هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"أنا هنتحر، وبلغوا ليلى سويف تاخذ عزايا".. كلمات قاسية قالها الناشط السياسي المحبوس، علاء عبد الفتاح، لمحاميه، قبل أيام، لإبلاغها لوالدته الأكاديمية الدكتورة ليلى سويف؛ تكشف واقعا أكثر قسوة داخل السجون ومراكز الاحتجاز في مصر.
سلطت كلمات عبد الفتاح اليائسة،
الذي قضى أغلب سنواته الأخيرة منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 داخل السجون ومراكز الاحتجاز
وأقفاص المحاكم، الضوء على الأثر النفسي الخطير للمعاملة السيئة داخل السجون المصرية
على حياة آلاف المعتقلين.
ويعيش جميع المعتقلين، أكثر
من 60 ألف معتقل بحسب تقديرات حقوقية، في أوضاع معيشية مزرية وغير آدمية، وهو ما أكدته
رسائلهم المسربة وشهادات ذويهم الذين يزورونهم، تفوق الاحتمال وتجعلهم يمرون بأوقات عصيبة
جسديا ونفسيا.
وتشير كل الشواهد والأدلة إلى
أن لدى الأجهزة الأمنية تعليمات بممارسة أقصى أنواع التعذيب النفسي وأحيانا البدني
في بعض الحالات، بشكل ممنهج من أجل زيادة الضغوط النفسية والعقلية على المعتقلين وحتى
ذويهم.
من أبرز تداعيات المعاملة السيئة
داخل السجون، إلى جانب الكثير من الأمراض النفسية، الإقدام على الانتحار، أو التفكير
في الانتحار، وعادة ما يلجأ بعضهم للإضراب عن الطعام احتجاجا على سوء المعاملة، والذي
يستمر لفترة طويلة ويهدد حياتهم.
قسوة الأوضاع
وكانت الأكاديمية الدكتور ليلى
سويف، قد عددت في مقابلة صحفية سابقة لـ"عربي21" أنواع وأساليب التعذيب النفسي
الذي تمارسه إدارة السجون سواء بحق نجلها أو بحق الكثير من المعتقلين الذين اطلعت على
معاناتهم.
وكشفت أن علاء يقبع في سجن انفرادي
في سجن شديد الحراسة بمجمع سجون طرة 2، وأنه محروم من أدنى الحقوق الإنسانية؛ مثل إدخال
الدواء والغذاء والكسوة والكتب وسماع الأخبار والتريض والزيارة والاتصال بوالدته.
وأضافت أن "هناك أشكالا أخرى من الظلم أراها في كل مرة هناك بعض الأسر لم تر ذويها المحبوسين منذ سنوات"،
مشيرة إلى أنه "لا يوجد نظام عدالة، وهناك تواطؤ عام من أجهزة الدولة المختلفة
ومن دول أخرى ترفع شعارات حقوق الإنسان، ضد ما يحدث من انتهاكات لا يجب الصمت عنها".
اقرأ أيضا: خبراء: السياسات الاقتصادية والدينية فاقمت الانتحار بمصر
كان لهذه الضغوط النفسية الأثر
الكبير على المعتقلين وحمل بعضهم على الانتحار أو التفكير فيه بجدية، ووثقت العديد
من المنظمات والجماعات الحقوقية في مصر وخارجها زيادة محاولات الانتحار في السجون بسبب
الظروف الصعبة والمعاملة السيئة.
كان آخرها محاولة المعتقل السياسي
عبد الرحمن طارق الملقب بـ "موكا"، الانتحار، في آب/ أغسطس الماضي، بعد أيام
من محاولة الصحفي والمدون محمد إبراهيم رضوان الشهير باسم "أكسجين" الانتحار،
بعد معاناة مع التدوير على ذمة قضية تلو الأخرى والمعاملة السيئة.
التفكير في الانتحار
وكشف المعتقل السياسي السابق
في سجن العقرب، سيئ السمعة، أنه كان شاهدا على محاولة انتحار أحد المعتقلين في عام
2015 بعد محاولة قطع شرايين يده، إلا أنه تم إسعافه وإنقاذه من الموت المحقق.
وفي شهادته على أسباب الانتحار
أو التفكير فيه، أكد الإعلامي مسعد البربري لـ"عربي21" أن "التفكير في الانتحار داخل السجون
المصرية ينتاب كثيرا من المعتقلين ولا علاقة له بمرجعية الشخص الدينية والثقافية؛ لأن
الضغوط النفسية أحيانا تفوق الوصف"، مشيرا إلى أن "الإسلاميين أكثر تحصينا
من هذا الشعور والتفكير ولكن ليس جميعهم وليس دائما".
الضغوط النفسية يصعب وصفها بالكلمات
– بحسب البربري- وأستطيع القول إن التفكير في الأمر هو على نطاق واسع، لكن قليلون هم الذين
يتحدثون علانية عن هذا الأمر، ومن يقدم على تلك الخطوة أعداد محدودة ولكن التفكير فيها
كثير.
واعتبر أن "جملة الأسباب
التي تدفع للتفكير في الانتحار والتخلص من الحياة؛ المعاملة السيئة بكل أنواعها، وظروف
السجن القاسية، الأحكام المشددة والمؤبدة، انقطاع الأمل في الخروج، ومشكلات الأسرة
بالخارج".
اقرأ أيضا: WP: معاقبة بايدن لمصر تطور هام.. هل يستجيب السيسي؟
كانت والدة المعتقل المصري الشاب
عبد الرحمن جمال متولي الشهير بعبد الرحمن الشويخ قد اشتكت في تصريحات سابقة لـ"عربي21"
في نيسان/ أبريل 2021 من تعرض نجلها إلى اعتداءات جنسية داخل أحد سجون المنيا بصعيد
مصر، وتدهور حالته الصحية بعد دخوله في إضراب عن الطعام قبل أن ترد السلطات باعتقالها
هي وزوجها المعتقل السابق.
ومن أشكال التعذيب البدني الذي
كان يتعرض له نجلها عبد الرحمن "كان حراس السجن يصحبونه معصوب العينين إلى مقر
أمن الدولة من الساعة الثانية صباحا وحتى بعد الفجر ويشبعونه تعذيبا وضربا".
السجن والمرض النفسي
في السياق، يقول الناشط السياسي
والمحامي الحقوقي، عبد الرحمن عاطف، والذي اعتقلته السلطات المصرية أكثر من مرة قبل
أن يتمكن من مغادرة البلاد، إن "الأثر النفسي للمعاملة غير الإنسانية لمعتقلين
صغار أو كبار في السن أو مرضى، بالغ السوء وحتى على الأصحاء، ما زلت أعاني نفسيا من
تلك الآثار".
ويعتقد في حديثه لـ"عربي21" أن "هناك مخططا ممنهجا للوصول بالمعتقلين إلى الشعور باليأس وجعلهم مرضى نفسيين"،
لافتا إلى أن "مجرد الوقوف لساعات وأيام في مركز احتجاز على قدم واحدة في يوم
حار شديد الرطوبة والروائح الكريهة تزكم الأنوف يجعلك تشعر بالاختناق والموت في كل
لحظة".
وذهب إلى القول إن "الكثير
من المعتقلين أصبحوا مرضى نفسيين، ولا يثقون في أحد، حتى الذين أفرج عنهم لاحقا، يعتقدون أنهم لوحدهم في المعركة وأن المجتمع الدولي تخلى عنهم، وأنهم تركوا فريسة سهلة لنظام
دموي يحطم نفوسهم وآمالهم".