قضايا وآراء

الانتخابات الفلسطينية وإصلاح الخلل البنيوي

نزار السهلي
1300x600
1300x600
من دون فهم الخلل المنهجي الذي تعاني منه الحالة الفلسطينية، سلطة ومنظمة وفصائل ومؤسسات، وفهم حالة التردي والعجز القائم على رهان العبث "بصوابية" أداء السياسة لمواجهة استحقاقات حركة تحرر وطني فلسطيني أمام مشروع صهيوني استيطاني عدواني، يبقى فعل التمني والاستجداء والاستعطاف هو الذي يقود المواجهة بفقدانه آليات قوته المستمدة فرضياً من تطلعات شعب تحت الاحتلال، ومُصاب بنكبات فوق نكبته الأولى؛ من ابتلاع الأرض والتهويد والاستيطان وخيبات ذاتية وعربية ودولية.

مع هذا الخلل تتجه الأنظار لموعد الانتخابات الفلسطينية القادمة في أيار/ مايو القادم، مع ما تحمله من سلبية المرحلة السابقة، ومن دون إحداث أي قطع معها، سيبقى النهج المتبع لحركة تحرر وطني فلسطيني عرضةً لمأزق بنيوي متزايد.

يعكس الحديث المتداول عن الانتخابات الفلسطينية وقوائمها مفهوما مشوهاً عن تمثيل الشعب الفلسطيني وقضيته، إذ لم تكن المشكلة أبداً مع المؤسسة أو الشرعية المنتخِبة لممثلها، فمنظمة التحرير الفلسطينية ببرامجها وميثاقها الأساسي ومؤسساتها، كانت الممثل الشرعي لتطلعات الفلسطينيين في التحرر على امتداد العقود التي سبقت أوسلو، إلى أن تغير مفهوم التمثيل من المنظمة للسلطة التي احتضنت وصهرت داخلها العمل الفصائلي، وقوضت مرجعياتها تحت سقف أوسلو والسلطة.

وتحديد مفهوم استثنائي للانتخابات دون إتمام ردم فجوة الخلل والانقسام، ومراجعة الذات، إنما يستجيب لطموحات بعيدة عن تلك التي آمن وحلم وضحى من أجلها الشعب الفلسطيني.

يحتل موضوع السلطة وأوسلو وارتباطاتها حيزاً سلبياً في العقل السياسي الفلسطيني، والعجز المأساوي للخروج من عنق السياسة الإسرائيلية وعدوانها الناسف لشكليات وهياكل أوسلو يبقى مُعبرا صريحا عن شكل وطبيعة الانتخابات وإفرازاتها الماضية والمستقبلية.

ومعلوم أن الخطاب "الجميل والنبيل" عن ترتيب البيت الفلسطيني المدغدغ للعواطف الحزبية والفصائلية؛ لا يصنع نموذجا نضاليا، ولا يلبي حاجات الواقع الفلسطيني، كما أن الحديث عن أحلام وشعارات لا يمكن أن يكون بديلا عن انخراط حركة تحرر وطني مع واقعها وتغييره. المفاهيم والأشكال تغيرت مع التشوه البنيوي الذي لحق بالعمل النضالي الفلسطيني، والمحاط بسلبيات لا تصلحها جمالية تكرار شعارات عن الماضي وتفاؤل بمستقبل يؤسس حاضر الفعل امتداد سيئ له.

فمن غير المعقول تخطي حالة التبعثر والتشرذم، من دون تخطي حالة العجز الذاتي والبنيوي التي أصابت الفعل السياسي الفلسطيني منذ أوسلو وحتى اليوم، مروراً بالانقسام وتبعاته، دون الاستعداد للتفاعل الجدي مع الشارع الفلسطيني، وفهم الخلل الذي تعاني منه السلطة والفصائل والمنظمة.

النظر للانتخابات كبديل لإصلاح الخلل مع ماراثون المصالحة دون بلوغ خط النهاية لا ينجز بيئة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية؛ بمقدورها استقطاب المجتمع الفلسطيني وتلبية مصالحه، وحقوقه النازفة كل لحظة بالعدوان والتهويد ومصادرة الأرض واقتحام المقدسات.. بحاجة لمقدمات شَرطية للتحول من حالة الضياع والشرذمة لحالة الإمساك بناصية طريق تاه عنه "نضال" التأسيس؛ لسلطة فشلت كل خياراتها المقروءة من اتفاق أوسلو.

قلنا سابقاً إن الانتخابات في مجتمع متحرر أو في طريقه للتحرر، هي حاجة طبيعية لتمثيل نضاله وحقه، وشكل من أشكال ممارسة السلطة وتداولها بشكل سلمي وديمقراطي، وفي الحالة الفلسطينية غير الطبيعية بمواجهة عدو استيطاني متسلح بمنهجية صهيونية ناسفة لكل مزاعم الوهم "الجميل والنبيل"؛ لتليينه بتقديم صورة عن الإنسان الفلسطيني المطيع لسلطته وتفاهماتها وخياراتها "الثابتة" في كل ما يخص العلاقة مع المحتل، فإنها لا تجري لانتخاب ممثل للحقوق معني بحق اللاجئين (نصف الشعب الفلسطيني) ولا بالقدس ولا بمقاومة ودحر الاستيطان والاحتلال، إنما شكل هي سياسي تمثيلي يعبر عن سلطة قائمة بمهام لن تتغير بهذه المنهجية.

لا يجوز تعليق آمال كبرى على حدوث تغيير بالانتخابات الفلسطينية لواقع فلسطيني شاق ومرير، دون تغيير في البنية المنهجية المخلخلة، وأن لا نضع في حساباتنا أن هناك من المنتخبين بقوائم مستقلة أو حزبية وسلطوية؛ سيتجه لتصحيح أخطاء وقع فيها سابقاً بشكل يدفع للاعتقاد بأن الانتخابات استحقاق "وطني وتاريخي" لا يحمل من التاريخية والوطنية سوى شعارهما الجميل.

وإن كان من عبرة في ذلك فالتمرس في الاستمتاع بسلطة ومؤسسات تستوعب الفصائل ووزراءها وكوادرها، بينما إصلاح الخلل المنهجي كله يتعارض والواقع. فإذا سأل الفلسطيني عن نهاية حقيقية للانقسام، فهذا يعني ترك كل امتيازات أوسلو والتفرغ لمواجهة العدو، وعن استعادة المنظمة ومؤسساتها وميثاقها عملاً وقولاً، فإن احتمالات المستقبل مفتوحة على أملٍ، ودون ذلك على وهمٍ. فهل من مستعد للأمل، أم سيجري انتخاب الوهم؟

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)