هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زالت أزمة التعديل الوزاري في تونس تراوح مكانها، على إثر رفض الرئيس قيس سعيد المصادقة عليه، بذريعة أن عددا من الوزراء الجدد تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
ونال التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي على حكومته (11 وزيرا) مصادقة البرلمان، ولكنه ما يزال ينتظر موافقة الرئيس، ما يطرح سؤالا حول مآله ومصيره، والسيناريوهات المقبلة للأزمة المتصاعدة، خاصة بعد أنباء عن صدور حكم عن دائرة ابتدائية بالمحكمة الإدارية يقضي بإيقاف التعديل الوزاري الأخير، نظرا لعدم أداء الوزراء المقترحين للقسم في قصر قرطاج في مدة أقصاها 96 ساعة قبل مباشرة مهامهم.
ورغم نفي المتحدث باسم المحكمة الإدارية بتونس، عماد الغابري بتصريح خاص لـ"عربي21" ما يتم تداوله، إلا أن هذا لا ينفي تصاعد الأزمة السياسية، خاصة في ظل حالة الشد والجذب بين الرئاسة والبرلمان.
تحديات كبرى
الكاتب والمحلل السياسي، جلال الورغي قال، إن التعديل الحكومي من الصلاحيات الدستورية البينة لرئيس الحكومة، يمارسها كلما قدّر أنه يحتاج أن يفعل ذلك، مشددا على أنه وكما منحه الدستور سلطة تشكيل الحكومة واختيار فريقه الوزاري وعرضه على البرلمان، خوّله الحق في أن يجري ما يراه صالحا من تعديلات عن الحكومة، سواء بناء على تقييم لفريقه الحكومي، أو للبحث عن انسجام أكبر داخل فريقه، أو لأي سبب يراه مناسبا لإجراء هذا التعديل.
ورأى الورغي في حديث خاص لـ"عربي21"، أن هناك اتفاقا في البلاد على أن الحكومة كانت تحتاج للتوقف في بعض مجالات عملها، التي بدت فيها غير فاعلة وغير مقتدرة بما فيه الكفاية في ظل تحديات كبرى تحتاج لرفع الأداء على مختلف المستويات.
اقرأ أيضا: توزيع السلطات في الدستور التونسي.. هل يعيق الحياة السياسية؟
وشدد على أنه "كان من الأسلم أن يتجنب رئيس الحكومة الجدل المثار حول بعض الوزراء المتعلقة بذمتهم شبهات فساد أو تضارب مصالح، حتى يمر التعديل الحكومي دون ضجة كالتي حدثت، ودون حاجة أيضا إلى تحفظات من قبل رئيس الدولة قيس سعيد على بعض الأسماء، والذين قال إنهم لن يؤدوا القسم الدستوري أمامه حتى وإن منحهم البرلمان الثقة".
في المقابل، شدد الورغي على أن "المؤاخذة" على بعض الأسماء في التعديل الوزاري، لا يجب أن تنزلق بالبلاد إلى أزمة سياسية ودستورية هي في غنى عنها، وحتى باستصحاب مبدأ الأصل في الأشياء البراءة إلى أن يثبت ما يخالف ذلك، يتوقع من الرئيس أن يتعامل مع الوزراء الممنوحي الثقة من مجلس نواب الشعب وأن يستقبلهم لتأدية اليمين الدستوري.
وأكد أن خبراء القانون الدستوري يجمعون على أنه "لا سلطة لرئيس الجمهورية في الامتناع عن مثول الوزراء الممنوحي الثقة أمامه لتأدية اليمين الدستوري"، متوقعا أن يأخذ رئيس الجمهورية بعين الاعتبار تعقيدات المشهد ويساعد على تجاوز هذا المشكل، حتى تتفرغ البلاد لمعالجة قضايا حارقة كاحتواء وباء كورونا والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
الدستور وتعطيل الحياة السياسية
ومجيبا على سؤالنا حول مدى تعطيل الدستور التونسي الحالي بنظامه المختلط للحياة السياسية في تونس قال الورغي، إن الدستور الذي صيغ بفلسفة تأمين التجربة الديمقراطية وترسيخها، يجب أن ينتقل إلى فلسفة تحرير إمكانيات الدولة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
وأضاف: "الدستور التونسي قام على فلسفة توزيع السلطة بين مراكز الحكم الثلاثة وهي الرئاسة ورئاستا الحكومة والبرلمان، ولم يكن فعل المشرع في ذلك ضربا من العبث، وإنما هو مسعى لتوخي توازن القوة بين مراكز الحكم لمنع أي جهة من التغول في ظل ديمقراطية ما زالت فتية وعودها طري تحتاج الكثير من الضمانات، وأحد هذه الضمانات هذه الفلسفة في النظام السياسي المختلط".
