هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا للكاتب "ديفيد أغناتيوس" قال فيه إن الحرب الدامية في أفغانستان تقترب مما قد يكون نقطة تحول أخيرة، مع مسارعة حركة طالبان لتطويق كابول، بينما ترسل الولايات المتحدة ثلاثة آلاف جندي من أجل عملية إجلاء رعايا البلاد من هناك.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، للصحفيين يوم الخميس، إنهم لم يرغبوا بـ"الانتظار حتى فوات الأوان"، موضحا القرار المفاجئ بإرسال قوات أمريكية إضافية لحماية رحيل الرعايا الذين قد يسقطون ضحية الحصار في نهاية الحرب الوحشية.
وأضاف كيربي: "إنه فعل الشيء الصحيح في الوقت المناسب لحماية شعبنا".
ويعلق "أغناتيوس" في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن الفوضى في كابول تحمل أصداء سقوط "سايغون" في فيتنام، عام 1975، وهي الصورة التي أراد الرئيس جو بايدن تجنبها، وكان يأمل في انسحاب منظم من أفغانستان.
كما أن حملة طالبان لتحقيق النصر العسكري - وتجاهل التعهدات بالتفاوض على انتقال السلطة - ستثير تساؤلات حول ما إذا كان يمكن الوثوق بوعودها بمنع القاعدة من إعادة بناء ملاذات آمنة في أفغانستان، بحسب الكاتب.
وينقل الكاتب عن مقربين من بايدن قولهم إنه كان "حازما" في قراره بسحب القوات الأمريكية، على الرغم من التدهور السريع للوضع، والعودة المؤقتة للقوات لرعاية ترحيل معظم موظفي السفارة الأمريكية.
وشعر بايدن بقوة منذ عام 2009 بأنه يجب أن تكون مهمة أمريكا في أفغانستان محدودة، وبصفته الرئيس تحرك بسرعة لسحب القوات على الرغم من النصيحة المخالفة من وزير الدفاع لويد أوستن والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وكانت سرعة تقدم طالبان دليلا مذهلا على الزخم في ساحة المعركة - حيث يغذي كل نصر نصرا آخر-، وعلى الأثر النفسي الهائل لقرار بايدن بسحب جميع القوات القتالية الأمريكية دون خطة قوية لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد ذلك.
وبالنسبة لبايدن وغيره من كبار المسؤولين، فإن المفاجأة الأكبر هي أن أداء الجيش الأفغاني لم يكن أفضل في ساحة المعركة منذ أن أعلن الرئيس أنه سينسحب من هناك.
ويؤكد مسؤولو الإدارة، ردا على أولئك الذين يجادلون بأنه كان يجب على بايدن أن يحتفظ بحوالي 2500 جندي أمريكي متمركزين في أفغانستان عندما أصبح رئيسا، أن الحفاظ على الوضع الراهن مع مثل هذه القوة الصغيرة مستحيل.
وكانت حركة طالبان ستستأنف الهجمات على القوات الأمريكية، مما يدفع واشنطن إلى التفكير في إضافة المزيد من القوات وربما بدء دورة أخرى غير مثمرة فيما يبدو أنها حرب لا نهاية لها.
واعتبر الكاتب أن هجوم طالبان الخاطف فاجأ كبار المسؤولين في الإدارة.
فمنذ إعلان بايدن الانسحاب في نيسان/ أبريل، اجتاح المتمردون جميع أنحاء البلاد، وأظهرت خرائط أفغانستان التي جمعتها مجلة FDD's Long War Journal أن سيطرة طالبان تنتشر مثل بقعة حبر ضخمة، مع وجود مساحة صغيرة فقط لسيطرة الحكومة في المركز.
اقرأ أيضا: طالبان تحكم السيطرة على أفغانستان.. هل تصمد كابول؟ (خريطة)
وصعدت حركة طالبان حملتها قبل أسبوع، حيث تحركت للاستيلاء على عواصم الولايات التي سقطت مثل أحجار الدومينو وشنت حملة معقدة بشكل مفاجئ.
لقد تحركت طالبان في وقت مبكر في الشمال، مع العلم أن هذه المنطقة قد ولدت التحالف الشمالي الذي طرد طالبان من السلطة في عام 2001.
ونشرت طالبان نسختها من قوات العمليات الخاصة، والمعروفة باسم "الوحدات الحمراء"، والتي ساعدت على تقويض دفاعات الحكومة. وعندما استولت طالبان على عواصم مثل قندوز، أطلقت سراح السجناء المحتجزين هناك، وعززت قواتها.
وتسيطر طالبان أيضا على طرق الخروج الرئيسية من البلاد، بعد الاستيلاء على ما يقول المسؤولون الأمريكيون إنها أكثر من نصف نقاط العبور الأربعة عشر، في الأيام الأخيرة.
ومن المرجح أن يؤدي الشعور بالحصار إلى زيادة الذعر بين المدنيين الأفغان.
وتعهدت إدارة بايدن بالمساعدة في رحيل الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية، وهو أحد أسباب إرسال القوات الإضافية. ولكن وسط هذه الفوضى، سيكون من الصعب الوفاء بهذه الوعود، وفق تقدير الكاتب.
وما يبدو أمامنا، بحسبه، هو معركة على كابول نفسها، مواجهة دامية تحاول إدارة بايدن تخليص أكبر عدد ممكن من الأمريكيين منها.
وقد تقرر طالبان، بعد أن طوقت تقريبا الطرق المؤدية إلى العاصمة، تأجيل المعركة النهائية، وفق تقديره.
ويأمل المسؤولون الأمريكيون في ردع طالبان من خلال تحذير من جيرانهم - باكستان وروسيا والصين وتركيا - بأنهم لن يعترفوا بحكومة طالبان إذا استولى المتمردون على السلطة بالقوة.
هذا الضغط الدبلوماسي مرحب به، وفق الكاتب، لكنه متأخر ومحدود، فقد أظهرت العديد من الدول الرئيسية المعادل الدبلوماسي للشماتة - التمتع بمأزق أمريكا بدلا من التفكير في الصعوبات المستقبلية التي ستواجهها هي.
ستواجه طالبان صعوبة في ابتلاع أفغانستان، رغم كل نجاحاتها في ساحة المعركة، فقد أصبحت أفغانستان مجتمعا حضريا وحديثا بشكل متزايد منذ الغزو الأمريكي في عام 2001.
فمن جهة، يبلغ عدد القوات العسكرية لطالبان حوالي 80 ألفا فقط، في بلد يبلغ تعداد سكانه حوالي 39 مليون نسمة.
وبالنسبة لملايين النساء الأفغانيات، اللواتي التحقن بالمدارس والجامعات على مدى العقدين الماضيين وشاركن في بلد أكثر حرية، فإن احتمالية عودة طالبان إلى السلطة قاتمة بشكل خاص.
على الورق، فإن جيش الحكومة الأفغانية أكبر بأربعة أضعاف من جيش طالبان، لكنهم يفتقرون إلى التنظيم والانضباط والإرادة لمحاربة المتمردين.
وكما كتب كارتر مالكاسيان في كتابه "الحرب الأمريكية في أفغانستان" فقد "مثلت طالبان شيئا مُلهما، وهو الشيء الذي جعلهم أقوياء في المعركة، وهو شيء مرتبط ارتباطا وثيقا بما يعنيه أن تكون أفغانيا".
وبالفعل، تمت كتابة تلك القصة مجددا بالدماء في جميع أنحاء البلاد هذا الأسبوع.