قضايا وآراء

قراءة في الموقف العربي من معركة "سيف القدس"

ماجد عزام
1300x600
1300x600

جاء الموقف العربي من معركة "سيف القدس" في سياقه المعتاد لجهة الانفصام بين الموقف الرسمي الخجول العاجز وحتى المتواطئ والشعبي، حيث الدعم الكبير للمقاومة والشعب الفلسطيني والاستعداد لترجمة ذلك على كل المستويات بشكل عملي لا نظريا فقط.

طبعاً في المواقف الرسمية وحتى الشعبية ثمة فرق واضح وكبير بين الدول الديمقراطية أو تلك التي تملك هامشا معتبرا من الحريات السياسية والإعلامية، كما هو الحال في تونس والكويت وإلى حد ما الأردن والمغرب والدول والأنظمة الاستبدادية التي اكتفت بالمواقف النظرية الخجولة دون إعطاء الحرية للشعوب للتعبير عن مواقفها مع سعي انتهازي لاستغلال تلك المواقف الخجولة أصلاً لتعزيز شرعية الأنظمة الاستبدادية التي فضحتها أو عرّتها للدقة معركة سيف القدس.

بتفصيل أكثر، ومع استثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها أتت المواقف العربية الرسمية تقليدية ومعتادة ولم تغادر مربع الشجب والاستنكار والإدانة دون بذل جهود فعلية لنجدة الشعب الفلسطيني أو القيام بتحركات جادة لإجبار إسرائيل على وقف العدوان، بينما بدت العواصم العربية الكبرى ملتزمة بالأجندة الإسرائيلية وأعطت ضمنياً المساحة الزمنية الكافية لتل أبيب للانتهاء من تنفيذ أجندتها العسكرية التدميرية تجاه غزة.

في هذا السياق عبّرت الجامعة العربية بشكل فجّ ومحزن عن الواقع العربي الرسمي حيث العجز والنفاق والاكتفاء بتسجيل مواقف عامة دون القيام بخطوات جدية على الأرض بما في ذلك إرسال وفد رفيع إلى مقر الأمم المتحدة بنيويورك للضغط على الاحتلال من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان ضد غزة. 
وعموماً؛ قدّم موقف النظام المصري ـ كما نظام أو بقايا نظام بشار الأسد - نموذج عن مواقف الأنظمة الاستبدادية حيث قمع الجنرال عبد الفتاح السيسي التحركات الشعبية المساندة للشعب الفلسطيني ـ اعتقل من تجرأوا على التظاهر في ميدان الثورة - كما أعطى المساحة الزمنية المطلوبة لإسرائيل فيما يشبه التواطؤ لتكثيف الغارات والهجمات بغزة والقدس دون أي ردّ فعل جدّي وحازم منه.

أما تحركاته الأخيرة فجاءت انسجاماً مع الأجندة الإسرائيلية وبناء على أوامر أو ضوء أخصر أمريكي للقيام بالدور المعتاد، والسعي نحو وقف إطلاق النار، حيث التفاصيل هي نفسها لجهة غياب أي ضغوط على إسرائيل أو الانحياز إلى المطالب الفلسطينية، والاكتفاء بالعودة إلى معادلة التهدئة مقابل التهدئة التي يعمل من خلالها النظام كوسيط غير عادل ونزيه بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي.

 

أتت المواقف العربية الرسمية تقليدية ومعتادة ولم تغادر مربع الشجب والاستنكار والإدانة دون بذل جهود فعلية لنجدة الشعب الفلسطيني أو القيام بتحركات جادة لإجبار إسرائيل على وقف العدوان، بينما بدت العواصم العربية الكبرى ملتزمة بالأجندة الإسرائيلية وأعطت ضمنياً المساحة الزمنية الكافية لتل أبيب للانتهاء من تنفيذ أجندتها العسكرية التدميرية تجاه غزة.

 



وفيما يخص المساهمة في إعادة إعمار غزة وتخصيص مبلغ نصف مليار دولار لذلك ـ تستحق قراءة منفصلة ـ فتبدو مبدئياً مريبة وانتهازية، وتسعى إلى تحقيق مكاسب فئوية ودعائية، وتكريس النفوذ وربما الوصاية على غزة وأهلها ومقاومتها خدمة للاحتلال الإسرائيلي وأهدافه الخبيثة.

