صحافة دولية

تحقيق يكشف دور "مرشدين" مصريين في جنوح "إيفرغيفن"

يقضي بروتوكول الملاحة قيام الدولة بالتحقيق في الحادث الذي وقع في مياهها مع الدولة التي تحمل السفينة علمها- الأناضول
يقضي بروتوكول الملاحة قيام الدولة بالتحقيق في الحادث الذي وقع في مياهها مع الدولة التي تحمل السفينة علمها- الأناضول

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقا قالت فيه؛ إن أربعة أشهر مرت على تعثر أكبر سفينة حاويات في العالم "إيفرغيفن" في أهم معبر للملاحة الدولية، قناة السويس، ولا أحد يعرف ماذا جرى في الحقيقة، وهل تعلمت هيئة قناة السويس من الدرس أو أن أصحاب السفينة والملاحة البحرية الضخمة قد وعوا الدرس.


وجاء في التحقيق أنه عندما جنحت السفينة في وسط القناة لمدة ستة أيام في آذار/ مارس، عطلت عملية الشحن البحري حول العالم وجمدت حوالي 10 مليارات دولار من التجارة يوميا. وبالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي، فقد كان الحادث بمنزلة عرض مبهر، لكن الملاحة الدولية رأت فيه درسا كابوسيا عن مخاطر السفن العملاقة التي تعمل في معابر ضيقة.


وقال ريتشارد ميد، من "لويدز ليست" النشرية الإستخباراتية البحرية؛ إن ما حدث هو "صيحة إنذار" لصناعة الشحن البحري. لكن لم تتم معالجة أي من المشاكل التي أدت لتعثر السفينة لا من الملاحة البحرية أو قناة السويس. فمن ناحية كانت مصر حريصة على الانتصار بحرب العلاقات العامة والحصول على أكبر قدر من التعويضات من ملاك السفينة، بدلا من معرفة الخطأ لتجنب تكرار المسألة. 


وفي الوقت الذي كان الهواء سببا في انحراف السفينة عن مسارها، إلا أن تحقيق "نيويورك تايمز" كشف عن سلسلة من الإرشادات التي صدرت من مرشدي الملاحة البحرية المصرية قد تكون أسهمت في الانحراف، وجعلها تخرج عن السيطرة وتمضي باتجاه ضفتي القناة. 


وفشلت سلطة القناة بتوفير القاطرات التي كانت ستساعد السفينة على البقاء في مسارها، في خرق لقواعد السلطة نفسها. لكن السلطة حمت المرشدين لحركة الملاحة في القناة من اللوم. ولم تعترف بمسؤوليتها كمشرفة أو قامت بتغيير الإجراءات. مع أن مصر وعدت بإصلاحات في موضوعات أخرى، فقد وعدت بتوسيع المناطق الضيقة من القناة التي أدت لأن تعلق السفينة فيها، وتوفير التدريب للمراقبين البحريين مع أنها لم تقدم تفاصيل.

 

اقرأ أيضا:  مصر تقرر رسميا التحفظ على "إيفرغيفن".. وربيع يوضح السبب

ورغم الدعوات من خبراء الصناعة لإعادة تقييم حجم الحاويات التي نمت بشكل كبير، في محاولة منها للتوفير في وقت كان فيه على الموانئ والقنوات إجراء تعديلات لاستيعابها، لكن لم تظهر أية إشارات عن حدوث هذا. 


ويقارن حجم إيفرغيفن، بحجم بناية "إمباير ستيت" في نيويورك، وهي أكبر حاوية بحرية تم بناؤها حتى الآن. وكانت قبل أن تصطدم بضفتي القناة تعاني من مشاكل. فقبل فجر 23 آذار/ مارس، ظهر تغير غير موات للريح في محور القناة، فيما أخذ الهواء القادم من الجنوب يزداد زخما، مما أدى إلى ثرثارات عبر اللاسكي بين السفن التي كانت تنتظر دورها لعبور القناة.

 

ولا يوجد لدى سلطات القناة نظام لمراقبة الظروف الجوية أو تحذير السفن حول تغير الجو للأسوأ، وذلك حسب شخص على معرفة بالتحقيق في جنوح السفينة. لكن التحذيرات كان واضحة بشكل جيد. فقد كانت إيفرغيفن وغيرها من السفن قد فقدت السيطرة رغم محاولات توجيهها علامة على الأوضاع الصعبة.

 

لكن كابتن السفينة كريشنان كانثافيل قرر المضي رغم ذلك، مدفوعا بالطلب التجاري العالي الذي كان وراء بناء سفن عملاقة في السنوات الـ15 عاما الماضية. وتعرضت الملاحة الدولية لضغوط واسعة بسبب الظروف التي نبعت من انتشار فيروس كورونا والإغلاق العام في الدول الغربية. ولو تأخرت الحاوية العملاقة المحملة بالبضائع من آسيا إلى روتردام، لأدى إلى عدم وصولها إلى المستهلكين في الوقت المحدد. 


وعندما دخلت الحاوية القناة مع قافلة من السفن، اشتدت سرعة الريح فجأة إلى 46 ميلا في الساعة، وأدت عاصفة رملية لتشويش الرؤية مثل التشوش الذي يحصل لشاشة تلفاز ولم يستطيع الرجل الثاني في السفينة التي تمضي خلف إيفرغيفن رؤيتها. وعندما ظهرت قبل الثامنة صباحا لم يستطع للوهلة فهم ما يرى.

 

كانت السفينة قد انحرفت قطريا عبر القناة، وبدت الحروف المكتوبة على جانبيها "إيفرغيفن" وهي الشركة التايوانية التي استأجرتها. وما بين اختفاء السفينة وظهورها في ذلك الصباح، اندلعت معركة تبادل تهم بين طاقمها والمرشدين البحريين. فسلطة قناة السويس تقوم بناء قواعدها بتوجيه طاقم السفينة وكيفية التحرك، مع أن قباطنة السفن لديهم القرار النهائي في المضي أو قبول توجيهات المرشدين، لكنهم في الغالب يأخذون بنصيحة المرشدين ونادرا ما ناقضوا الأوامر، وذلك حسب ضباط سفن تعبر القناة بشكل مستمر.

 

وقال ألفريد كوفير المحامي ذو الخبرة الواسعة في القانون البحري؛ إن قبطان السفينة "كان في وضع صعب لأنه ملعون لو فعل أو لم يفعل، و "لديك المرشد وهو الخبير المحلي، وأنت تعتمد عليه، ولهذا فلن تتجاوز ما يقول".

 

وتم اختبار هذه الدينامية عندما دخلت السفينة القناة، وبعد أميال قليلة بدأت بالتمايل، ربما لأنها مكونة من 14 طابقا، وتعمل مثل شراع ضخم. ومهما كان السبب وراء التعرج في مسار السفينة، جاءت محاولات المرشدين تصحيح مسارها بنتائج عكسية. وقال أحد المرشدين بإصدار تعليمات عدوانية وقاسية لقائد السفينة الهندي للانحراف يمينا، ثم أمره بالتحرك يسارا، حسب شخص على اطلاع بالتسجيل.

 

وعندما حرك المرشد السفينة في اتجاه واحد، تحرك القبطان كانثافيل وصحح مسارها مما أدى إلى جدال مع المرشد. وفي الوقت الذي كان يكافح فيه قائد دفة السفينة تحريكها نحو المركز، اندلع جدال بين المرشدين أنفسهم. وصاح مرشد ثان "لا تفعل هذا".

 

وكان موقع بلومبيرغ قد نشر معظم التفاصيل حول تتابع الأحداث. وفي الوقت الذي كانت فيه السفينة تتحرك بالقناة، كانت سرعتها في تزايد. وأمر المرشد الأول القبطان بتحركها "أماما وبشكل كامل"، مما زاد من سرعتها إلى 13 عقدة، أي 15 ميلا في الساعة، وهو أعلى من السرعة المسموح بها في القناة أي ثماني عقد.

 

وحاول المرشد الثاني الرد على أمر الأول مما قاد إلى جدال بينهما. وعندما حاول كانثافيل التدخل وإبطاء سرعة السفينة، طلب منه المرشد الأول التقدم، وقال شيئا فهم على أنه تهديد بمغادرة موقعه. ومن خلال زيادة السرعة، كان المرشد الأول يحاول السيطرة على الدفة التي تحتاج إلى تدفق المياه للعمل بشكل فعال، لكن السفينة كانت تدفع جدارا عاليا من المياه وبسرعة عالية، مما ولد زخما يصعب وقفه، مما وضع السفينة تحت رحمة القوى الأخرى.

 

اقرأ أيضا: مصر تفرج عن "إيفر غيفن" وتتكتم على قيمة التعويضات (شاهد)
 

وقال القبطان بول فوران، الخبير في الملاحة البحرية: "السرعة تقتل" و "كلما أسرعت، فقدت السيطرة". ومع تدفق المياه بسرعة بين السفينة وجدار القناة، تعرضت لما يصفه البحارة "عامل الضفة"؛ حيث تتأرجح مؤخرة السفينة في اتجاه نحو الضفة بينما تندفع المقدمة باتجاه آخر.

 

وعندما شعر القبطان كانثافيل بما سيحدث، تذكر أحد العارفين بالتحقيق المسجل في صندوق السفينة الأسود قوله باستسلام كلمة بذيئة واحدة. وبعد عشرين دقيقة من جنوح السفينة، كانت قد ضربت تلة ترابية صخرية احتاجت مدة ستة أيام لتحريرها منه.

