فيه و لسوف يرى أهل صنعاء – كما رأى أهل دمشق حديثاً – انتشار الحسينيات و المقامات و اللطم و التطبير و المخدرات و ما هو أسوأ من ذلك . لكن كعادتنا في الشام نقول : الله كبير و ما في أكبر منه . الله غالب .