أما النظام الأردني وهو استبدادي طبعاً ـ ولكنه أقل خشونة وعنفاً من نظيره المصري ـ فأعطى مساحة معقولة للتضامن مع القدس وغزة وفلسطين لتنفيس الاحتقان الشعبي في ظل ضعف النظام والمأزق الداخلي الذي يعيشه على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن الطبع غلب التطبّع في النهاية عبر الاعتداء على المتظاهرين وتجاهل مطالبهم وحتى دعوات النواب المفترض أنهم منتخبين ـ ولو في انتخابات معلّبة ـ المتضمنة طرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات وإنهاء العمل باتفاقية الغاز الطبيعي التي تنعش ميزانية الاحتلال بمليارات الدولارات كل عام.

أمر مماثل يمكن قوله عن المغرب الذي أعطى مثل الأردن حرية نسبية للأصوات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، علماً أنه بدا محرجاً من التطبيع والعلاقات المتنامية مع الاحتلال الإسرائيلي رغم مضي هذا الأخير في جرائمه البشعة بحق الشعب الفلسطيني.

في الاستثناءات نتحدث عن دول ديمقراطية تعطي هوامش وحريات واسعة للعمل السياسي والإعلامي، كما هو الحال في تونس والكويت ما انعكس على المواقف الرسمية ومساحة التحركات الشعبية والجماهيرية الواسعة المتضامنة على كل المستويات مع المقاومة في القدس وغزة وفلسطين من التظاهرات والاعتصامات، والتضامنية إلى حملات جمع التبرعات العلنية والواسعة.

في السياق العربي لا بد من الحديث عن الدول المطبّعة التي وجّهت معركة سيف القدس ـ كما هبّات المقدسيين في المسجد الأقصى وباب العامود والشيخ جراح ـ صفعة قوية جدّاً لهم بعدما نقضت الأسس التي استندت عليها عملية التطبيع، خاصة فيما يتعلق بالمبالغة بقوة إسرائيل أو الزعم أن العملية البائسة تسعى لخدمة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولذلك حاولت تلك الدول إخفاء مأزقها باستخدام لغة سياسية وإعلامية خبيثة متضامنة شكلاً مع المقاومة والشعب الفلسطيني ولكنها داعمة جوهرياً للرواية الإسرائيلية وأكاذيبها عن معركة سيف القدس والقضية الفلسطينية بشكل عام.

لا بد من التطرق أيضاً إلى المتنطعين أدوات وأذرع أمبراطورية الوهم والدم الفارسية في العواصم العربية الأربع المحتلة ـ بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء ـ أو من يسمّون أنفسهم محور المقاومة، علماً أنهم ادعوا طوال الوقت أن ممارساتهم الاستبدادية وكسرهم للوحدة الوطنية والسلم الأهلي في بلدانهم تأتي بغرض الاستعداد لدعم المقاومة في فلسطين والمعركة مع الاحتلال الإسرائيلي بينما اكتفوا عندما اندلعت المعركة فعلاً بدعم سياسي وإعلامي متلعثم وخجول بما يتناقض مع رواياتهم، بل أساطيرهم عن أنفسهم وتحالفاتهم المدمرة في المنطقة العربية.

هذا رسمياً؛ أما في السياق الشعبي فقد عبرت الجماهير العربية بوضوح عن عمق تأييدها للمقاومة، كما الحيّز الواسع والعميق للقضية الفلسطينية في وجدانها وعقلها الجمعي، وفي ظل تأميم وهيمنة الطغاة على وسائل الإعلام التقليدية القديمة، بدت وسائل التواصل الاجتماعي الإعلام الجديد ساحة مهمة للتعبير عن المواقف الشعبية المتضامنة والداعمة للمقاومة والشعب الفلسطيني.

في الأخير، وباختصار أكدت معركة "سيف القدس" في سياقها العربي عمق الهوة بين الأنظمة والشعوب العربية، كما استحالة استمرار الواقع الحالي عربياً في ظل تأكيد المعركة وقناعة الشعوب الراسخة بأن هزيمة إسرائيل وزوالها هو أمر ممكن وفي متناول اليد، وأن أنظمة الاستبداد تعيق ذلك بغرض بقائها في السلطة لأطول فترة ممكنة ما يعني أن إسقاطها هو بالضرورة خطوة حتمية باتجاه زوال إسرائيل وتحرير فلسطين.

*باحث وإعلامي


التعليقات (0)