يعكس تاريخ
المقاومة الوطنية في
تعز نموذجاً فريداً من النضال من أجل الحرية والكرامة والوحدة الوطنية، إذ تأسست منذ انطلاقتها على مبدأ التضحية ودفع الضرر الذي تسبب به الانقلابيون، وهم تحالف ضم في البداية الرئيس السابق
علي عبد الله صالح وحزبه مع جماعة الحوثي التي
صُنفت إرهابية في الولايات المتحدة مؤخراً.
كانت النتائج الميدانية الأولية لهذه المقاومة على الأرض مثيرة للإعجاب وأكسبتها شعبية كبيرة، حيث التحم بها مئات المقاتلين وآلاف المؤيدين، ودفعت أطرافٌ عديدةٌ رجالَها لاختراق المقاومة وتفكيكها من الداخل، أو على الأقل إبقائها في حالة انكشاف أمام خصومها والقلقين منها.
لكن هذا الاستهداف لم يؤثر إلا بالحد الأدنى، لأن مبدأ التضحية هو الذي أربك أعداء مقاومة تعز وسمح لها بتحقيق انتصارات عديدة ساهمت في تحصين مركز عمليات المقاومة في مدينة تعز، وتُوِّجت بفك الحصار عن المدينة وبتوسيع الرقعة المحررة منها وتحويلها إلى إحدى أهم القلاع الحصينة لثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011 وللمشروع الوطني.
كل ذلك كان يتم في إطار من الالتزام بثوابت الدولة
اليمنية وبالسلطة الشرعية وبالحرص على العمل تحت مظلتها، رغم الخذلان والتفريط والاستعداد للتخلي عن مقاومة تعز وأهدافها من قبل هذه السلطة، لحساب أطرافٍ تم دعمها بكل صور وأشكال الدعم المادية والعسكرية، لتحل محل المقاومة وليكون تأثيرها أعمق في تقرير مصير محافظة تعز.
شهدت مدينة تعز والمحافظة فصلاً دموياً استمر من العام 2016 وحتى أواخر 2018، وخلاله أصبحت المقاومة والجيش الوطني الذي تسانده، عرضة لعمليات غادرة من عناصر إرهابية عرفت بكتائب أبي العباس، والتي دعمها التحالف بشكل واضح وضغط لضمها في إطار الجيش الوطني، ولم يكن أمام المقاوم من خيار سوى خوض معركة تحديد مصير ضرورية ضد التشكيل الإرهابي المسلح، الذي جرى استزراعه في تعز لاحتواء الإنجازات الثورية والوطنية الكبيرة إلى أن تحقق للمقاومة ما أرادت.
تعزز الثقة بالمقاومة والجيش الوطني في تعز بعد أن استطاعا تحييد القوى الإرهابية وبسط نفوذ المقاومة والجيش والدولة على معظم مدينة تعز والمديريات الريفية التابعة لها، عدا مديريتي المخا وذباب الواقعتين في الساحل الغربي تحت نفوذ القوات
الإماراتية والوحدات المتعاملة معها والتي يقودها نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
خلال فترة النضال، من أجل دحر الانقلابيين واجتثاث العناصر الإرهابية المسلحة، انتظمت المقاومة في إطار "المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية" بقيادة الشيخ حمود المخلافي، وكان ذلك مستحقاً لكونه أول من أطلق شرارة المقاومة الأهلية ضد انقلاب الحوثي-صالح، وقبل ذلك كان جزءا من ثورة التغيير وأحد حماتها البارزين، خصوصاً في إحدى ساحات الثورة الرئيسية في تعز (ساحة الحرية) التي انطلقت منها هذه الثورة.
وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، طرأ تحول مهم في دور قيادة مقاومة تعز تزامن مع حالة الانسحاب القسري للسلطة الشرعية من معظم المناطق المحررة في جنوب البلاد، إذ لم يعد يقتصر الأمرُ على قيادة وتوجيه نشاط المقاومة
والمعارك التي تدور في نطاق محافظة تعز، بل تطور إلى تنسيق وثيق مع القيادات والتشكيلات المقاومة في المحافظات الأخرى المحررة، التي استثمر فيها الإماراتيون في تأسيس تشكيلات مسلحة مناهضة للسلطة الشرعية وللوحدة اليمنية ودعم خط انقلابي مواز في تلك المحافظات.
