عندما نكتب عن
العراق، فإننا نكتب عن بلد عظيم كبير، مركزي في
الحضارة الإنسانية والعربية والإسلامية، فقبل أن تكون بغداد لعقود طويلة عاصمة للخلافة الإسلامية كانت مهدا للحضارات.
تصح الجوائح التي يتعرض لها المواطن العراقي منذ ١٨ عاما على الاحتلال، وقبلها عقود من
الاستبداد، مثالا على الجوائح العربية التي تجتاح وطننا العربي الكبير من المحيط إلى الخليج. فهذا البلد الغني يرزح أهله اليوم تحت فقر مدقع وتآكل في البنى التحتية، وبطالة وفساد ضاعفه
قادة طائفيون يدينون بالولاء للخارج. كل ذلك رغم نفطه وموارده وغناه، حاله حال كثير من الدول العربية، فبلادنا ليس صحيحا أنها فقيرة، وإنما أفقرها وخربها وجرفها حكام سطوا على خيراتها في غفلة من الزمن.
يشكل العراق الغني وما يقاسيه مواطنوه من أهوال الكوارث مثالا على الجوائح التي يعانيها المواطن العربي، فرغم فاجعة مستشفى ابن الخطيب التي
حرق فيها 82 مريضا، كانوا على أسرة الشفاء من
كورونا قبل أن يتوفوا رحمهم الله، فإن معاناتهم ومعاناة العراقيين كلهم لم تبدأ مع كورونا، وإنما معاناة العراقي والعربي هي معاناة بدأت منذ زمن طويل مع
الفساد والاستبداد، منذ تمكنت مجموعة من العسكريين من السطو على حكم بلداننا العربية عبر انقلابات عسكرية سموها "ثورات" زورا وبهتانا، فيما الحقيقة أنها استعمال للقوة للسطو على الحكم وإبادة الخصوم، ثم الاستحواذ على مقدرات البلاد.
لم تبدأ مشاكل العراقي بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين، وإنما تضاعفت، وإن الدول العربية التي تعاني اليوم من كورونا لا يصح فيها اختزال معاناة شعوبها في كورونا المستجد، وإنما الفشل الجديد لأنظمة الحكم في تلك البلدان في التعامل مع الجائحة ضاعف من معاناتها
لم تبدأ مشاكل العراقي بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين، وإنما تضاعفت، وإن الدول العربية التي تعاني اليوم من كورونا لا يصح فيها اختزال معاناة شعوبها في كورونا المستجد، وإنما الفشل الجديد لأنظمة الحكم في تلك البلدان في التعامل مع الجائحة ضاعف من معاناتها. فتلك الحكومات في الأصل هي وباء، فكيف لها أن تحارب وباء جديدا، فضلا عن كونه ليس مرضا عاديا، وإنما "جائحة"؟
نظرة سريعة على العراق عقب 18 عاما من الاحتلال، تجعلنا نقف عند جزء يسير من حقيقة المشهد العراقي المؤلم، فحجم الأموال المهربة خارج العراق حسب "لجنة النزاهة في البرلمان العراقي"؛ بلغ 350 مليار دولار على مدار 18 عاما، سرقت من أطفال ونساء وشباب العراق، وهربت للخارج بيوتا في العواصم الأوروبية، وأرصدة في الحسابات السويسرية.
الفيروس الأخطر في العراق وعموم العالم العربي هو الفساد، وإن من قالوا إنهم جاؤوا على الدبابة الأمريكية لتحرير العراق إنما هم سراق جاؤوا لنهبه، حالهم حال من قال في القاهرة إنه جاء ليحنوا على الشعب المصري
إن الفيروس الأخطر في العراق وعموم العالم العربي هو الفساد، وإن من قالوا إنهم جاؤوا على الدبابة الأمريكية لتحرير العراق إنما هم سراق جاؤوا لنهبه، حالهم حال من قال في القاهرة إنه جاء ليحنوا على الشعب المصري، فيما الحقيقة التي نراها اليوم أن ذلك الحنان يتجسد في قرابة 100 ألف مصري في المعتقلات، وتفريط في الأراضي، وتهديد للأمن القومي.
إن من جاء على دبابة الاحتلال ومن جاء بدعم من دول التطبيع، عرابة الثورات المضادة، هم الوباء وأصله، والخلاص من كورونا ومن غيره من الأهوال يكون بالاهتداء لطريق يخلصنا من تلك النظم البائسة.
بلداننا العربية ليست فقيرة، هي غنية بمواردها، بموقعها الجغرافي، بخيراتها، بطيبة أبنائها وإخلاصهم.. هي مهد الحضارات والديانات، وقبل ظهور البترول كانت بغداد ودمشق والقدس والرباط والقاهرة وصنعاء وكل حواضر الأمة تزخر بالخيرات. لسنا فقراء، هذا كذب، وإنما سُرقنا من لصوص الانقلابات، ووكلاء المستعمر الذي قاتله المخلصون وطردوه، ومنذ ذلك الوقت وهم يخوضون صراعا مع وكلائه الذين هم أشد ظلما وقهرا من أسيادهم.