قضايا وآراء

الاختيار 2.. لماذا؟!

هاني سليمان
1300x600
1300x600
أعتقد أن من أهم أسباب عرض مسلسل "الاختيار 2"، هو إعادة خلق العدو الأزلي للنظام، الذي دائما ما يُتهم بكل فساد أو فشل أو انهيار يحدث في مصر منذ أن تولى النظام السلطة، وهو جماعة الإخوان.

ذلك يحدث لصرف الانتباه وتغييب الشعب عن العدو الحقيقي الذي يقف النظام عاجزا تماما عن التعامل معه، وهو إثيوبيا ومشروعها سد النهضة الذي يمثل تهديدا حقيقيا للمصريين.

في ظل فشل المفاوضات مع إثيوبيا، ومع عدم جدوى الوساطات والتوسلات الدولية، ومع انهيار "الخط الأحمر" الوهمي، وتذكر هزيمة الجيش في حرب اليمن وحرب 1967، ثم مع كلام وزير الخارجية "المائع" بأنه لو كان الملء الثاني ليس فيه ضرر لمصر فـ"يا دار ما دخلك شر".. يبدو واضحا أن النظام لن يتحرك عسكريا، كما لن يتحرك تفاوضيا ولا سياسيا ولا دبلوماسيا أكثر مما فعل، حيث كان نصيبه الفشل في كل هذا.

وفي ظل فشل النظام المتوالي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وفي ظل المعاناة التي يعيشها معظم المصريين، أيضا في ظل الهجوم الدولي المتصاعد على النظام بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان والتصاعد العالمي لمشكلة جريمة قتل ريجيني، كان لا بد للنظام أن يتحرك ويقوم بشيء يلهي به المصريين، ويزيدهم جهلا وتغييبا.

ولهذا كان لا بد للنظام من إيجاد عدو ليشغل به الذين يصدقونه من الشعب المغيب.

ولا يوجد طبعا أفضل من العدو القديم الراسخ المستقر عند النظام وهم الإخوان، فكان لا بد لهذا العدو أن يظهر من جديد على طريقة خروج  "الجني الشرير" من القمقم مرة أخرى، فيذاع المسلسل في شهر رمضان، وهو الشهر المفضل لعرض الدراما التي تنتجها المخابرات المصرية لتغييب عقول المصريين، وإلهائهم وصرف انتباههم عن المشاكل والصعوبات التي يعانون منها.

يتزامن مع تقديم المسلسل عرض أفلام تسجيلية تؤكد الدراما المزيفة، وتعيد الكلام عن الإخوان الأشرار الذين اعتصموا في رابعة، وكانوا مسلحين بأحدث الأسلحة الفتاكة والقناصة المدربين الذين قتلوا الضباط الأبرياء الشرفاء، الذين حاولوا فض الاعتصام بكل أدب وذوق ونية طيبة، بل قتل الإخوان أنفسهم أيضا، ودفنوا جثثهم في "الكرة الأرضية" الموجودة تحت ميدان رابعة، كما قال الإعلامي اللوذعي أحمد موسى وقتها، ثم ملؤوا المستشفى الميداني بالجرحى من أعوانهم، ليتهموا النظام وضباطه الشرفاء بارتكاب المذبحة، بينما هم أبرياء منها تماما.

وعلى طريقة "فرق تسد"، يؤدي عرض المسلسل إلى إثارة الحديث والنقاش من جديد حول أحداث رابعة بين مؤيد ورافض، مما يثير مجددا حالة الانقسام المجتمعي الهائل التي تسيطر على مصر منذ عشر سنوات، والتي سهلت كثيرا سيطرة النظام على السلطة. 

هذه هي الطريقة التي يحكمنا بها العسكر منذ 70 سنة، بخلق عدو داخلي وهمي يهدد الأمن والأمان، ويبرر القمع والطغيان، ويعلل الفساد والفشل في كل مجال، ويتيح كبت الآراء وقمع الحريات بدعوى مكافحة الإرهاب وحماية الشعب، طبعا غير العدو الخارجي الشرير الذي يحيك المؤامرات على البلد العريق وشعبه الطيب، لا لسبب إلا لأنه يكره مصر المحروسة أم الدنيا.

وهكذا تتعالى صيحات مثل "لا صوت يعلو فوق صوت الأمان والاستقرار"، و"أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق"، و"إيه يعمل التعليم والصحة والإنتاج في بلد ضايع" و"مفهوم حقوق الإنسان عندنا مختلف"، و"تسألوني عن التعليم  أسألكم عن تحديد النسل"، و"أنزل الجيش يبيد كل شيء"!!

الكارثة أن هناك الكثيرين ما زالوا يصدقون هذه الأساطير والخرافات، ويؤمنون بالدعوات والصيحات والمسلسلات والأفلام والبرامج الموجهة التي تخلق لهم هؤلاء الأعداء الوهميين، وتغسل أدمغتهم وتمسح قولهم وتلغي تفكيرهم وتسلب إراداتهم.

تقول الحكمة الخالدة؛ إنك تستطيع خداع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع خداع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت، ولعل يوم ظهور الحق وكشف حقيقة الظالمين الطغاة قريب بإذن الله تعالى.
التعليقات (0)