هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت مجلة "فورين بوليسي"؛ إن العام 2020 شهدت الصحافة فيه تعرضها لمستوى جديد ومستمر من الهجمات. والقيود الجديدة على حريتها، التي فُرض الكثير منها فيما يتعلق بجائحة كوفيد-19 المستمرة، وجعلت من الصعب على الصحفيين نقل الأخبار بشكل مستقل.
وقالت المجلة في تقرير
ترجمته "عربي21"؛ إنه "لم يكن من المحتم أن يؤدي ظهور جائحة إلى
اعتداء على الصحافة. وفي حالات الطوارئ الصحية العامة، تقبل معظم السلطات أنه من
الضروري التواصل مع الجمهور المتعطش للمعلومات. والطريقة الأكثر فاعلية للقيام
بذلك، يمكن أن تكون عبر وسائل الإعلام - سواء عبر الإنترنت، أو البث، أو المطبوعات".
وأضافت: "بالفعل،
عندما بدأ كوفيد-19 بالتفشي ابتداء في الربيع، تحول الناس إلى وسائل الإعلام بشكل
جماعي. وتظهر البيانات التي جمعها معهد رويترز لدراسة الصحافة في أواخر آذار/ مارس
وأوائل نيسان/ أبريل من ستة بلدان - الأرجنتين وبريطانيا وألمانيا وكوريا الجنوبية
وإسبانيا وأمريكا - أن استهلاك الأخبار قد ارتفع مع اتصال الأشخاص بالإنترنت، أو
تشغيلهم التلفزيون للحصول على معلومات حول الأزمة".
ولكن مع انتشار
الوباء، بدأت العديد من السلطات في جميع أنحاء العالم في قمع الصحفيين. ظهرت إحدى
أولى الحالات في ووهان، حيث اختفى الصحفي المواطن الصيني تشين كيوشي، الذي كان
ينشر تقارير عن المرض الجديد، بينما كانت القنوات الرسمية لا تزال تقمع المعلومات
الحيوية، في شباط/ فبراير.
وبعد أن احتجزته
السلطات، عاود الظهور في أيلول/ سبتمبر فقط. وحُكم على تشانغ زان، وهو صحفي
مواطن آخر قُبض عليه في أيار/ مايو، بتهمة "إثارة الخلافات وإثارة
المتاعب"، بالسجن أربع سنوات.
كما ظهر تأثير الصين
المروع على حرية الإعلام في هونج كونج، حيث تم سن قانون جديد للأمن القومي في
حزيران/ يونيو. وشددت شرطة هونغ كونغ من تعريف الصحفي العامل، مما ألغى العديد من
الصحفيين العاملين لحسابهم الخاص والمصورين المستقلين، الذين وثقوا احتجاجات
المدينة. وانتهى العام باعتقال جيمي لاي، مؤسسApple Daily، الصحيفة المطبوعة
والإلكترونية.
وقالت المجلة: "نعلم
جميعا أن الصحافة كانت بالفعل في أزمة قبل انتشار الوباء. والأسباب هي المزيج
المألوف من انخفاض عائدات الاشتراك والإعلان، والمنافسة من وسائل التواصل
الاجتماعي ومصادر المعلومات الأخرى عبر الإنترنت، وانهيار الثقة في وسائل الإعلام، جنبا إلى جنب مع انفجار الروايات المتنافسة من كل من الوافدين الجدد ذوي الجودة
والجهات الفاعلة سيئة النية، التي تتعمد نشر المعلومات المضللة".
لكن الخطر الأكبر
والأكثر إلحاحا على مستقبل وسائل الإعلام المستقلة، هو الموجة الجديدة من القادة
السياسيين الذين يشنون هجوما شاملا على الصحافة. إنهم يقيدون وسائل الإعلام
المستقلة، ويسجنون الصحفيين، ويصفون التقارير الناقدة بأنها أخبار مزيفة،
ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة وتشويه سمعة الأخبار
المستقلة، ويشجعون أتباعهم على مضايقة المراسلين، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة
الواقعية.
