يشير تأكيد نبأ
اعتقال زعيم فرع تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" خالد باطرفي في
اليمن إلى حالة الانحدار التي شهدها تنظيم "
القاعدة"، منذ مقتل زعيمه أسامة بن لادن، فقد عصفت الخلافات والانقسامات والانشقاقات بالتنظيم في عهد خليفة بن لادن؛ أيمن الظواهري، فقد تعرض التنظيم المركزي ومختلف الفروع الإقليمية منذ تولي الظواهري للاختراق، وتفككت بعض الفروع، وأصبحت قيادات القاعدة هدفاً سهلاً للقتل المستهدف والاعتقال.
جاء تأكيد اعتقال خالد باطرفي زعيم فرع القاعدة الأقوى والأخطر في اليمن، بعد سلسلة من عمليات القتل الناجحة التي استهدفت قيادات القاعدة خلال العام الماضي، حيث يُعد عام 2020 الأشد كارثية على تنظيم القاعدة. فقد شهد مقتل العديد من الشخصيات الرئيسية، وكبار الأعضاء والقيادات في القيادة المركزية وزعماء الفروع الإقليمية في كافة أنحاء العالم. ففي نهاية عام 2019، قُتل حمزة بن لادن، نجل زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، في عملية خاصة في منطقة واقعة على الحدود بين أفغانستان وباكستان، والذي كان مرشحاً لقيادة تنظيم القاعدة وإعادة هيكلته.
جاء تأكيد اعتقال خالد باطرفي زعيم فرع القاعدة الأقوى والأخطر في اليمن، بعد سلسلة من عمليات القتل الناجحة التي استهدفت قيادات القاعدة خلال العام الماضي
شهد العام الماضي ظهور إشاعة
خبر وفاة زعيم القاعدة أيمن الظواهري لأسباب طبيعية، دون وجود أدلة مؤكدة، لكن تأكد مقتل الرجل الثاني في القاعدة، أبو محمد المصري (عبد الله أحمد عبد الله)، وقد اغتيل المصري، الذي كان أحد أهم أعضاء القاعدة
المستقرين في إيران في السابع من آب/ أغسطس الماضي مع ابنته مريم، وهي أرملة حمزة بن لادن، في حادث إطلاق نار من سيارة في طهران، وقد اغتيل المصري غالباً
على يد عملاء إسرائيليين حسب صحيفة "نيويورك تايمز". وأعلنت الحكومة الأفغانية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، أنها قتلت مسؤول الإعلام في تنظيم القاعدة المركزي، حسام عبد الرؤوف (المعروف بأبو محسن المصري) وقد قُتل في عملية في ولاية غزنة شرقي البلاد بين 12 و18 تشرين الأول/ أكتوبر، وأكدت الحكومة الأمريكية النبأ فيما بعد.
على صعيد الفروع الإقليمية، شهد العام الماضي مقتل أبو محمد السوداني، وهو مسؤول بارز في فرع القاعدة في سوريا، فصيل "حراس الدين"، حيث أكد أنصار القاعدة في 27 تشرين الأول/ أكتوبر مقتلة، وقالوا إنه قتل في غارة جوية أمريكية في 15 تشرين الأول/ أكتوبر في بلدة "عرب سعيد" غربي مدينة إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا. ونشر أنصار تنظيم القاعدة عبر الإنترنت خبر مقتل الشخصية البارزة في التنظيم أبو القسام الأردني (خالد العاروري) في غارة جوية أمريكية يوم 14 حزيران/ يونيو في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وأكد فرع التنظيم في سوريا "حراس الدين"، خبر مقتله في بيان صدر في 24 حزيران/ يونيو ووصفته بأنه نائب زعيم الجماعة، وفي أواخر عام 2019، قُتل مسؤولان بارزان آخران في "حراس الدين" في ظروف مماثلة في إدلب، حيث قُتل بلال خريسات (أبو خديجة الأردني) في غارة جوية أمريكية في كانون الأول/ ديسمبر، وقُتل أبو خالد المهندس (ساري شهاب، صهيب) في آب/ أغسطس.
وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد فقد زعيمه التاريخي عبد الملك دروكدال الملقب بأبي مصعب عبد الودود، فقد أعلنت الحكومة الفرنسية مقتله في الخامس من حزيران/ يونيو الماضي، في عملية عسكرية في شمالي مالي في 3 حزيران/ يونيو، وقد أكد فرع القاعد مقتله بعد ذلك بأسبوعين. وبعد مرور نحو خمسة أشهر أعلن التنظيم عن تسمية الجزائري أبو عبيدة العنابي (يزيد مبارك) زعيماً له، وكان الفرع قد أعلن في شهر شباط/ فبراير 2020 عن مقتل اثنين من كبار مسؤوليه، وهما التونسي أبو إياد التونسي والجزائري يحيى أبو الهمام، في عملية عسكرية للقوات الفرنسية في وقت سابق.
