هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد تركيا منذ سنوات تناميا كبيرا للجاليات العربية، فضلا عن اللاجئين من دول تشهد اضطرابات حادة، ما دفع إلى إطلاق العديد من المبادرات لسد احتياجات ملحّة في الواقع الجديد، وجسر الهوة مع المجتمع المحلي.
وتسلط "عربي21" تاليا الضوء على تجربة إعلامية محلية في تركيا، ناطقة باللغة العربية، تعكس تنامي الاهتمام المتبادل، وتختزل جملة من الفرص والتحديات التي يواجهها الوجود العربي في هذا البلد.
وتأسست إذاعة "مسك" العربية في تركيا عام 2018، وتمكنت في العام التالي من إنشاء إذاعة أخرى مخصصة للقرآن الكريم، تحمل اسم "ياقوت"، قبل أن تدخل أخيرا إلى عالم الفضائيات، نهاية العام الماضي.
وفي زيارة إلى مقر الشبكة، تحدثت "عربي21" مع مديرها العام، عبد الرحمن منير، لتسليط الضوء على أهداف هذا المشروع، وما تحقق منها بالفعل، والجدوى الاقتصادية للعمل الإعلامي في الفضاء العربي- التركي، وآفاقه.
وتاليا نص الحوار:
كيف بدأت فكرة الإذاعة؟ وما أهدافها؟
تمثلت الفكرة الأساسية باستهداف الشريحة العربية التي تزايدت بشكل ملحوظ في تركيا، والقادمة من دول مختلفة، بمن فيهم اللاجئون السوريون، دون أن تجد وسيلة إعلامية تهتم بقضاياها بشكل مستمر وتتفاعل معها وتساعدها.
وبهذا المعنى، تأسست "مسك" كإذاعة محلية ناطقة بالعربية، هي الأولى من نوعها، تعمل في ضوء ثلاثة أهداف رئيسية: تعزيز القيم الإنسانية، وتعزيز قدرة القادمين العرب إلى تركيا على التعايش في هذه البيئة الجديدة، وأخيرا تعزيز الثقافة العربية وترسيخها لدى هذه الشريحة، فضلا عن البعد الاستثماري في هذه السوق الجديدة.
لقد أردنا أن نكون الوسيلة الإعلامية الأقرب إلى العربي المقيم في تركيا، وتمكنا بالفعل من التوسع بعد عام ونصف لنؤسس إذاعة أخرى وقفية للقرآن الكريم، باسم "ياقوت"، ثم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أطلقنا قناة "مسك" الفضائية لتكون متخصصة بالشأن التركي، موجهة للمشاهد العربي، على "نايلسات".
ونبعت الخطوة الأخيرة عن قرار بتوسيع أهدافنا لتشمل الشريحة المهتمة بالشأن التركي في الدول العربية، ولكن أيضا لتعزيز الجدوى التجارية للمشروع من خلال محاولة استثمار تزايد الاهتمام المتبادل في عدة مساقات؛ من الصحة والتعليم والسياحة والاستثمار العقاري وما إلى ذلك.
رافق تزايد الوجود العربي بشكل مطرد في تركيا، خلال السنوات الأخيرة، حديث عن قلق إزاء فجوة بينه وبين المجتمع المحلي. هل كان ذلك القلق حاضرا لديكم في صياغتكم لفكرة "مسك" وفي إدارتكم لها؟
بالفعل، فأي انتقال من بيئة لأخرى يفرض تحديات، حتى إن كان ذلك الانتقال من مدينة لأخرى.
والعرب لدى انتقالهم إلى تركيا واجهوا تحديات كبيرة فرضت خلق وسائل لمخاطبتها، سواء جاؤوا كلاجئين يعيشون ظروفا إنسانية صعبة، أو كباحثين عن فرص ومستثمرين ورجال أعمال، أو كطلاب وخريجين من جامعات محلية.
تلك الشرائح المختلفة واجهت تفاصيل مختلفة، ونحن حرصنا على أن نتعامل معها جميعا، وأطلقنا برامج تعنى بحلحلة إشكالات قانونية، وأخرى تستهدف تفاصيل معيشية، فضلا عن تعليم اللغة التركية.
كما ركزت "مسك" على الجانب الاجتماعي وسلطت الضوء على الاختلافات الثقافية وعلى العديد من النقاط المهمة في التعامل مع الجيران والعادات والتقاليد وغيرها التي يغفل عنها الكثير من الناس.
وفي الوقت ذاته، عملنا على جسر الهوة من الجانب الآخر أيضا، فقد قدمنا برنامجا لتعليم اللغة العربية للأتراك، وحاولنا الانتشار في أوساط طلاب الكليات الدينية ومدارس الأئمة والخطباء والشرائح المعنية بتعلم اللغة العربية.
والبرنامج، أثناء تعليم اللغة العربية، يقدم ضمنا إشارات إلى بعض العادات العربية والفروق الثقافية، لنعزز من التفاهم المتبادل والتعايش.
في الجانب التجاري، هل نجحت "مسك" بتحقيق عوائد مرضية تمكنها من الاستمرار والتوسع؟
يواجه الإعلام عموما تحديات في التمويل، وخلق عوائد كبيرة أمر ليس سهلا، ورغم ذلك تمكنا، كإذاعة، من الوصول إلى حالة استقرار في غضون عامين، بالتعاون مع شركائنا العاملين في مختلف المجالات، المهتمين بالشريحة العربية المتواجدة هنا، بما في ذلك قطاعات تجارية تركية.
لكن جائحة فيروس كورونا المستجد فرضت تحديات جديدة، واجهتها مختلف القطاعات.
