هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، بشأن إمكانية أن يؤثر تقرير الاستخبارات الأمريكية "CIA" عن جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي وعلاقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأوامر القتل، على العلاقة القديمة بين السعودية والولايات المتحدة.
وأشارت "بي بي سي" في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن تقرير "سي أي إيه" يعد "بمثابة ضربة لنفوذ وهيبة ومكانة واحد من أقوى الرجال في الشرق الأوسط: ابن سلمان".
وأكدت أنه "ستكون لذلك تداعيات على التعاملات الغربية مع المملكة العربية السعودية لعقود قادمة".
وأضاف معد التقرير فرانك غاردنر، المراسل الأمني لـ"بي بي سي"، أن "الجزم بأن ولي العهد محمد بن سلمان كان شريكاً في الجريمة المروعة التي ارتكبت في عام 2018 سيصعب أكثر من أي وقت مضى على الزعماء الغربيين الارتباط به علانية كشخص".
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
جمال خاشقجي: كيف يمكن لتقرير المخابرات أن يثلم الروابط الأمريكية السعودية القائمة منذ سنين؟
يعد نشر تقرير المخابرات الأمريكية الذي رفعت عنه السرية حول جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بمثابة ضربة لنفوذ وهيبة ومكانة واحد من أقوى الرجال في الشرق الأوسط: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كما قد تكون لذلك تداعيات على التعاملات الغربية مع المملكة العربية السعودية لعقود قادمة.
فالجزم بأن ولي العهد محمد بن سلمان كان شريكاً في الجريمة المروعة التي ارتكبت في عام 2018 سيصعب أكثر من أي وقت مضى على الزعماء الغربيين الارتباط به علانية كشخص.
ومع ذلك، وكما هي الأمور اليوم، يبدو أن محمد بن سلمان سيبقى مهيمناً على العرش السعودي لوقت طويل قادم.
فهو فقط في الخامسة والثلاثين من عمره وما زال يتمتع بشعبية واسعة في أوساط الجمهور داخل المملكة العربية السعودية حيث معظم سكانها من الشباب، وحيث لا يكاد يسمع أي انتقاد علني لولي العهد حتى الآن جزئياً لأسباب لها علاقة بالحمية الوطنية وجزئياً لأسباب تتعلق بالقمع الشديد للحريات المدنية.
أشار الرئيس بايدن إلى أنه يريد أن يتعامل مع العاهل السعودي الملك سلمان، وليس مع محمد بن سلمان، إلا أن الملك ونجله يعملان في تناغم تام مع بعضهما البعض، ولذلك فلا يوجد معنى من الناحية العملية لهذا التمييز بينهما.
يبلغ الملك سلمان من العمر خمسة وثمانين عاماً، وحالته الصحية مزرية، ولقد سلم معظم سلطاته لنجله محمد بن سلمان.
شريط مرعب
كانت علاقة ولي العهد بجريمة قتل خاشقجي معروفة لدى معظم وكالات الاستخبارات الغربية منذ زمن، وإن لم يتم الإفصاح عن ذلك لعامة الجمهور.
وذلك أن جينا هاسبيل، التي ترأست وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) منذ عام 2018 وحتى مطلع هذا العام، كانت قد سافرت إلى أنقرة حيث أسمعها مسؤولو المخابرات التركية شريطاً صوتياً مرعباً يوثق آخر اللحظات اليائسة في حياة جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية حيث تمكن منه عملاء أرسلوا من الرياض وقاموا بخنقه حتى الموت.
كما تم إطلاع وكالات الاستخبارات الغربية الأخرى على محتوى التسجيل السري لدى تركيا لما جرى داخل القنصلية السعودية، والذي يعتبر تسجيله في حد ذاته مخالفة دبلوماسية لولا أنه تم غض الطرف عنه بسبب فظاعة جريمة القتل التي ارتكبت بحق خاشقجي.
يقول المسؤولون الأمريكيون إن وكالة المخابرات الأمريكية خلصت "بدرجة من اليقين تتراوح بين المتوسط والعالي" إلى أن محمد بن سلمان كان شريكاً في الجريمة.
ولكن حينما كان الرئيس ترامب داخل البيت الأبيض، تم التحفظ على تقرير المخابرات الأمريكية لكي لا يتسبب نشره في إحراج الحليف المقرب في الرياض. أما الآن فقد اختفى ذلك التستر.
ليس المفضل لدى واشنطن
لم يكن ولي العهد محمد بن سلمان الاختيار المفضل لدى واشنطن كملك قادم يتربع على عرش السعودية.
بل كان الشخص المفضل لديها هو الأمير محمد بن نايف الذي كان الأول في الترتيب بعد الملك وصولاً إلى العرش إلى أن خلعه محمد بن سلمان في عام 2017. يخضع محمد بن نايف حالياً للاعتقال، ولقد وجهت له تهم بالفساد والتآمر على ولي العهد، الأمر الذي تنفيه عائلته.
كان محمد بن نايف على مدى سنين متتابعة أهم حليف للولايات المتحدة داخل العائلة الملكية في السعودية. وعندما كان يشغل منصب وزير الداخلية، وتمكن أثناء ذلك من إلحاق الهزيمة بالقاعدة، فقد أقام علاقات وثيقة مع المخابرات الأمريكية من خلال مسؤول المخابرات لديه سعد الجبري، الذي يعيش الآن في المنفى بشكل اختياري داخل كندا ويزعم في قضية ينظر فيها أمام القضاء بأن محمد بن سلمان أرسل فريقاً لتصفيته.
إذن، فيما يتعلق بولي العهد الحالي، يوجد لدى المخابرات الأمريكية تاريخ تستند إليه.
ورغم أنهم ما زالوا بحاجة إلى علاقة عمل جيدة مع الديوان الملكي السعودي، أخذاً بالاعتبار التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب المستوحى من تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، إلا أنهم كانوا يفضلون التعامل مع الأيدي الآمنة والثابتة لمحمد بن نايف بدلاً من التعامل مع شخص مارق مثل محمد بن سلمان لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يصدر عنه من أفعال.
هدية لإيران
إلا أن كل ما من شأنه أن يقوض الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يعتبر بمثابة هدية تقدم لخصم المملكة في المنطقة، إيران.
فعلى الرغم من سنوات من العقوبات والحصار، خلص الخبراء مؤخراً إلى أن إيران باتت لها اليد العليا في الشرق الأوسط، بعد أن نجحت في توسيع دائرة نفوذها من خلال ميليشيات وكيلة عنها لتشمل كلاً من لبنان وسوريا والعراق واليمن، حتى غدت السعودية محاصرة من كل الجهات.
عندما أعلن الرئيس بايدن حظراً على تصدير السلاح إلى الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، سارع الحوثيون المدعومون من قبل إيران هناك إلى استغلال ذلك، ولقد تقدموا منذ ذلك الحين في العديد من الجبهات ثقة منهم بأن عدوهم بات مغلول اليد بسبب الحظر على السلاح.
من المحتمل أن ينجم عن ذلك على المدى الطويل دفع القيادة السعودية باتجاه تنويع شركائها العسكريين والأمنيين، ولربما تعمد إلى فتح أبواب جديدة للتعامل مع كل من روسيا والصين.
ولربما دفع ذلك الرياض نحو إقامة علاقات أوثق مع إسرائيل، والتي تشترك معها في القلق من أن تتوسع إيران وتتمكن من تطوير السلاح النووي.
(عن هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، مترجم خصيصا لـ"عربي21")