هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، تقريرا تناول فيه أثر المحادثات الإيرانية مع واشنطن في فيينا، والرياض بوساطة عراقية، على فصائل مسلحة في العراق.
وأوضحت أن تأثير المحادثات دفع بفصائل عراقية مسلحة إلى أن تنأى بنفسها عن إيران، "خشية استخدامها كورقة ضغط مع تقدم محادثات اتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة في فيينا".
وقالت الصحيفة؛ إن عددا من المسؤولين أكدوا لها أن "الفصائل حاولت إجبار الحكومتين الأمريكية والعراقية على التفاوض معها بشكل مباشر حول القضايا الأمنية والسياسية، بدلا من الاقتصار على مناقشة هذه القضايا بشكل ثنائي".
وبحسب تقرير الموقع، فإن إيران قامت على امتداد السنوات الماضية بتشكيل ورعاية عشرات المجموعات المسلحة في العراق، لكنها فقدت قبضتها عليها في الأشهر الأخيرة.
وتاليا النص الكامل للتقرير:
في الوقت الحالي، تجري طهران مفاوضات قد تغير قواعد اللعبة مع الولايات المتحدة والسعودية منافسها الإقليمي. وتأمل إيران أن تخفف الولايات عقوباتها وتعود إلى الاتفاق النووي الذي أبرم سنة 2015، كما وجهت الدعوة للسعودية من أجل إنهاء حربها في اليمن وإيجاد حل للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، ويرى مسؤولون إيرانيون وأمريكيون أن هذه المفاوضات تبدو واعدة إلى حد الآن.
وتحتل الفصائل المسلحة العراقية واليمنية واللبنانية الموالية لإيران حيزا مهما ضمن هذه المفاوضات، ويُتوقع أن تستغلها إيران كورقة ضغط على واشنطن والرياض.
هذا الواقع جعل الفصائل العراقية تشعر بالتهديد من تخلي إيران عنها في أي لحظة. ردا على ذلك، قامت الفصائل خلال الأسابيع القليلة الماضية بتكثيف هجماتها على القواعد العسكرية العراقية التي تستضيف القوات الأمريكية وخدمات الدعم اللوجستي لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
لم تعلن أي فصائل مسلحة عراقية تورطها في أي من هذه الهجمات، لكن قادة فصائل مسلحة ومسؤولين عراقيين، أكدوا لموقع "ميدل إيست آي" أن مجموعات موالية لما لا يقل عن اثنين من أبرز وأقوى المليشيات الشيعية المسلحة هي المسؤولة عن تنفيذ هذه الهجمات.
بداية الخلافات
قال قادة فصائل مسلحة مدعومة من إيران لموقع "ميدل إيست آي"؛ إن إيران لم تكن موافقة على شن هذه الهجمات، وأن خلافا نشب بين قادة الفصائل والمستشارين الإيرانيين خلال اجتماع عُقد في بغداد مساء الاثنين.
حضر معظم قادة الفصائل الشيعية البارزة المدعومة من إيران هذا الاجتماع، على غرار هادي العامري زعيم منظمة بدر، وصالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي،
وعبد العزيز المحمداوي الملقب "أبو فدك" رئيس أركان الحشد.
وصرّح قائد بارز شارك في الاجتماع أنه قد برزت دعوات لـ"مناقشة تداعيات هذه العمليات وانعكاساتها على الوضع في العراق، وبحث المفاوضات الجارية التي تجريها إيران مع الولايات المتحدة وضرورة استمرار التهدئة في المنطقة حتى إشعار آخر".
وأصر قادة كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق في الاجتماع على عدم مبالاتهم بالمفاوضات الجارية وتمسكهم بضرورة الفصل بين الوضعين العراقي والإيراني في هذه المرحلة، حسب ما أكده المصدر ذاته.
وأوضح المصدر أن "هذه الهجمات تهدف إلى توجيه رسالة إلى جميع الأطراف، مفادها أن الفصائل المسلحة غير معنية بنتائج أي مفاوضات يجريها الإيرانيون، ومن يسعى لوقف هذه الهجمات يتعين عليه التعامل معها بشكل مباشر".
وأضاف أنّ قادة الكتائب والعصائب "قالوا إنهم لا يعتقدون أن (رئيس الوزراء العراقي مصطفى) الكاظمي والأمريكان قد اتفقوا على جدولة انسحاب القوات الأمريكية، وأن هذه الهجمات تهدف إلى فرض المزيد من الضغط وإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب".
وتابع المصدر ذاته: "لقد أبلغوا الإيرانيين صراحة أنهم لن يحرجوهم بإعلان مسؤوليتهم عن هذه الهجمات لكنهم لن يوقفوها، وأن أي طرف يسعى لوقف هذه الهجمات يجب أن يتفاوض معهم مباشرة".
هدنة صورية
سعيا لإيقاف الهجمات حتى بشكل مؤقت، خاصة أنها تسبب ضغوطا كبيرة، حاولت الحكومة العراقية والولايات المتحدة في أوائل الشهر الماضي كسب بعض الوقت، من خلال الإعلان عن اتفاق لسحب القوات المقاتلة الأجنبية من العراق في غضون سنة.
وقالت مصادر مقربة من الكاظمي؛ إنه بالرغم من المحاولات التي بذلها الجانب العراقي لتسريع تشكيل اللجان الفنية المكلفة بهذه المسألة، لم يُحدّد جدول زمني للانسحاب، ولم يتم إحراز أي تقدم منذ ذلك الحين.
