هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "التايمز" إنه مع تسارع خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، عمدت طالبان إلى إهانة جديدة للحكومة المحاصرة في كابول، بسلسلة من "الانتصارات" الحاسمة في ساحة المعركة، مشيرة إلى أنه "بعيدا عن المعركة، فإن طالبان تمهد الطريق للعودة إلى السلطة".
وذكرت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، أن "المكتب السياسي لطالبان
يستعرض عضلاته الدبلوماسية في قطر، ويرحب بمبعوثين للقوى الأجنبية، ويقدم نفسه على
أنه حكومة أفغانستان المنتظرة، رغم العنف المتصاعد في البلاد".
وفي أحدث مؤشر ملفت للواقع السياسي في أفغانستان، يستعد
الجيش الأمريكي للمغادرة، بعد 20 عاما من الحرب، وأكد مسؤولو طالبان حصريا لصحيفة التايمز
أن المجموعة أجرت محادثات مع دبلوماسيين هنود في الأسابيع الأخيرة.
تمثل هذه الخطوة تحولا تاريخيا في استراتيجية دلهي بعد
عقود من العداء تجاه الحركة الإسلامية، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع جار الهند وخصمها
اللدود باكستان.
ومع ذلك، مثل بقية القوى الإقليمية، بما في ذلك روسيا
والصين وإيران، اتخذت الهند قرارا عمليا بالتواصل مع المتمردين، في إطار سعيها للاحتفاظ
بنفوذها في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي.
في جميع أنحاء المنطقة، هناك مخاوف من أن الفراغ الذي خلفته أمريكا قد يؤدي إلى انهيار البلاد، في تكرار للحرب الأهلية التي أفرزت حركة طالبان خلال التسعينيات.
اقرأ أيضا: WP: مقتل قائد الكوماندوز الأفغاني يهز كابول.. طالبان عائدة بقوة
تم تسريب اتصال الهند مع طالبان لأول مرة إلى وسائل الإعلام
الهندية هذا الشهر. ولم تنف دلهي التقارير، مؤكدة فقط أنها كانت تتحدث إلى "مختلف
الأطراف المعنية" في أفغانستان.
وأكد مسؤول كبير في طالبان لصحيفة "التايمز"
أن المحادثات قد جرت، ويعتقد أن الاجتماع عقد في العاصمة القطرية الدوحة، التي تستضيف
محادثات سلام متعثرة بين طالبان وكابول منذ العام الماضي.
ولا تزال هويات الحاضرين في المحادثات الجديدة سرية،
لكن وزير خارجية الهند، سوبراهمانيام جايشانكار، كان زائرا متكررا هذا الشهر إلى الدوحة.
وقال مسؤول طالبان: "عقد الاجتماع بناء على طلب
الهند.. فلدى الهنود مخاوف... طالبوا بعدم دعم طالبان للعناصر [المتشددة] المناوئة
للهند".
وأضاف: "لدينا سياستنا المستقلة تجاه جميع البلدان.
نحن نحترم أصدقاءنا، لكن هذا لا يعني أننا لن نتحدث إلى البلدان التي لديها علاقات
إشكالية معهم".
ويعتقد أن المتمردين أبلغوا باكستان قبل الاجتماع الهندي،
وذلك تقديرا لحليف الجماعة التاريخي.
وقال المسؤول: "لقد قلنا للهنود إن باكستان بلد
مهم للغاية بالنسبة للأفغان... ولن ننساه أبدا. وإن لدينا تحفظات أيضا على دور الهند
في أفغانستان، حيث كانوا يدعمون الحكومة الأفغانية ويزودونها بالأسلحة والذخيرة".
كانت دلهي قوية في معارضتها لطالبان منذ أن خرجت الجماعة
من الحرب الأهلية، وأقامت نظامها الوحشي في منتصف التسعينيات، حتى أن الهند دعمت تحالف
الشمال المعارض ضد الإسلاميين في ذلك الوقت. منذ الغزو الذي قادته أمريكا عام 2001،
قاومت دلهي وضع الجنود على الأرض في أفغانستان، لكن الهند قدمت الأسلحة والتدريب العسكري
للحكومة في كابول، إلى جانب مليارات الجنيهات في البنية التحتية والمساعدات الإنسانية، في سعيها لمواجهة نفوذ باكستان في البلاد.
وتزايد قلق دلهي بشأن دور الهند الهامشي في عملية السلام
منذ أن حددت واشنطن جدولا زمنيا لمغادرة أفغانستان، في اتفاق تاريخي مع المتمردين العام
الماضي. مع موافقة الرئيس بايدن على الانسحاب غير المشروط، وعودة حركة طالبان إلى جميع
أنحاء البلاد، تصاعدت التحذيرات من أن الهند تخاطر بالاستبعاد من البلاد إذا لم تغير
مسارها.
وقال رحيم الله يوسفزاي، وهو صحفي باكستاني وخبير في
طالبان: "قال الخبراء في دلهي إن الوقت قد حان للتحدث مع طالبان، إنها حقيقة
واقعة.. لقد استثمرت الهند بكثافة في أفغانستان، وتريد الحفاظ على موطئ قدمها ومواجهة
باكستان. إذا لم يكن لديهم صلة بطالبان، فلن يكون هناك مكان لهم".
اقرأ أيضا: كيف ستكون أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي؟
ردت حركة طالبان بالمثل على التحولات الطفيفة في موقف
الهند خلال الأشهر الأخيرة. وإدراكا لسمعتها باعتبارها وكيلا متشددا لباكستان، رفض
المتمردون التقارير التي تفيد بأنهم متحالفون مع الجماعات الجهادية في كشمير المتنازع
عليها العام الماضي، معلنين أن النزاع "شأن داخلي".
