ملفات وتقارير

كيف ستتعامل واشنطن مع طالبان مستقبلا؟.. خبراء يجيبون

تعامل الولايات المتحدة مع حركة طالبان سيعتمد على ما ستُظهره الأخيرة- جيتي
تعامل الولايات المتحدة مع حركة طالبان سيعتمد على ما ستُظهره الأخيرة- جيتي

بعد عامين من المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان التي سيطرت على أفغانستان، بدأت تتُار التساؤلات عن الطريقة التي ستتبعها واشنطن في تعاملها مع الحركة التي حاربتها على مدار عشرين عاما.

 

وتباينت التكهنات ما بين أن واشنطن ستتعامل مع الحركة وفق الأمر الواقع الذي فرضته الأخيرة، وما بين الحاجة للتعامل معها لمنعها أن تكون حامية وحاضنة لمجموعات "إرهابية".


وفي السياق ذاته، قال المعلق في صحيفة "واشنطن بوست" ديفيد إغناطيوس، إن أفضل طريقة يمكن للولايات المتحدة التعامل بها مع نظام طالبان بكابول هي الحذر وبسرية.


وأوضح في تقرير ترجمته "عربي21"، أنه بعد عقدين من الحرب مع طالبان، هناك سؤال يتعلق بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الجماعة التي تسيطر اليوم على أفغانستان، مضيفا أن الجواب يكمن في النكتة القديمة حول طريقة التعامل مع النيص هو "بحذر".


بدورها، أشارت مجلة "إيكونوميست" في افتتاحية عددها الأخير إلى ضرورة التواصل بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، ولكن بحذر.


واستهلت المجلة افتتاحيتها، التي ترجمتها "عربي21"، بالتساؤل: ماذا الآن؟ فقد احتدم النقاش حول من يتحمل مسؤولية فوضى مطار كابول، وكذا الأخطاء التي ارتكبت خلال السنوات الماضية، بحيث غاب في الغرب السؤال حول ما يجب عمله في قادم الأيام، وأصبح مسألة ثانوية، مع أنه السؤال الأكثر إلحاحا.


لكن "الإيكونوميست" ترى أن لدى الغرب ورقة نفوذ حقيقية، وإن كانت محدودة، فنظام طالبان محطم، وتم تعليق كل الدعم الخارجي الذي يشكل ثلاثة أرباع من الميزانية ونصف الناتج القومي العام.

 

اقرأ أيضا: WP: ما الطريقة الأفضل لتعامل واشنطن مع حركة طالبان؟

بالتالي يجب أن يكون الهدف الرئيسي في التعامل، بحسب المجلة، هو السماح لمنظمات الإغاثة الدولية بالعمل وفتح المدارس والعيادات والحدود (للنساء والرجال). وكلما أبدى قادة طالبان تعقلا زاد المال الذي يقدمه الغرب.


انتظار ما ستُظهره طالبان


ويرى الدبلوماسي الأمريكي السابق والمتخصص بالشؤون العربية الأمريكية، مفيد الديك، أن "تعامل الولايات المتحدة مع حركة طالبان سيعتمد على ما ستُظهره الأخيرة"، مضيفا: "بالتالي نحن ننتظر تشكيل حكومة طالبان الجديدة، وننتظر أيضا منها أن تُصدر بيانا حول الطريقة التي ستدير فيها أفغانستان".


وأوضح الديك أن "الإدارة الأمريكية الحالية وبناء على العلاقات التي كانت الإدارة السابقة قد بنتها مع حركة طالبان عبر المفاوضات التي استمرت سنتين في الدوحة، واصلت علاقاتها معها لأسباب عملياتية وليس لأسباب سياسية وأمنية، خصوصا بعد سقوط كابول وكل أفغانستان تقريبا بيدها".


وأعرب عن اعتقاده خلال حديثه لـ"عربي21"، بأن "الإدارة الحالية كما هي كل دول العالم تدرك أن طالبان الآن أصبحت هي الحاكم والآمر الناهي في أفغانستان، وبالتالي يجب التعامل معها بطريقة ما، ولكن لا يعني ذلك الاعتراف بها، وأشدد على هذه النقطة جدا".


