بالنظر إلى الجولات المكوكية لقادة حركة حماس خلال الفترة الأخيرة، والمحادثات الثنائية "المصرية-
الإسرائيلية"، فإنه وبعيداً عن التكهنات السياسية، ثمة نار تحت الرماد، وبات الجميع يستشعر حرارة لهيبها أكثر من ذي قبل. صحيح أن
المفاوضات تتقدم ببطء شديد، لكن المؤكد أكثر أن حماس تدير المشهد التفاوضي بطريقة احترافية، سعياً منها لتحقيق إنجازٍ وطني ثانٍ بعد صفقة وفاء الأحرار في العام 2011.
الجديد هنا، ما أعلنته القاهرة مؤخراً من تلقيها رسائل وصفت بـ"المفاجئة وغير المسبوقة" من الجانب الإسرائيلي، لإعادة تحريك ملف صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس. المعلومات الواردة من العاصمة المصرية تتحدث عن مقترح لإنجاز صفقة تبادل للأسرى على مرحلتين: الأولى تتضمن الكشف عن مصير الجنود الصهاينة المحتجزين في
غزة، وطبيعة وضعهم الصحي، وكذلك إطلاق حماس سراح الإسرائيليين أبراهام منغستو وهشام السيد، اللذين دخلا غزة في ظروف غامضة قبل سنوات، مقابل إفراج الكيان الصهيوني عمّن أُعيد اعتقالهم من محرري صفقة وفاء الأحرار، بالإضافة للإفراج عن الأسرى من الأطفال والنساء الذين يقدر عددهم بنحو 300 أسير وأسيرة.
وتشمل المرحلة الثانية إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين مقابل الإفراج عن أعداد من الأسرى
الفلسطينيين، وفق شروط مفصلة حول العدد والنوعية من الأسرى المراد الإفراج عنهم، على أن يكونوا من ذوي الأحكام العالية، ومن ضمنهم الأسرى الستة الذين نفذوا عملية الهروب من سجن "جلبوع".
بطبيعة الحال لا أحد يستطيع القول إن عملية التبادل ستبدأ خلال أيام، أو أسابيع، وإنما قد تمتد المفاوضات لأشهر قادمة، المهم هنا أن الجانب الإسرائيلي قد نزل عن الشجرة أخيراً، الأمر الذي نستطيع من خلاله القول بوجود تحول جديد في العقلية الإسرائيلية، أشبه بالعودة خطوتين إلى الخلف، وتخلي حكومة الاحتلال عن موقفها بربط إنهاء حصار غزة بالإفراج عن الأسرى الأربعة لدى المقاومة في القطاع.
المؤشرات الجديدة تدفعنا للقول بأنه يمكن إعادة إنتاج سيناريو العام 2011، دون أن نغفل مسألة في غاية الأهمية، وهي أن لكل صفقة تبادل محدّداتها ومعطياتها وظروفها الخاصّة؛ إلا أنّ أية صفقة للتبادل دائماً ما تنطوي على دلالات استراتيجية هامة، من بينها تخلي الاحتلال عن فرضيّة قديمة لطالما روج لها، وهي استحالة الإفراج عن أسرى "أيديهم ملطّخة بدماء الإسرائيليّين"، وبأن الأمل يتعاظم - مع مرور الوقت - لدى كل أسير فلسطيني بأن قرار مغادرة زنزانته فلسطيني، وليس إسرائيليا.