قضايا وآراء

المصالحة الفلسطينية بين أبي مازن وغانتس

نزار السهلي
1300x600
1300x600
بإمكان السلطة الفلسطينية، ترتيب لقاء بين وزير الأمن الإسرائيلي "بيني غانتس" والرئيس أبي مازن، وبمقدور ماجد فرج، مسؤول المخابرات في سلطة أبي مازن، ورئيس الشؤون المدنية حسين الشيخ، الحديث عن طبيعة اللقاء الذي بحث فيه تنسيق جهود الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بما يتعلق بتخفيف الإجراءات الإسرائيلية لتعزيز اقتصاد السلطة، حسب توصية الرئيس الأمريكي جو بايدن للطرف الإسرائيلي.. لكن من خلال سلسلة التغريدات التي أفصحت عن "راحة" متبادلة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لمناقشة السياسة الأمنية والقضايا المدنية والاقتصادية، فإن اللقاء هو فقط لتمكين السلطة من استمرار عملها على الأرض بعد توجيه التحذير الأمريكي عن اقتراب وشيك لانهيار السلطة، والتركيز في كل جولة محادثات فلسطينية إسرائيلية على بلورة واقع أمني ومدني واقتصادي في الضفة وغزة جُرب منذ أوسلو حتى يومنا هذا.

إنه البحث الفلسطيني الإسرائيلي عن مخارج لكوارث تجريب الفشل، والاختبار العقيم لتطويع إرادة الشعب الفلسطيني بأدوات فلسطينية وعربية، وسياسات وفرت للمحتل البيئة والذرائع للمضي بسياسة العدوان والاستيطان والحصار، ليبقى الأمل الفلسطيني معقودا دوماً على إحداث تغيير في سياسة الاحتلال والولايات المتحدة.

ودعوة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية للرباعية الدولية، بأن تأخذ زمام المبادرة في تفعيل ذاتها مجددا بعد سنوات طويلة من فشلها بالضغط على الاحتلال للالتزام بالقرارات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لم يعد لها شأن يُذكر مع المتغيرات التي طرأت على المنطقة العربية والثورات فيها، وتبقى بعيدة عن الآمال والطموحات الوطنية الفلسطينية.

ولا تحضر في أجواء اللقاء الفلسطيني الإسرائيلي الجديد وسرعة ترتيب النقاط المتفق عليها؛ إلا الأسئلة المتعلقة بالمصالحة الفلسطينية المرتبطة باستحالات تنفيذها، وشروطها المعقدة كل مرة مع تحسينات لفظية سرعان ما تبددها البيانات والمواقف السياسية.

لقد ضاعت من أيدي السلطة الفلسطينية والفصائل والقوى؛ استعادة نظرة الإعجاب والإلهام لحركات التحرر والشعوب، بعد أن ساد الاشمئزاز من "المقاومة" ومن الثورات العربية، مع الأخذ بالترتيبات الإسرائيلية حيال مسائل تتعلق بالحقوق الفلسطينية متصلة بقضية الاستيطان والقدس واللاجئين والأسرى. فلا تكفي العبارات الأمريكية الإسرائيلية الخادعة، ولا الجمل الفلسطينية الطنانة التي تتردد في وسائل الإعلام لحماية الأرض والشعب، وهي تعرف بتجربتها الطويلة أن انتفاضة الشارع العربي أو ثورته جاءت انقلابا على كل هذه الجُمل المخادعة، التي ابتعدت عن آمال الشارع العربي والفلسطيني بالتحرر من الاستبداد والاحتلال.

احتكار إرادة الشعب الفلسطيني، والارتهان لسياسات إسرائيلية، وعجز الفصائل والسلطة والمنظمة على تأمين برنامج وطني ينهض من حالة العجز والشلل إلى المبادرة بابتداع رسائل ووسائل تصون الحقوق الفلسطينية.. يؤكد أن القطيعة بين السلطة والشارع الفلسطيني ستبقى قائمة، وأي علاقة إن كانت حميمية أو فاترة بين السلطة والاحتلال، تنسيقا ومفاوضة، لا تمت بصلة بما يجري على الأرض ولا الحماية من العدوان بقدر حماية أداء السلطة ودورها القمعي للشارع الفلسطيني ومقاومته.