واستغل العديد من
هؤلاء القادة الوباء كذريعة لمزيد من الإجراءات الصارمة. وعندما انتقد المدير
العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، ما أسماه "وباء
المعلومات" المتمثل في المعلومات الخاطئة حول كوفيد-19، أعطى عن غير قصد
العديد من الحكومات الغطاء الذي كانوا يبحثون عنه لتمرير المزيد من القوانين، التي
تقيد وسائل الإعلام ظاهريا، في محاولة للقضاء على الأخبار الكاذبة، ولكن في الغالب هي هجوم مقنع على الصحافة المستقلة.
وكان رئيس الوزراء
المجري فيكتور أوربان من أوائل القادة الذين استخدموا الوباء بهذه الطريقة. في
أواخر آذار/ مارس، قام بتغيير القانون الجنائي للبلاد ليهدد بالسجن لمدة تصل إلى
خمس سنوات، لأي شخص يُعتقد أنه يعيق مكافحة الفيروس عن طريق "تشويه"
الحقائق. وسرعان ما حذت دول أخرى حذوها: أحصى معهد الصحافة الدولي 17 دولة حول
العالم أقرت قوانين جديدة ضد الأخبار المزيفة في عام 2020. وتشمل القائمة البرازيل
والفلبين والمجر وروسيا؛ البلدان التي كان لقادتها سجل سابق في تقويض الصحافة بشكل منهجي وتفكيكها.
في كثير من الحالات،
لم تكن الحكومات بحاجة إلى استخدام القوانين فعليا لخنق التقارير الناقدة. وإن
مجرد تمريرها له تأثير مخيف على الصحفيين، ويمنعهم من نشر أي شيء يبتعد عن الخط
الحكومي الرسمي.
وتم تصنيف التقارير
الناقدة حول الاستجابة للجائحة في بلد ما بأنها غير وطنية. ففي صربيا، اعتقلت
الصحفية آنا لاليك بتهمة "نشر الذعر والاضطرابات"، عندما كتبت عن نقص
معدات الحماية الشخصية في مركز صحي محلي. وبعد محاولة فاشلة لرئيس الوزراء الهندي
ناريندرا مودي، لإجبار أعلى محكمة في بلاده إلزام وسائل الإعلام بنشر الرواية
الرسمية للوباء فقط، كتب إلى كبار المحررين يطلب منهم الامتناع عن نشر القصص
السلبية. كما ألقت الشرطة القبض على عشرات الصحفيين في جميع أنحاء الهند في أثناء
تغطيتهم للوباء.
وفي جنوب أفريقيا ،
تعرض محرر صحيفة موهوكاري نيوز، بول نثوبا، لاعتداء من الشرطة في أيار/ مايو
لقيامه بتصويرهم في أثناء قيامهم بدوريات تفرض تعليمات الإغلاق. وبعد الاعتداء، هرب
إلى ليسوتو، وهي المرة الأولى التي فر فيها صحفي من البلاد بعد مرحلة حكم
الأبارثايد في جنوب أفريقيا.
كما أثارت طبيعة
الوباء ذاتها تحديات جديدة للصحفيين الذين يحاولون جمع المعلومات والوصول إلى
المصادر ونشر تقاريرهم. كما أعطى السياسيين الذين أرادوا السيطرة على وسائل
الإعلام أدوات جديدة للقيام بذلك.
لكن التعتيم الأكثر
فظاظة على المعلومات، جاء من خلال طرق إغلاق الإنترنت، التي كانت الحكومات على
استعداد متزايد لاستخدامها من أجل إسكات المعارضة والنقاش. لطالما كان انقطاع
الإنترنت طريقة حياة في مناطق مثل شبه جزيرة سيناء المضطربة في مصر، وكشمير الخاضعة
للسيطرة الهندية، ولكن في عام 2020 أصبحت الظاهرة أكثر انتشارا. وفرضت إثيوبيا إغلاقا
في بعض مناطقها، بما في ذلك تيغراي، لكنها أغلقت أحيانا الوصول إلى الإنترنت في
جميع أنحاء البلاد، كما حصل في أواخر
حزيران/ يونيو، وسط احتجاجات بعد مقتل الموسيقي والناشط الاجتماعي هاكالو هونديسا.