وتابع: "ساعد هذا النظام على فرض مراكز الحكم رقابة على بعضها البعض وإحداث التوازن تجاه بعضها البعض، ما سمح بتعزيز وترسيخ المسار الديمقراطي، وعدم وجود أي تغول أو احتكار للسلطة من جهة ما في الحكم".
لكن الورغي رأى أن سوء هندسة هذا النظام المختلط لا تجعله متناسقا ومنسجما في منطقه الداخلي. فلا يمكن مثلا أن يكون رئيس الجمهورية منتخبا من الشعب مباشرة وليس من البرلمان وفي نفس الوقت صلاحياته محدودة مقارنة برئيس الحكومة.
اقرأ أيضا: الغنوشي: أدعو لنظام برلماني كامل.. ودور الرئيس "رمزي"
وأضاف: "كما لا يمكن فهم كيف يمنح رئيس حكومة صلاحيات واسعة هي الأكبر في النظام السياسي، بينما يمكن أن يأتي من خارج المشهد السياسي، ومن خارج البرلمان، مثل السيد هشام المشيشي حاليا. وفي تقديري هناك بعض الفصول في الدستور التونسي وبعض الآليات تحتاج لمراجعة وتدقيق جدي".
أسباب التعطيل السياسي
وختم الورغي بالقول، إن التعطيل الأساسي للعملية السياسية إن حصل أحيانا فهو لسببين أساسيين، الأول: حداثة التجربة السياسية بعد الثورة التي لم تترسخ فيها قيم الديمقراطية بالكامل، وما زلنا بصدد التعلم وإشاعة ثقافة الحكم والمعارضة، دون عقد.
أمام السبب الثاني بحسب الكاتب التونسي، فهو في النظام الانتخابي الذي يقوم على تشتيت الأصوات والتمثيلية داخل مجلس نواب الشعب، بما يمنع من بروز قوى سياسة بأغلبية معقولة تسمح لها بالحكم وقيادة البلاد دون عوائق. ولذلك تبدو الحاجة ملحة لمراجعة القانون الانتخابي ووضع عتبة انتخابية تمنع "بلقنة" البرلمان، وتمنع حصول من يحصل على أقل من ٣ بالمائة أو ٥ بالمائة من دخول البرلمان.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي نور الدين علوي في حديث لـ"عربي21" إن "رئيس الجمهورية قيس سعيد هو من خلق الأزمة السياسية الحالية، فالدستور واضح وهو يضبط الصلاحيات وكدليل على ذلك أن الراحل الباجي قائد السبسي ورغم اختلافه مع الغنوشي التزم بهذا الدستور".
وتساءل نور الدين علوي: "لماذا لم يتم انتقاد الدستور في حكم حكومة إلياس الفخفاخ؟ الآن عندما خرجت الحكومة من يد المعارضة والرئيس أصبح الدستور فيه إشكال".
وعن الدعوات لتغيير الدستور رد علوي: "لا يوجد دستور حقيقي يتغير قبل عشرين عاما على الأقل، ستظهر عدة نقائص بممارسة الدستور، لو كانت توجد محكمة دستورية وبرزت أمامها عدة قضايا لمدة سنوات وقتها سنكتشف عيوب الدستور".
واستشهد علوي بالدستور الأول (زمن بورقيبة وبن علي): "لم يتغير طيلة 55 عاما إلا في ما يتعلق بمدد الرئاسة وبقيت كل النصوص صالحة وأغلبها امتد لدستور الجديد".