وأضاف: "بالتالي سيتوقف تعامل واشنطن وحلفائها الأوروبيين على أمرين؛ الأول هو هل ستكون الحركة الجديدة مختلفة عن التي حكمت أفغانستان حتى عام 2001 وأنها لن تحول أفغانستان إلى مرتع أو قاعدة للجماعات الإرهابية أم لا؟".


وأردف: "الأمر الثاني، سترى هذه الحكومات كيف ستتعامل طالبان مع شعبها من ناحية حقوق الإنسان والمرأة والتعليم وحرية التعبير.. الخ، إذن طالبان الآن في مرحلة اختبار".


شد وجذب ومناكفة


بدوره، أشار المتخصص بالشأن الأمريكي خالد الترعاني إلى أن "التصريحات الأمريكية المُعلنة تقول إن واشنطن ستنتظر حتى ترى "تصرفات طالبان"، بمعنى هل هي منضبطة حسب المقاييس والمعايير الأمريكية أم لا؟، وهل هي تلتزم بحقوق الإنسان و -مرة أخرى- بحسب المعايير الأمريكية أم لا؟ وبناء عليه سوف تقرر واشنطن الكيفية التي ستتعامل بها مع الحركة".

وتابع مستدركا بالقول: "ولكن في الحقيقة الذي نعلمه جيدا أن الولايات المتحدة خرجت من أفغانستان مهزومة، وهي أيضا ليست معجبة بطالبان أو بحكمها، حتى ولو قامت الحركة باتخاذ بعض الإجراءات التي قد ترضي الغرب".

 

اقرأ أيضا: إيكونوميست: على أمريكا التواصل مع طالبان ولكن بحذر

وأوضح الترعاني، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "ذلك يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترضى عن طالبان إلا إذا أصبحت ليبرالية جدا ومنضبطة، وتعكس صورة ليست هي صورتها، وبناء عليه أعتقد أنه سيكون هناك عملية شد وجذب بين واشنطن والحركة، ولا أعتقد أن الأخيرة سوف تستطيع التلون بما يكفي لأن ترضى عنها واشنطن".


ولفت إلى أنه "على الرغم من قول الأمريكيين إنهم بناء على تصرفات طالبان كحكومة سوف ينظرون إذا ما كانوا سيتعاملون معها أو يعترفون بها أم لا، إلا أن الحقيقة هي أن طالبان قد فرضت إرادتها على الولايات المتحدة والعالم كله، والدليل أن أمريكا خرجت من أفغانستان وهي تجر أذيال الخيبة، وخرجت وهي تتعطف حركة طالبان بأن تسمح لها هي وباقي دول التحالف ولمواطنيهم بالخروج".


وأكد على أن "واشنطن كانت تحاول قدر المستطاع ألا تُغضب طالبان أثناء عملية الانسحاب، ولم تحاول التصعيد في الخطاب، ولكن بعد أن انسحبت ستبدأ بمناكفة حكومة طالبان، ولن تسمح لها بأن تهدأ وترتاح، أو أن تستطيع أن تحكم".


وأشار إلى أن "بوادر المناكفة الأمريكية لحركة طالبان ظهرت عبر نفض الغبار عن لاعبين وشخصيات في أفغانستان لم يكن يقيم لهم أحد وزن، مثل أحمد مسعود، حيث دعا بعض أعضاء الحزب الجمهوري للاعتراف به".


وأضاف: "بالتالي، ستتعامل واشنطن مع حركة طالبان بمبدأ المناكفة، بكل مناسبة وبكل حركة وسكنة، ولا أعتقد أن أمريكا تعتبر طالبان صديقا مرحبا به، وستجعل قدرتها على الحكم أصعب بكثير".


الاستثمار الأمريكي في ظل حكم طالبان


ومع بدء الحديث عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان منذ أن بدأت واشنطن مفاوضات مباشرة مع الحركة قبل عامين في الدوحة، بدأت تظهر بوادر وأحاديث عن رغبة بعض الأطراف الدولية والإقليمية الدخول في هذا البلد، سواء لأسباب سياسية أو أمنية أو اقتصادية.