واعتبرت هذه الخطوة مقدمة
إلى دلهي، حيث تسعى طالبان إلى بناء الشرعية كقوة سياسية.
قال يوسافزاي: "لقد كانت طالبان شديدة التجاوب مع أي مشاركة من أي دولة، حتى لو كانت قد عارضتها في الماضي.. إن ذلك يمنحهم الشرعية، خاصة إذا عادت الدول التي كانت منتقدة لهم للتعامل معهم. هناك العديد من الدول التي تصطف الآن للتفاوض مع طالبان. لقد اعتادوا على ذلك".
على الرغم من رفض الجماعة إعلان وقف إطلاق النار، ومع وصول محادثات السلام مع كابول إلى طريق مسدود، فإن الحكومات الأجنبية الأخرى تغازل المتمردين بهدوء أيضا. تقوم وفود طالبان الآن برحلات مكوكية حول العالم، وتعقد محادثات في أوسلو وجاكرتا وموسكو وبكين، على الرغم من تصاعد العنف في أفغانستان. وتمت مناقشة قمة في أوروبا حتى أن الرئيس ترامب دعا المتمردين إلى كامب ديفيد في عام 2019، قبل إلغاء المحادثات في اللحظة الأخيرة.
منذ الغزو الذي قادته أمريكا في عام 2001، أقامت روسيا
والصين وإيران علاقات بالوكالة مع المتمردين؛ لتخريب المجهود الحربي الأمريكي، والاحتفاظ
بنفوذهم في أفغانستان. مع تضاؤل التزام أمريكا بالصراع، نظرت تلك القوى الإقليمية مرة
أخرى إلى طالبان لتأمين حدودها من التهديد المتزايد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية
والجماعات المتطرفة الأخرى التي ظهرت في الفراغ.
في الوقت الذي تنهار فيه قوات الحكومة الأفغانية في وجه
هجوم طالبان، ومع حليف الهند، الرئيس أشرف غني، الذي يبدو في عزلة متزايدة، تحركت دلهي
الآن لحماية رهاناتها في كابول.
قال مايكل كوجلمان من مركز ويلسون بواشنطن: "إنها
خطوة عملية للغاية، لقد قرأت الهند ما هو واضح، وتعلم أن حركة طالبان القوية تستعد
لأن تصبح أكثر قوة.. كانت الهند متأخرة عن الركب لفترة طويلة. لم تدرك أهمية التواصل
مع طالبان، على الرغم من كونها وحشية وبغيضة. يجب أن تكون توقعات الهند متواضعة، لكن تأمل أن يؤدي التعامل مع طالبان إلى وضعها في وضع أفضل؛ لضمان عدم استهداف المتمردين
للمصالح الهندية والمواطنين في أفغانستان".
يظل الحوار بين حركة طالبان والحكومة القومية
الهندوسية حساسا لكلا الجانبين. وامتنع المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية عن التوسع
في تصريحاته في وقت سابق هذا الشهر، لكنه لم ينف الاجتماع.
قال أريندام باجي: "علاقاتنا مع أفغانستان تاريخية
ومتعددة الأوجه. نحن قلقون بشأن السلام والأمن في أفغانستان والمنطقة. نحن ندعم جميع
مبادرات السلام، وقد شاركنا مع العديد من أصحاب الشأن".
اقرأ أيضا: وزير الدفاع الأمريكي يتنبأ بتهديد مصدره أفغانستان خلال عامين
داخل طالبان نفسها، يمكن للحوار مع الهند أن يزيد الاحتكاك
بين الجناحين السياسي والعسكري للجماعة. نفى المتحدث الرئيسي للمسلحين، ذبيح الله مجاهد،
تماما إجراء محادثات مع الهند، لكن سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسي في الدوحة،
قال: "نحن مستعدون للتحدث مع أي دولة، بما في ذلك الهند. سينتهي وضع الحرب قريبا، ونحتاج إلى إعادة الإعمار والتنمية، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون تعاون من دول المنطقة".
وبينما يسعى المكتب السياسي لطالبان إلى الحصول على الشرعية
الدولية، واصل القادة العسكريون الحملة البرية. في الأسابيع التي انقضت منذ أن حدد
الرئيس بايدن الموعد النهائي الرمزي الأخير في 11 أيلول (سبتمبر) لمغادرة آخر القوات
الأمريكية، قُتل مئات الأفغان الآخرون.
خلفت موجة الاغتيالات الوحشية التي استهدفت الصحفيين
والمحامين والباحثين، وبشكل متزايد النساء المهنيات، عشرات القتلى منذ العام الماضي.
يبقى السؤال الأساسي حول كيف ومتى قد تسعى طالبان إلى تحويل موقعها العسكري إلى مقعد
حكومي، وما إذا كان بإمكانها تقاسم السلطة أو اختبار شعبيتها في صناديق الاقتراع، بلا
إجابة.
لا تزال اليد العليا للقادة العسكريين، يعتقدون أنهم
يستطيعون الاستمرار في تحقيق التقدم، ويمكنهم الاستيلاء على المدن. قال يوسف زاي إن
القادة المتشددين ما زالوا يضغطون على الموقف المتشدد. "لكن طالبان بحاجة إلى
إدراك أنه حتى لو استولوا على العاصمة، لا يمكنهم أن يحكموا بسلام. لن تعترف أي قوة
أجنبية بحكومتهم، وستندلع حرب أهلية أخرى".