قضايا وآراء

عن الاستبداد والثورات المضادة والتطبيع مع إسرائيل

ماجد عزام
1300x600
1300x600

بدا التطبيع المغربي الأخير مع إسرائيل وكأنه يختصر الواقع الحالي في العالم العربي، حيث الاستبداد وتمكن الثورات المضادة بعد تعثر الأصيلة، والبحث الاستبدادي الموصوف عن الشرعية خارج البلاد، وتوهم الحلّ الأمريكي الإسرائيلي للمشاكل والأزمات التي تعانيها الدول العربية، وقبل وذلك وبعده النهج السياسي الفلسطيني الرسمي الذي لا يمنع بل يشجع في الحقيقة المطبعين للمضي قدماً في مسارهم البائس.

في السياق الفلسطيني لا يمكن التشكيك أو الجدال في حقيقة أن بذور التطبيع زرعت مع انطلاق عملية مدريد- أوسلو عبر التوقيع الفلسطيني على الاتفاق سيئ الصيت، وترويج الاقتراب من حلّ الصراع في فلسطين والمنطقة، ما أدى إلى فتح مكاتب اتصال عربية مختلفة المسميات مع إسرائيل. غير أن اندلاع الانتفاضة الثانية (2000) وتعثر عملية التسوية برمتها أدى إلى إغلاق تلك المكاتب، مع تمسك نظري بالمبادرة العربية التي تبنت أسس الحل الأدنى المقبولة فلسطينياً وفق قرارات الشرعية الدولية.

فلسطينياً أيضاً؛ وفي الأسابيع الأخيرة بدت عودة السلطة للتنسيق الأمني مع إسرائيل والاستعداد للعودة إلى مسار التسوية البائس والفاشل؛ ليس فقط بمثابة شرعنة وبأثر رجعي لخطوات التطبيع السابقة، وإنما تسويغ لخطوات مستقبلية تماماً كما جرى في الحالة المغربية.

 

لم يكن مفاجئاً أن تقود عاصمة الثورة المضادة (أبو ظبي) مسيرة التطبيع- التحالف مع إسرائيل، مع ممارسة حملات ضغط وحتى ابتزاز موصوف على عواصم عربية أخرى للالتحاق بالمسيرة التطبيعية سيئة الصيت

أما عربياً؛ وإضافة إلى البعد الفلسطيني، فيمكن الحديث عن تمدد وسعار الثورة المضادة، خاصة بعد نجاحها السهل في عاصمة العالم العربي (القاهرة)، بحيث بات التطبيع مع إسرائيل مرادفاً وملازماً للثورة المضادة والفلول الجدد، والأهداف هي نفسها وتتمثل بإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والفساد السابقة التي أسقطتها الثورات الأصيلة، وإقصاء الحركات والأحزاب الثورية وتحديداً الإسلامية منها ولو بالدم والحروب الأهلية، والسعي لمحاصرة وتحجيم الحضور التركي إقليمياً. وكل ما يقال عن إيران ليس سوى تمويه وتحريف للحقائق، كون إيران شريكة للثورة المضادة في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا، ومنخرطة في المعركة ضد الثورات الأصيلة من أجل إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد الساقطة.

بناء على ما سبق كله، لم يكن مفاجئاً أن تقود عاصمة الثورة المضادة (أبو ظبي) مسيرة التطبيع- التحالف مع إسرائيل، مع ممارسة حملات ضغط وحتى ابتزاز موصوف على عواصم عربية أخرى للالتحاق بالمسيرة التطبيعية سيئة الصيت.

في السياق المغربي كانت الإمارات حاضرة وبمثابة الوسيط أو السمسار في العملية كلها وقدمت إغراءات، بما في ذلك ابتزاز دول عربية لفتح قنصليات في الصحراء الغربية، كما فتحت قناة تواصل تطبيعية بين الرباط وتل أبيب، لدرجة أنها أرسلت طائرة خاصة ملكية المواصفات لنقل بضعة مواطنين إسرائيليين علقوا  في المغرب أثناء إغلاق الموجة الأولى من جائحة كورونا في آذار/ مارس الماضي.

 

في السياق المغربي كانت الإمارات حاضرة وبمثابة الوسيط أو السمسار في العملية كلها وقدمت إغراءات، بما في ذلك ابتزاز دول عربية لفتح قنصليات في الصحراء الغربية

إلى ذلك، لا يمكن استبعاد انخراط النظام السعودي، وتحديداً ولي العهد المتنفذ والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، في التطبيع المغربي مع إسرائيل تقرّباً لهذه الأخيرة، وخدمة لإدارة دونالد ترامب في أيامها الأخيرة، وتزلّفاً لإدارة جو بايدن الجديدة، والأهم من ذلك ربما  توسيع مسيرة التطبيع العربية الإسرائيلية لتبرير التحاق السعودية بها مستقبلاً، علماً أن ذلك مسألة وقت فقط، كما يردد دائماً مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنير، صديق بن سلمان وعرّاب التطبيع العربي الإسرائيلي.