كان تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية قد شهد انتكاسة منذ تأسيسه عام 2014، وتشير مصادر عديدة إلى مقتل زعيمه أسامة محمود الذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل أميره السابق عاصم عمر في أفغانستان في 23 أيلول/ سبتمبر 2019. وفي 20 نيسان/ أبريل 2020 أعلنت جماعة "أنصار غزوات الهند" الكشميرية الموالية للقاعدة عن مقتل نائب زعيمها واثنين من عناصرها بعد أيام قليلة من تأكيدها مقتل أربعة من عناصرها. ولقي برهان مجيد كوكا الملقب بأبي بكر الشوبياني مصرعه في مواجهات مع القوات الهندية في منطقة ميلهورا التابعة لإقليم شوبيان، الواقع جنوبي منطقة كشمير الواقعة تحت سيطرة الهند. وتعتبر الجماعة بمثابة فرع القاعدة في كشمير، ومنذ تأسيسها عام 2017 فقدت الجماعة عددا من قادتها، بينهم الناطق باسمها في اشتباكات مع قوات الأمن الهندية، وقتل زعيمها السابق ذاكر موسى على يد قوت هندية في أيار/ مايو عام 2019، ولقي خلفه عبد الحميد لهاري ذات المصير في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
إذا كانت القيادة المركزية للقاعدة في أفغانستان تعيش حالة من الانحدار، فإن الفروع الإقليمية تعيش حالة من التشرذم والانقسام
إذا كانت القيادة المركزية للقاعدة في أفغانستان تعيش حالة من الانحدار، فإن الفروع الإقليمية تعيش حالة من التشرذم والانقسام، وتؤكد حالة تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" الذي صتفته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في العام 2010 أنه أكثر فروع التنظيم خطورة؛ على ما آلت إليه القاعدة. فبعد أن كان الفرع الأخطر والأكثر نشاطاً بين الفروع، إلا أنه شهد انحداراً ، حيث تراجع نشاط التنظيم العملياتي بشكل متدرّج منذ العام 2015، رغم الظروف الموضوعية التي كانت تشير إلى حتمية صعوده.
فمنذ العام 2015، بدأت قيادات "القاعدة" الكبيرة تتساقط بغارات جوية لطائرات أمريكية من دون طيار، رغم انهيار منظومة أجهزة الأمن والمخابرات في اليمن، بما يعنيه ذلك من غياب للتنسيق مع الجانب الأمريكي، بسبب الحرب. بين العامين 2015 و2019، قُتل معظم قادة التنظيم الميدانيين العسكريين والدعويين والإعلاميين، أمثال ناصر الوحيشي، وإبراهيم الربيش، وحارث النظاري، ونصر الآنسي، وأبو حفص المصري، وجلال بالعيدي المرقشي، ومأمون حاتم، وغالب القعيطي، وقاسم الريمي، والعشرات من قيادات الصف الثاني والثالث، إضافة إلى مئات المسلحين.
شكّل العام الماضي انتكاسة كبيرة للفرع اليمني، فقد شهدت بداية العام ونهايته خسارة التنظيم لقيادته
شكّل العام الماضي انتكاسة كبيرة للفرع اليمني، فقد شهدت بداية العام ونهايته خسارة التنظيم لقيادته. ففي السادس من شباط/ فبراير، أكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقتل زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية،
قاسم الريمي، خلال عملية لمكافحة الإرهاب نفذتها الولايات المتحدة في اليمن. وعلى الرغم من عدم إعطاء أي تاريخ أو تفاصيل، فإن الإشاعات عن مقتل الريمي في هجوم بطائرة أمريكية بلا طيار بدأت تنتشر على المنتديات الجهادية الالكترونية في أواخر كانون الثاني/ يناير. ولكن، ورغم مكانة الريمي العسكرية والتنظيمية، فقد انقسم التنظيم وضعف تحت قيادته، ولم يتمكن من ملء مكان سلفه ناصر الوحيشي، أعلن فرع تنظيم القاعدة في اليمن أواخر شباط/ فبراير الماضي، بعد مقتل الريمي، اختيار خالد باطرفي
خلفاً له، وإثر الخلافات حول ملابسات مقتل الأول شرع التنظيم في ما وصفها بعملية "تطهير الخونة والجواسيس"، معلناً عن "كشف خلايا مندسّة تعمل لصالح الولايات المتحدة".
مسار انحدار قاعدة الجهاد في جزيرة العرب تأكد نهاية العام الماضي، عندما ذكر تقرير أممي أعدّه فريق مراقبة تابع للأمم المتحدة وأرسِل لمجلس الأمن الخميس (4 شباط/ فبراير 2021) أن زعيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب خالد باطرفي تم اعتقاله قبل عدة أشهر في مدينة الغيضة بمحافظة المهرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقد أدت العملية إلى مقتل نائبه سعد عاطف العولقي. وكان المركز الأمريكي لمراقبة المواقع الجهادية "سايت" أشار سابقاً إلى "تقارير غير مؤكدة" في تشرين الأول/ أكتوبر عن اعتقال باطرفي من قِبل قوات الأمن اليمنية قبل أن يتم تسليمه للسعودية.