وبحسب المجلة، كانت القصة الأوسع هذا العام هي العلاقة بين
الجمهور ووسائل الإعلام. في بداية الوباء، كان الاهتمام بالأخبار والثقة في وسائل
الإعلام مرتفعا نسبيا، ولكن مع تقدم الوباء، تلاشت هذه الثقة. كان يُنظر مرة أخرى
إلى الصحفيين على أنهم ينحازون إلى جانب في المجتمعات المستقطبة بشكل متزايد،
بدلا من أن يظلوا مراقبين محايدين. وتم اتهام الصحفيين مرة أخرى بأنهم جزء من
نخبة المؤسسة، ولا يمكن الوثوق بهم.
وفي المظاهرات العامة،
هاجمت الحشود الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات. كان هذا هو الحال في العديد من
الاحتجاجات المناهضة للإغلاق في الدول الغربية، حيث لم يتم استهداف الصحفيين بشكل
عام في الماضي. وفي ألمانيا، تعرض طاقم كاميرا من محطة تلفزة عامة للهجوم في أثناء
التصوير في مظاهرة ضد الإغلاق في أيار/ مايو.
وفي سلوفينيا في 5
تشرين الثاني/ نوفمبر، تسبب ضرب المصور الصحفي بوروت زيفولوفيتش في أثناء التقاطه
الصور في ساحة الجمهورية في وسط ليوبليانا، موقع الاحتجاجات الأسبوعية ضد الحكومة،
بأن فقد وعيه، واستيقظ بعد ساعات في المستشفى ليسمع أن العديد من الصحفيين
الآخرين، بما في ذلك مقدم البرامج التلفزيونية المعروف فلاديمير فودوسيك، قد
تعرضوا لهجوم من قبل مهاجمين مجهولين في الليلة نفسها. ولم تكن سلوفينيا معروفة من
قبل بالعنف ضد الصحفيين.
ويواجه الصحفيون أكبر
المخاطر حيثما يكون هناك شعور بأنهم لن يكونوا محميين من قبل السلطات. في قضية
مقتل مايواند في أفغانستان، أعلن مسلحون زعموا أنهم ينتمون لتنظيم الدولة
المسؤولية. في المكسيك، قُتل المصور الصحفي خايمي كاستانيو زاكاريا بعد التقاط
صور للجثث التي صادفها على جانب الطريق، بعد وقت قصير من اشتباك بين عصابات
المخدرات المتنافسة. وهو ثامن صحفي يُقتل خلال عام 2020 في المكسيك، حيث تعامل
جماعات الجريمة المنظمة وسائل الإعلام على أنها عدو يجب هزيمته (وكان قد عُثر على صحفي
تاسع ميتا في كانون ثاني/ يناير 2020 بعد اختفائه في عام 2019).
ويمهد عدم احترام
الحكومة لوسائل الإعلام المستقلة الطريق لمثل هذه الأنواع من الهجمات. وكلما زادت
السلطات مهاجمة الصحافة والصحفيين وتقويضهم، شعر المزيد من المسلحين والعصابات
الإجرامية والمتطرفين والمحرضين بأنه يمكنهم أيضا مهاجمة الصحفيين مع الإفلات من
العقاب.
وستكون هناك حاجة
للصحفيين للتحدث وتقديم الحقائق إلى جمهور متوجس مع إطلاق حملة اللقاحات، ولكن
أيضا لطرح أسئلة نقدية حول صناعة الأدوية والعقود التي تمنحها الحكومات للشركات
الخاصة. لكن ما إذا كانت وسائل الإعلام ستكون قادرة على الحفاظ على الاستقلال
المالي والحماية القانونية وثقة الجمهور التي تحتاجها لمواصلة أداء دورها الحاسم، يبقى أمرا علينا أن ننتظر لنراه.