هذه السياسة لوحدها تذهب بكل جهود المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني إلى غير رجعة. إذ تبقى مثالية الدعوة لوحدة وطنية تنهي الانقسام وفرض مصالحة إعلامية كل مرة، بدون مضامين سياسية وتنظيمية كفاحية، من الماضي غير المستعاد، ومفعولها انتهى مع اختفاء التناقض الأساسي مع عدو كل الشعب الفلسطيني، بعدما أصبح لفريق السلطة تناقض أساسي مع من يعتبر إسرائيل عدوا، وبعدما انتهت فصائل المعارضة الفلسطينية "وتناقضاتها" الشعاراتية إلى حسابات ضيقة مرتبطة بامتيازاتها الفصائلية تحت عباءة السلطة والمنظمة المتباكى على مؤسساتها الغائبة عن المشاركة في القرار.

ما يفرح ويبهج أصحاب المبادرات في الساحة الفلسطينية؛ بلوغ الشعب الفلسطيني معركته في الدفاع عن أرضه ومقدساته، لكن هذا لا يكفي لإحداث تغيير في معادلة المصالحة والوحدة، إن لم تستند على إيجاد تناقض أساسي ينسف كل الآليات التي نتجت عن أوسلو وأستارها الخفية. وما يظهره سند القول أن ما حدث في فعل الثورات العربية والثورات المضادة وعمليات التطبيع والتصهين والتحالف مع الاستبداد والاحتلال، والتهليل لأنظمة القمع والقتل، يجب أن يعزز إمكانية وحتمية انقلاب الصورة لإعادة الشرعية للشعب والاستقواء به، أما سياسة تحسين المعيشة التي جرى بها خداع الشعب الفلسطيني في السابق زمن حكومة "سلام فياض"، وحشده للاصطفاف خلف السلطة ليقبل الشعب برنامجها المعيشي المذل، كبديل عن برنامجه الكفاحي ضد العدو، من خلال "تحسين المعيشة" الذي تروج له اجتماعات أبي مازن وغانتس بدعم من أمريكا لتعبئة وتنظيم أجهزة السلطة الفلسطينية لجعلها أكثر حداثة وكفاية وقمعا وضبطا.

لا يمكن لأي وطني أو تقدمي، في الإطارين الفلسطيني والعربي، أن يحفظ لنفسه موقعا وطنيا وقوميا بدون تحديد رؤية سليمة من حقائق الصراع مع المشروع الصهيوني، وكيانه المعادي (إسرائيل)، كصراع تناحري مصيري، وهي رؤية طالما خرجت فيها كل الفصائل الفلسطينية بأدبياتها المختلفة، ومن ثم تم التنكر لها، بإبقائها على الرف لتستبدل بمكاسب وظيفية ظهرت للعلن مفاسدها وإفسادها في أكثر من مناسبة ووثيقة هنا وهناك، لتتعرى مع الاصطفافات التعيسة للبعض مع الثورات المضادة المناقضة للأدبيات الثورية التحررية.

إن أية مصالحة أو تكتيك سياسي أو شعارات ومهام راهنة؛ لا تتبنى رؤيتها الواضحة تجاه العدو ومعرفة مخططاته (التي نكتفي بإصدار بيانات تحصي اعتداءاته تنديدا وشجبا على طريقة النظام الرسمي العربي وتقليده في أدوات القمع والسحل للمقاومين)، لن تنفع ما لم تقم على إنهاء وظيفة السلطة في رام الله المتصادمة في برنامجها وأدائها مع كل برنامج حركة التحرر الوطني الفلسطيني؛ ارتهانا لكل ما يسند وجودها الوظيفي لا الكفاحي.

المطلوب اليوم، أكثر من نفحة انتعاش للنهوض من حطام أوسلو، وكسر الطوق الذي أحاط بعقول البعض المتوهم أنه قد يربح سلطة في رام الله وغزة، بينما المستهدف كل الشعب الفلسطيني، وتطلعاته وحقوقه.. المطلوب حركة للإنعاش الكامل لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، والاعتراف بأن الحصاد الفائت هو من زراعة ذات النهج الرديء الذي غادر كامل المشروع الوطني. فقدان المصداقية وقوة دفعها تظهر في الزحف المستمر فلسطينياً نحو الفتات الإسرائيلي، بينما الخشية والخوف يزدادان بعد كل لقاء واجتماع فلسطيني إسرائيلي ينسق ويؤسس لإدامة الخراب على المشروع الوطني الفلسطيني.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)