في سياق حالة الانحدار والانقسام والفوضى التي يعيشها فرع القاعدة في اليمن، لم يعلن تنظيم القاعدة حتى اللحظة ما يؤكد أو ينفي اعتقال "باطرفي"، رغم تداول وسائل إعلام محلية في اليمن خبر اعتقال "باطرفي" ومقتل اثنين من أبرز قيادات التنظيم كانا برفقته في محافظة المهرة، وهو ما يؤكد وجود خلافات كبيرة نشبت داخل التنظيم عقب تعيين "باطرفي" في قيادة التنظيم خلفا لـ"الريمي"، وشيوع اتهامات متبادلة بالتجسس والعمالة لأمريكا، وعقد صفقات تصفية معها.
وقد نشر التنظيم في 11 أيار/ مايو الماضي بياناً بعنوان "ولا تكن للخائنين خصيماً" للرد على اتهامات ترددت بأن قادة التنظيم يخالفون الشرع بتطبيق أحكام القتل والسجن والتعذيب على عناصر متهمين جزافاً بالجاسوسية. وقد تنامت الاتهامات بالتجسس داحل التنظيم بصورة لافتة، وأصبحت أولويات التنظيم نشر سلسلة "هدم الجاسوسية" التي تتضمن شهادات جواسيس تتحدث عن العلاقة مع أمريكا والسعودية والإمارات، ووضع الشرائح حول الأهداف الهامة.
كانت ولاية اليمن التابعة لتنظيم الدولة، قد استثمرت حالة الفوضى والاتهامات بالتجسس داخل فرع القاعدة اليمني، وشرعت بنشر سلسلة من البيانات حول الاختراقات التي تعصف بالفرع اليمني للقاعدة. وفي الأسبوع الأول من شباط/ فبراير الماضي، أصدرت "مؤسسة التقوى" التابعة لتنظيم الدولة في اليمن منشورين متتابعين بعنوان "الاعتزال الكبير لتنظيم القاعدة في اليمن"، وأشار أحد المنشورين إلى أسماء ثمانية عشر شخصاً، منهم شرعيون وأمراء مناطق وأمنيون اعتزلوا القاعدة بعد حبس أو خلاف أو اتهام بالعمالة، ومن هؤلاء من فضّل أن يسلم نفسه إلى السعودية، ومنهم من رُفع أمره إلى الظواهري للبتّ فيه. وقد كشف البيان الذي صدر عن فرع القاعدة اليمني في 30 آذار/ مارس 2020، عن حالة الفوضى داخل التنظيم والتخبط وحجم الاختراقات.
تنظيم القاعدة في عهد الظواهري يشهد حالة من الفوضى والانحدار والانقسام، لم يعهدها طوال حقبة ابن لادن، فقد بات التنظيم المركزي وفروعه الإقليمية بيئة خصبة للاختراق والتجسس، وتوالت الانشقاقات عن القاعدة والالتحاق بتنظيم الدولة، وقد بلغت حالة انحدار القاعدة بحيث أصبحت بمختلف فروعها أشبه ببندقية للإيجار
وفي نيسان/ أبريل الماضي نشر التنظيم تسجيلاً صوتياً لأبي عمر النهدي ومنصور الحضرمي، ورسالة طويلة موجهة إلى أيمن الظواهري، يتهمون فيها قيادة تنظيم فرع اليمن بارتكاب "تجاوزات وأخطاء شرعية ومظالم عظيمة"، وهي تتهم جزافاً أفراداً، ومنهم قياديون، بأنهم جواسيس وتقيم عليهم الحدّ بالقتل. وساقوا أسماء ثلاث شخصيات مركزية، هم: أبو مريم الأزدي الذي قالوا إنه كان "شيخاً جليلاً"، والمسؤول الأمني الميداني فياض الحضرمي، وأمير اللجنة المالية سعيد شقرة المعروف أيضاً باسم عبد الله باوزير.
خلاصة القول أن تنظيم القاعدة في عهد الظواهري يشهد حالة من الفوضى والانحدار والانقسام، لم يعهدها طوال حقبة ابن لادن، فقد بات التنظيم المركزي وفروعه الإقليمية بيئة خصبة للاختراق والتجسس، وتوالت الانشقاقات عن القاعدة والالتحاق بتنظيم الدولة، وقد بلغت حالة انحدار القاعدة بحيث أصبحت بمختلف فروعها أشبه ببندقية للإيجار. فحسب شهادة بعض المنشقين عن التنظيم في اليمن، فإن مسلحي القاعدة يعترفون بتعاون الجماعة مع الجيش اليمني، الذي لم يعد يقاتل فقط مقاتلي الحوثي المدعومين من إيران في الشمال، ولكن أيضاً الانفصاليين المدعومين من الإمارات في الجنوب. وقد أصبح التنظيم ظلا لما كان عليه، فالنشاط العملياتي للقاعدة في اليمن خلال 2020 تراجع بشكل واضح، وأصبح التنظيم جزءاً من حرب الوكالة في اليمن، وباتت أهدافه مشوشة، ولا عجب حينئذ أن يُتهم باطرفي بتسليم نفسه لمشغليه.
twitter.com/hasanabuhanya