هذا ما جعل بعض المسؤولين والسياسيين العراقيين يشككون في جدية الاتفاق. وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى مطلع على تفاصيل المحادثات؛ إن "الاتفاق كان صوريا وأن الكاظمي خدع الشعب العراقي".
يبدو أن هذه الشكوك بدأت تتسلل إلى الفصائل المسلحة المدعومة من إيران. وعلى الرغم من تعهد الفصائل بوقف الهجمات عند تأكيد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، إلا أن عدم وجود جدول زمني محدد، بات ذريعة لاستئناف الهجمات ضد الأهداف الأمريكية بعد تعليقها مؤقتا كجزء من هدنة غير رسمية، حسبما قال مسؤولون أمنيون عراقيون لموقع "ميدل إيست آي".
وقد شهدت الأسابيع الخمسة الماضية زيادة ملحوظة في عدد الهجمات الصاروخية، التي استهدفت قاعدة فيكتوريا العسكرية داخل مطار بغداد الدولي وقاعدة بلد الجوية شمال محافظة صلاح الدين.
وشُنت أيضا غارات شبه يومية على قوافل الدعم اللوجستي للقوات العراقية وقوات التحالف على الطريق السريع جنوبي العاصمة وغربها.
من جانبها، نفت الفصائل المسلحة العراقية مسؤوليتها عن الهجمات وأكدت التزامها بالهدنة التي أبرمتها مع القوات الأمريكية بوساطة من الحكومة العراقية. في المقابل، أعلنت جماعات لم تكن معروفة من قبل مسؤوليتها عن هذه الهجمات، ويُعتقد على نطاق واسع أنها مجرد غطاء لفصائل بارزة مدعومة من إيران.
ولئن كانت الخسائر الأمريكية طفيفة، إلا أنّ الأضرار التي تكبدها العراق كبيرة جدا. خلال الأسابيع الخمسة الماضية، تعرضت قاعدة فيكتوريا وقاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار وقاعدة بلد الجوية في صلاح الدين إلى 10 هجمات صاروخية.
وقالت مصادر عسكرية؛ إن جنديين عراقيين أصيبا، كما لحقت أضرار كبيرة بالمنشآت العسكرية.
لا تستضيف قاعدة بلد الجوية حاليا أي جنود أمريكيين، وتتزايد الخسائر والأضرار في المنشآت العراقية الواقعة بالقرب من قاعدة فيكتوريا، حيث أخطأت معظم الهجمات أهدافها. كما أثار ذلك خلافات بين قادة الفصائل المدعومة من إيران، خاصة أن بعضهم لا يدعم هذه الهجمات.
قال قائد بارز في هيئة الحشد الشعبي لموقع "ميدل إيست آي"؛ إن العامري وفياض وأبو فدك هم في طليعة الرافضين لهذه الهجمات.
وقال القيادي؛ إن عدم مباركة طهران وإصرار الإيرانيين على الهدوء في أثناء المفاوضات، أعطى هؤلاء القادة سببا كافيا لانتقاد الهجمات، مما أدى إلى تعميق الانقسامات بين الفصائل المدعومة من إيران.
وأضاف: "أعرب القادة الثلاثة عن رفضهم لهذه الهجمات، وأعلنوا عن استعدادهم للتعاون مع الحكومة للكشف عن الجناة وتسليمهم إلى السلطات المختصة".
وتابع: "يعتقد الثلاثة أن ضرر هذه الهجمات أكبر من نفعها، فهي تستهدف المدنيين والقوات العراقية، ولا يوجد مبرر لشنها طالما أن الحكومة العراقية ملتزمة بوضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية".
واستدرك قائلا: "المشكلة أن قادة كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، يعتقدون أن العامري وفياض وأبو فدك أصبحوا يميلون إلى الكاظمي ويسعون لحمايته، وهم لا يحبون ذلك".
الهجمات قابلة للزيادة
يجب أخذ ثلاثة عوامل بعين الاعتبار: أولا، لم تعد الفصائل المسلحة العراقية تمتلك قيادة موحدة، وثانيا، يشعر الكثيرون بالتهديد بعد أن بدأت إيران التفاوض مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وثالثا هناك خوف ملموس من التخلي عن الفصائل.
وأكد قادة فصائل مسلحة لموقع "ميدل إيست آي" أن هذه الهجمات ستزيد لهذه الأسباب، وستتراكم أزمات الحكومة العراقية إذا استمرت في تجاهل قادة المليشيات والتعامل فقط مع الإيرانيين.
وقال القائد في الحشد الشعبي؛ "إنهم [الفصائل] يريدون النأي بأنفسهم عن الإيرانيين وإجبار الحكومة العراقية والأمريكيين على التفاوض معهم مباشرة".
وأضاف: "كتائب حزب الله على وجه الخصوص تريد أن تكون صانع قرار لا غنى عنه في أي مسألة تتعلق بالشأن العراقي، وكذلك عصائب أهل الحق، لكن لديهم تمثيل سياسي، ومن ثم يبدون أقل اهتماما بالأمر من كتائب حزب الله.. لم يسمح الإيرانيون بهذه الهجمات ولا [المرشد الأعلى علي] خامنئي، وهذا يعني أنهم لا يملكون القوة لوقفها، ومن المرجح أن تستمر هذه الهجمات حتى تحصل الفصائل على الضمانات الكافية أو نتائج ملموسة".