 

وقال المهندس البحري جون دالي؛ إن ما حدث ليس عاديا؛ "لكن غير العادي أن تصطدم في المكان الخطأ والوقت الخطأ". وبدأت القاطرات تصل تباعا من أجل دفع السفينة بالاتجاه الصحيح. وتقضي قواعد القناة أن تمر سفينة بحجم إيفرغيفن، مرفقة بقاطرتين وكانت الأولى قريبة منها في الأمام بدلا من أن يكون بجانبها، أما الثانية فقد وصلت متأخرة.

 

وأنكرت هيئة قناة السويس أن يكون الخطأ من ملاحيها، وأكدت أن القبطان هو المسؤول الأول والأخير.

 

وألقى فريد رشدي، كبير مرشدي هيئة قناة السويس اللوم على الجو والطريقة السيئة لرد طاقم السفينة قائلا؛ إن "ما حدث كان خارج سيطرة المرشدين مع العاصفة الرملية وغياب الرؤية والريح القوية". وقال؛ إن المرشدين اللذين لم يذكر اسميهما كانا مجربين. لكن محمد ماميش، مدير هيئة القناة السابق يرى أن جنوح إيفرغيفن يؤكد أهمية تدريب المرشدين حتى المجربين منهم.

 

وقال مدير الهيئة، الفريق أسامة ربيع؛ إن المرشدين سيتلقون تدريبات لم يحدد طبيعتها. ولم يعلق مالك السفينة شوي كيسن كايشا، فيما لم يتم التوصل إلى القبطان كانثافيل. لكن مشكلة إيفرغيفن لم تبدأ بعاصفة ذلك الصباح، فقد حذر خبراء الملاحة من أن السفن باتت كبيرة لدرجة يجب فيها تحسين الموانئ والمعابر كي تمر منها. فقبل 15 عاما كانت سفينة الحاويات الواحدة تستوعب 10 آلاف حاوية وطولها ما بين 800-900 قدم.

 

لكن صناعة النقل البحري كانت تبحث عن سفن أكبر تستوعب حاويات أكثر وأقل كلفة. وسفن الحاويات تمتد الآن على 1.300 قدم، وتستوعب أكثر من 20 ألف حاوية. وهناك 100 سفينة عملاقة أو أكثر تعمل في البحار حول العالم.

 

وقال دون ماركوس، مدير المنظمة الدولية للسادة والرفاق والمرشدين: "العامل الأكبر هو الحجم الضخم للسفن. لا يمكن تحريكها بسهولة وخاصة على سرعة بطيئة ومن الصعب التعامل معها في المياه الضيقة المحصورة". ومع كبر حجم السفن، تقلصت دفاتها في تحرك آخر نحو الفعالية، إلى جانب “البرامج الذكية” لإدارة المحركات من أجل توفير الوقود وتقليل الانبعاثات الكربونية.

 

وتعتبر الدفة الصغيرة فعالة في البحار المفتوحة، لكنها مع الحجم تعتبر صعبة للتحرك في المياه الضيقة. وتم توسيع القنوات حول العالم لاستيعاب السفن هذه، ومنها قناة السويس التي تمت إضافة تفريعة لها في 2015، لكن المكان الذي علقت فيه إيفرغيفن لم يتم توسيعه. وقال دالي: "لو نظرت إلى الصورة حيث علقت هذه السفينة في القناة، وهي كبيرة بدرجة لا تستطيع التحرك. بالتأكيد لا توجد هناك مساحة للمناورة".

وبناء على تصريحات المسؤولين المصريين والتحقيق الذي لن ينجز في وقت قريب، فمن المستبعد أن يحمل المسؤولية لهيئة القناة والمرشدين فيها.

 

يقضي بروتوكول الملاحة البحرية قيام الدولة بالتحقيق في الحادث الذي وقع في مياهها مع الدولة التي تحمل السفينة علمها، أي بنما، وليس منظمة الملاحة الدولية. وقال شخص عارف بالتحقيق؛ إن مصر كانت بطيئة بتقديم معلومات مهمة لبنما حول الظروف الجوية والحوارات بين برج المراقبة والسفينة.

 

لكن المشكلة تظل في البيانات التي يسجلها صندوق السفنية الأسود، وهي محدودة وقد تعرقل التحقيقات. وتحركت مصر بسرعة لمنع حوادث مماثلة في المستقبل وعرقلة حركة الملاحة بالقناة التي تدر 5 مليارات دولار في العام. وأعلنت عن خطط لتوسيع القناة، خاصة في المكان الذي علقت فيه إيفرغيفن، وشراء أسطول قوي من القاطرات.

التعليقات (0)