أما في السياق المغربي البحت فيمكن الحديث عن العوامل السابقة مجتمعة، أي الاستبداد والثورة المضادة إضافة إلى وهم حلّ المشاكل الداخلية والإقليمية بمساعدة إسرائيلية وأمريكية.

في عموم المسيرة التطبيعية بالعالم العربي ثمة أهمية كبرى للعامل الديمقراطي، والتطبيع لا يمر في بيئة ديمقراطية شفافة ونزيهة، والمغرب يعيش نصف وحتى ربع ديمقراطية مع استخدام المصطلح مجازاً، وذلك ضمن ميل تاريخي للملكيات العربية غير الدستورية للابتعاد عن العنف والتأميم المبالغ فيه لمناحي الحياة المختلفة، مثلما فعلت وتفعل أنظمة الانقلابات العسكرية في المشرق والمغرب على حد سواء.

يمكن رؤية أهمية العامل الديمقراطي عربياً في الرفض والاصطفاف الكويتي القاطع ضد التطبيع، وحتى في السودان الذي يعيش مرحلة انتقالية. ولكن ثمة ممانعة سياسية قاطعة للتطبيع واصطفاف حزبي واسع ضده من الجدار إلى الجدار.

إلى ذلك يبدو مزاج القيادة المغربية مع الثورات المضادة؛ لأن نجاح الأصيلة يؤدي حتماً إلى إقامة ملكية دستورية كاملة في المغرب ضمن قواعد ومحددات التغيير في العالم العربي التي تتضمن إقامة جمهوريات مدنية وديمقراطية وملكيات دستورية كاملة، وإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في بقية الممالك والإمارات الصغرى.

 

في عموم المسيرة التطبيعية بالعالم العربي ثمة أهمية كبرى للعامل الديمقراطي، والتطبيع لا يمر في بيئة ديمقراطية شفافة ونزيهة

أما فيما يخص تبرير التطبيع مع إسرائيل بالحصول على اعتراف أمريكي بمغاربية الصحراء، فنتحدث هنا عن قاعدة أخلاقية وسياسية فاسدة لا تتعلق بفلسطين فقط، وإنما بقضية الصحراء نفسها.

وفي بيئة ديمقراطية مغاربية وعربية ما كانت أزمة الصحراء لتستمر طوال العقود الخمسة السابقة أصلاً، وكان الحل الديمقراطي بين الجزائر والمغرب كفيل بتجاوزها، وحتى لو استقلّت الصحراء فعلاً  كانت لتذوب ككيان صغير في اتحاد عربي ديمقراطي واسع (وفق النموذج الأوروبي) يكرّس حرية الحركة للمواطنين والبضائع بعيداً عن الحدود الشكلية التي رسمها الاستعمار أصلاً.

في النهاية وباختصار، لا بد من الانتباه إلى معطى بل ثلاثة معطيات أساسية؛ أولها أن هزيمة الثورات العربية المضادة وانتصار الأصيلة مسألة وقت فقط ولو بعد حين، وثانيها ورغم ألم التطبيع المغربي الأخير، إلا أن القضية الفلسطينية ستبقى حية ولن تختفى أو تزول عن جدول الأعمال والتطبيع العربي الإسرائيلي. عموماً لن يجلب الأمن والاستقرار والسلام طالما أنه يتم بشكل ظالم وفق المصالح الاستعمارية الإسرائيلية والأمريكية، خاصة مع استمرار عناد وصمود الشعبي الفلسطيني ودعم الشعوب العربية العميق والمتجذر له.

أما المعطى الثالث فيتمثل بأن الاعتراف الأمريكي بمغاربية الصحراء لن يحل الأزمة أيضاً أو يجلب السلام للمنطقة، بل على العكس سيؤججها أكثر بين الصحراويين والمغرب، وبين هذا الأخير والجزائر التي تعتبر أن الخطوة برمتها موجهة ضدها والتصدي لها محق طبعاً، لكن مع تكريس القواعد الديمقراطية ومبادئ الحكم الرشيد في البلد المركزي صاحب الإرث الجهادي الكبير عربياً وأفريقياً.

التعليقات (0)