في تقديري، توجد إمكانات كبيرة في السوق، ونحن نطور النموذج باستمرار لكي نستطيع أن نكون أقرب إلى الراغبين في الإعلان واستهداف الشريحة العربية داخل تركيا، والمهتمة بتركيا في المنطقة العربية، بما يحقق لنا في المقابل جدوى أكبر وقدرة على المواصلة بل والتوسع، ومن هنا جاءت فكرة إطلاق القناة التلفزيونية.
تجربتنا لا تزال تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، لكننا نأمل أن تصبح مع الوقت أكثر نضوجا واستقرارا.
اقرأ أيضا: تركيا تطلق القمر الصناعي الجديد "توركسات 5A" إلى الفضاء
في ضوء تجربتكم، ما هي أبرز التحديات التي تواجه العمل العربي في تركيا، وخاصة في قطاع الإعلام؟
التحديات كثيرة، قد يكون منها مسألة الكوادر الفنية المختصة، في ظل ازدياد عدد وسائل الإعلام التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها.
المسألة الثانية مرتبطة بالأوضاع القانونية للموظفين العرب في تلك المؤسسات، فنحن بحاجة لكوادر عرب في نهاية المطاف وهو ما يصطدم أحيانا ببعض اللوائح المحلية، باعتبارنا مؤسسة تركية.
تكييف أوضاع الموظفين قانونيا يخلق تحديا دائما، والسلطات التركية المعنية تتمتع بتفهم عام للحالة، ولكن لا يوجد دعم أو تعاون مباشران.
ومن التحديات أيضا المنافسة في السوق التركية، وإقناع الشركات والمؤسسات بحاجتهم للإعلان عبرنا للوصول إلى الشريحة العربية.
ماذا عن إيجابيات العمل في تركيا إعلاميا؟
مستوى الحرية والانفتاح الحقيقي بطبيعة الحال، إذ لم نواجه أية مصاعب في هذا الإطار، ولم يحدث أن تلقينا تنبيها على سبيل المثال بشأن المحتوى طوال الفترة الماضية، رغم أن تغطيتنا تشمل الأوضاع السياسية والاقتصادية في تركيا.
وفي الواقع، فإن نموذجنا الإعلامي التجاري يتجنب الكثير من التفاصيل السياسية، ولكننا نقدم خدمة الإخبار.
ومن الإيجابيات أيضا، وجود السوق الذي وفر لنا القدرة على الانطلاق والاستمرار، رغم التحديات.
كما أن هنالك إقبالا عربيا كبيرا على تركيا ورغبة بفهم هذه البلاد ومعرفة ما يجري بها. والفضاء العربي مليء بوسائل الإعلام، لكننا نأمل أن نتميز بملء حاجة الناس ورغبتهم بمعرفة المزيد عن تركيا.
هل يمكن أن تصبح تركيا، وإسطنبول تحديدا، متميزة بجذب المؤسسات الإعلامية العربية على اختلاف توجهاتها، بالنظر إلى الإيجابيات التي أشرتم إليها؟
أظن أن هذا مرتبط بالمناخ السياسي عموما، في تركيا وفي العالم العربي، فكثير من النماذج الإعلامية الأخرى المتواجدة في تركيا حاليا ليست تجارية مثل "مسك".
كثير من الوسائل الإعلامية التي تبث من تركيا يرتبط وجودها بظروف سياسية في دول عربية، واستمرارها من عدمه مستقبلا قد لا يكون مضمونا.
في ظل الاستقطاب بالمنطقة، ألا تخشون من أن يتم تصنيفكم، أو اتهامكم بالترويج لتركيا سياسيا، خاصة لدى دخولكم فضاء التلفزيون الذي يستهدف المشاهدين في مختلف الدول العربية؟
نحن نتجنب كل ما له علاقة بالاشتباك في المنطقة، ونركز على القضايا الداخلية في تركيا ونعكسها للمشاهد العربي.
نحاول بالفعل تجنب التفاصيل المرتبطة بالسياسة الخارجية وتقاطعها مع العالم العربي، ولذلك نحن بعيدون عن التجاذب السياسي.
وفي هذا السياق، لا أظن أن هذا يشكل تحديا بالنسبة لنا، وحتى طبيعة عملنا وتفاصيله واضحة وليست حادة سياسيا أو يمكن أن تفرض إشكالا سواء للمتابع القريب أو البعيد.
دعنا نختم بتقييمكم للتجربة وآفاقها.. ما هو تقييمكم لتفاعل الشارع العربي في تركيا حتى الآن؟ وإلى ماذا تطمحون في المستقبل القريب؟
من حيث التفاعل فإن هنالك ازديادا واضحا تعكسه آلاف الاتصالات ومئات الإعلانات سنويا، وهو واضح كذلك على منصاتنا للتواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال تفاعل المؤسسات العربية في تركيا التي تحرص على حضور "مسك" في تغطية أنشطتها.
ولكن من الصعب الحديث عن الأرقام من حيث المستمعون والمتابعون، وهذا مرتبط بطبيعة القدرة على الإحصاء في مجتمع عربي داخل المجتمع التركي، وهذا ليس سهلا، ولكن الأثر والوصول والتفاعل ملموس بوتيرة متزايدة بشكل جيد.
أما على مستوى القناة التلفزيونية فالتجربة لا تزال في بداياتها، ولم نصل بعد إلى مرحلة التغذية الراجعة الواضحة، ولكن نأمل بنجاح لا يقل عن نظيره الذي حققناه في الإذاعة.
على مستوى أفق العمل، نأمل أن يصل أثير مسك إلى جميع المدن التركية التي تتمتع بحضور عربي، وكذلك لإذاعة القرآن الكريم، وأن نبث على قمر "ترك سات" المحلي كقناة فضائية.