ومن الدول التي قيل إنها قد يكون لها دور رئيسي في أفغانستان الصين، خاصة في الجانب الاقتصادي، لما تحويه من ثروات معدنية دفينة، ما يدفع للتساؤل: هل أيضا ستسعى واشنطن للاستثمار هناك في حال أقامت علاقات دبلوماسية مع كابول تحت إدارة طالبان؟


أكد الدبلوماسي الأمريكي السابق مفيد الديك، أن "الولايات المتحدة تدخلت في أفغانستان لعامل مختلف تماما عن العوامل الاقتصادية، بما في ذلك المعادن الدفينة في باطن الأرض هناك".

وأوضح أن "العالم أجمع يعلم أن الولايات المتحدة تدخلت في أفغانستان عام 2001 لأنها كانت تستضيف مجموعة القاعدة التي قامت بعمليات 11 سبتمبر، حيث لم يكن ببالها حينها إقامة علاقة تجارية بتاتا، ولا أعتقد أن أمريكا استفادت مليما واحدا من خيرات أفغانستان الطبيعية على مدار العشرين عاما الماضية".


ولفت إلى أن "لواشنطن اعتبارات مختلفة، فهي قد تستثمر هناك بعد استقرار الحكومة، ولكن لن يكون الاستثمار هو الهدف الأساسي لها، فهي تهتم بأمر أساسي ومهم، وهو ألّا تتحول حركة طالبان كمجموعة مستضيفة لجماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات السياسية العنفية، وأي عوامل غير ذلك -ومنها الاقتصادية- هي هامشية بالنسبة لها".


وأضاف أنه "حتى بحالة قرار الاستثمار في أفغانستان من عدمه، ستنتظر الولايات المتحدة لترى ماذا ستفعل حركة طالبان".


بدوره، أعرب المحلل السياسي خالد الترعاني عن اعتقاده بأن "أمريكا لن تستثمر في أفغانستان مستقبلا"، فهي وفق قوله "أخذت كل ما تستطيع أن تأخذه منها، وتركت الميدان لروسيا والصين"، ويرى "أن كليهما يمسك العصا من المنتصف، ويتعامل مع حكومة طالبان بكثير من الودية والحذر والدبلوماسية".


وأشار إلى أن "استثمار واشنطن كان على مدار العشرين سنة الماضية عبر الغزو والاحتلال الأمريكي"، مضيفا: "برأيي أنها الآن من الصعوبة لها بمكان أن تجد فرصة لتقود الاستثمار في أفغانستان".

 

اقرأ أيضا: NYT: كيف ستتعامل إدارة بايدن مع طالبان.. اعتراف أم تجاهل؟

وردا على قول الديك إن الولايات المتحدة حينما غزت أفغانستان كانت تعتبر العامل الاقتصادي أمرا هامشيا، قال الترعاني متعجبا: "الولايات المتحدة لا تهتم بالاستثمار! هذا الكلام يذكرني بمقولتها إن هدفها من غزو العراق هو جلب الديمقراطية له".

وأضاف: "في الحقيقة، هي تقود كل الحروب من أجل الاستثمار والفائدة المادية، فهي لا تخوض الحروب كهواية، أو لأنها متخلية عن جنودها، بل على العكس، هي أو غيرها لا يخوض الحروب إلا لأهداف اقتصادية".

وحول ماذا استفادت واشنطن اقتصاديا من أفغانستان، قال الترعاني: "أنا بالتأكيد لا أمارس تدقيق الحسابات، لكن برأيي حينما ستأخذ أموالا من أفغانستان لن تقدم كشف حساب بعد خروجها، بالضبط كما أنها تمنع محاكمة جنودها الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الشعب الأفغاني والعراقي أو حتى في فيتنام".

وأكد أن "أمريكا ودون أدنى شك، كما كل دول العالم الكبرى، تدخل الحرب والسلام وتمارس السياسة والدبلوماسية والبلطجة والاغتيالات وتخلق الأزمات من منطلق المصلحة العليا لها، إن كانت سياسية أو اقتصادية، وعلى الأغلب المصالح السياسية لتلك الدول موجهة لخدمة مصالحها الاقتصادية".

التعليقات (0)