لقد أعيد بفضل هذا التنسيق تنظيم صفوف المقاومة الوطنية ووحدات الجيش الوطني في تلك المحافظات، وكان ذلك سبباً في إفشال مشروع التمرد والانقلاب في محافظة شبوة وفي أجزاء واسعة من محافظة أبين. وكادت معركة دحر المجلس الانتقالي وقواته من عدن أن تنجح لولا تدخل الطيران الإماراتي الذي نفذ أول اشتباك عدائي مع الجيش الوطني، في إطار استماتة إماراتية واضحة للحفاظ على مكاسبها الجيوسياسية وأدواتها العسكرية والسياسية في عدن على وجه الخصوص.
وعلى الرغم من التأثير الكبير للمقاومة الوطنية عبر مجلسها الوطني الأعلى، فإنها بقيت في قاعدتها الرئيسية تعز، عرضة لمحاولات مستميتة من قبل التحالف لتحييدها، على الرغم من أنها لم تبد أيَّ اعتراضٍ على خطط دمجها في الجيش الوطني.
كانت مخططات التحالف تهدف في غاياتها النهائية إلى تحويل الجيش الوطني في محافظة تعز إلى مجرد وحدات عسكرية مدجنة مع خفض الدعم والتمويل، وعدم الرغبة في خوض عمليات قتالية ضد الانقلابيين، بل وممارسة الضغط على قيادة محور تعز التابع للشرعية للانقياد لما تسمى وحدات حراس الجمهورية التي أنشأتها الإمارات في مدينة المخا الواقعة في الساحل الغربي لمحافظة تعز.
لكل ذلك أعادت المقاومة الوطنية تمييز نفسها مجدداً من خلال الانتظام في إطار المجلس الوطني للمقاومة، دون أن تقطع اتصالها بقيادات الجيش الوطني أو التنسيق معها، ليقينها بأهمية التنسيق بين
مكونات الشرعية بالحدود المتاحة مع تأمين مرونة للتحرك خارج الهيمنة المطلقة للتحالف وأجنداته.
واصل المجلس حشد المتطوعين للقتال وإخضاعهم للتدريب، وقام بأكبر عملية تجميع للمقاتلين من أبناء المحافظة، خصوصاً الذين كانوا قد تجندوا للقتال في الحدود اليمنية السعودية، عبر العشرات من الوسطاء مدفوعي الأجر، وتوفرت للمقاومة قوة احتياطية كبيرة، تحمي المشروع الوطني في المحافظة وتسند الجهد القتالي للمقاومة والجيش الوطني في عدد من جبهات القتال الرئيسية ضد المتمردين والانقلابيين، في مأرب والجوف وفي محافظة أبين.
تؤكد محافظة تعز استناداً إلى الدور الصلب لمقاومتها أنها نقطة ارتكاز في المعادلة الوطنية، بالنظر إلى الرمزية الوطنية للمحافظة التي انطلقت منها ثورة التغيير، فضلاً عن الأهمية الاستثنائية للمحافظة من الناحية الجيوستراتيجية، كونها تشرف على مضيق باب المندب وعلى الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، وتتميز كذلك بصلابة الموقف الوطني لمكوناتها السياسية والاجتماعية، وتميزها بوجود قاعدة مهمة للنشاط المدني والسياسي، وبسجل نظيف لمكوناتها العشائرية من الولاءات المناهضة للدولة اليمنية.
كلها مؤهلات تعزز موقف محافظة تعز وطموحها لأن تكون مركزاً لنشاط القوى والشخصيات المؤتلفة حول المشروع الوطني خلال مرحلة الكفاح من أجل استعادة الدولة.
twitter.com/yaseentamimi68