بورتريه

أم "موجوعة" يقتلها الاشتياق خلف قضبان "عوفر" (بورتريه)

خالدة جرار بورتريه
خالدة جرار بورتريه

يتكرر اعتقالها منذ نحو 30 عاما وحتى الآن. 

حرمت من وداع أعز الناس إلى قلبها، والدها وابنتها اللذان توفيا أثناء اعتقالها. 

أحد الرموز السياسية الفلسطينية، عرفت بنشاطها ونضالها الطويل، وإحدى القيادات البارزة في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". 

لا تتوقف محاولات الاحتلال لإضعاف مقاومتها وتدمير روحها، بوضعها في ظروف نفسية لإنهاك قلبها وجهازها العصبي. 

خالدة كنعان جرار المولودة عام 1963 في مدينة نابلس، حصلت على شهادة البكالوريوس تخصص إدارة الأعمال، ودبلوم إدارة المؤسسات، وماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان من جامعة بيرزيت.  

وفي الجامعة تعرفت على زوجها رجل الأعمال والأسير المحرر غسان جرار عام 1985، وهو ناشط سياسي سابق اعتقل 14 مرة وقضى نحو 11 عاما معتقلا إداريا في السجون الإسرائيلية دون محاكمة أو توجيه تهم إليه، ولهما ابنتان، يافا وسهى. 

 

اقرأ أيضا: رسالة جديدة من خالدة جرار بعد منع الاحتلال وداع ابنتها

وما بين عامي 1994 و2006 عملت خالدة مديرة لـ"مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، وقدمت استقالتها للترشيح للانتخابات التشريعية حيث انتخبت نائبا في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 وترأست لجنة الأسرى في المجلس. إضافة إلى عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. 

وكانت أحد أعضاء اللجنة الوطنية العليا لمتابعة ملف انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية. ونشطت كمدافعة عن حقوق وقضايا النساء. ومثلت فلسطين في قمم حقوق الإنسان في فرنسا واليونان. 

عملت سابقا مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ونشطت بشكل بارز في العمل مع النساء الفلسطينيات والدعوة لحقوق المرأة. 

كان اعتقالها الأول عام 1988 على خلفية مشاركتها في مسيرة بمناسبة يوم المرأة العالمي، واعتقلت للمرة الثانية عام 2015، وأمضت 15 شهرا في السجن، وفي عام 2017 اعتقلت للمرة الثالثة وحولت إلى الاعتقال الإداري مدة 20 شهرا. 

اعتقلت عام 2019 من منزلها في مدينة رام الله، وخضعت لتحقيق وجلسات محاكمة وحكم عليها بالسجن عامين وغرامة مالية بتهمة "العمل في تنظيم غير مشروع"، ويقصد بذلك "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". 

وفي آذار/ مارس الماضي قضت محكمة الاحتلال العسكرية في معسكر "عوفر" بسجنها لمدة عامين ودفع غرامة مالية بتهمة "تولي منصب قيادي في تنظيم غير مسموح". 

وتمنع سلطات الاحتلال جرار من السفر إلى الخارج منذ سنوات طويلة، كما أبعدتها من مسكنها في رام الله إلى مدينة أريحا عام 2014. 

كانت خالدة هدفا ثابتا للاحتلال بهدف إبقائها في السجون وتغييبها عن الشارع الفلسطيني وهمومه، بسبب موقفها المعلن الرافض لـ"اتفاقية أوسلو" وتبعاتها، مغردة خارج "سرب أوسلو" وفرقة المؤيدين والمساندين لهذه الاتفاقية التي خنقت الفلسطينيين. 

 

تتعرض "أم يافا" منذ سنوات إلى حملة تحريض ممنهجة ضدها، وصلت إلى وصفها بـ"القاتلة"، وفي جميع فترات اعتقالها كانت تخضع لضغوط نفسية، من بينها منع الاتصالات والزيارات ورفض تلقيها العلاج وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وتعاني جرار من ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، وتحتاج إلى دواء منظم لضغط الدم. 

وحتى وهي في زنازين السجن المظلمة كان لها دور كبير في التأثير الإيجابي على الأسيرات اللواتي وجدن فيها المعلمة والمرشد والقدوة. 

وتصفها أسيرات فلسطينيات بأنها "صاحبة القلب الواسع" التي تحتوي الجميع وتقدم الحلول، وتساهم في تعليم الأسيرات، واعتماد برنامج للامتحانات داخل السجن، وأخذت على عاتقها تدريس الطالبات والإشراف على الامتحانات ونقلها إلى وزارة التربية، حتى تمكنت مجموعة من الأسيرات من اجتياز الامتحان. 

وسعت جرار لإدخال الدراسة الجامعية من خلال التنسيق وانتساب الأسيرات إلى جامعة القدس المفتوحة. كما دربت الأسيرات على كيفية التعامل مع إدارة السجن والمطالبة بحقوقهن.  

وبحسب مؤسسات حقوقية فلسطينية، يعتقل الاحتلال حاليا نحو 4400 أسير فلسطيني من بينهم 41 امرأة و180 طفلا وقاصرا ونحو 430 معتقلا إداريا و13 صحفيا و700 معتقل مريض منهم 300 في حالة مرضية بحاجة لعلاج مستمر. كما يوجد في سجون الاحتلال 10 نواب من المجلس التشريعي الفلسطيني.

مرت خالدة أثناء اعتقالها بتجارب إنسانية قاسية فقد توفي والدها أثناء وجودها في السجن عام 2015 ولم تتمكن من وداعه ولا تزال "غصة في قلبها"، وهو ما خلق هاجسا لديها، كانت تخشى أن يتكرر مع والدتها المريضة، لكن شاء القدر بوفاة ابنتها سهى غسان. 

وقالت الأسيرة جرار في رسالة من داخل السجون الإسرائيلية، إن كل ما أرادته هو أن تودع ابنتها سهى بقبلة على جبينها "وأقول لها أحبك بحجم حبي لفلسطين". 

وأضافت جرار في رسالتها: "موجوعة يا ماما بس لأني مشتاقة، من قوة هذا الوجع، عانقت سماء هذا الوطن من خلال نافذة زنزانتي في قلعة الدامون/ حيفا". 

وقالت: "أنا شامخة وصابرة، رغم القيد والسجان، أنا الأم الموجوعة من الاشتياق.. لا يحصل هذا كله إلا في فلسطين". 

ووجهت رسالة لابنتها سهى قائلة: "اعذريني يا ابنتي لأني لم أكن في عرسك، لم أكن بقربك في هذا الموقف الإنساني الصعب والمؤلم، ولكن قلبي وصل عنان السماء اشتياقا، لامس جسدك وطبع قبلةً على جبينك من خلال نافذتي". 

 

اقرأ أيضا: الأسيرة جرار تبعث برسالة وداع لابنتها: "حرموني قبلة الوداع"

تضيف: "في قلعة الدامون، حرموني من وداعك بقبلة، أودعك بوردة. فراقك موجع، موجع.. ولكني قوية كقوة جبال وطني الحبيب". 

ولم يسمح الاحتلال للأسيرة جرار بوداع ودفن والدها وابنتها، وهو ما يتكرر مع جميع الأسرى الذين فقدوا أعز الناس على قلوبهم أثناء اعتقالهم وهو ما يعتبره رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، بأنه يعبر عن مستوى "الانحطاط الإنساني" الذي يمارسه ضد الفلسطينيين، وبشكل ممنهج، بهدف تدمير نفسية ومقاومة الأسرى الذين تزيدهم المحن قوة وصلابة. 

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل