هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتب الصحفي الإسرائيلي، جدعون ليفي، الذي يعارض الانتهكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مقالا هاجم فيه الحرب على الأطفال الفلسطينيين، مؤكدا أنها "إرهاب".
وقال ليفي في مقاله في صحيفة "هآرتس"، تحت عنون "حرب إسرائيل على الأطفال الفلسطينيين"، إن ما يجري في الضفة الغربية ضد الأطفال "إرهاب ترتكبه الدولة".
وأضاف في المقال الذي ترجمته "عربي21": "عندما نسمع عن مثل هذه الحوادث داخل الديكتاتوريات الفظيعة مثل أطفال ينتزعون من أسرتهم في منتصف الليل، غلام يصاب بعيار ناري في عينه، وآخر يصاب برصاصة قاتلة تودي بحياته، فإن ذلك تقشعر له الأبدان وترتعد له الفرائص. ولكن أين تحدث مثل هذه الأشياء؟"، مجيبا بأنه يحدث في "إسرائيل".
وقال: "ما يحدث ضد الأطفال ليس في أرض نائية، وإنما فقط على بعد ساعة بالسيارة من مقر سكنك، وليس في نظام حالك الظلمة.. ما ظنك بنظام يسمح بإطلاق النار على الأطفال، نظام يخطفهم أثناء نومهم ويهدم مدارسهم؟ ذلك بالضبط ما ينبغي أن يكون عليه ظنك بالنظام الموجود هنا في بلدنا"، ويقصد بذلك الأراضي المحتلة تحت سيطرة الاحتلال.
وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:
5 كانون الأول/ ديسمبر 2020
في الأسبوع الماضي كنا في مخيم العروب للاجئين، ورحنا نبحث عن منطقة مفتوحة نجلس فيها خشية من فيروس كورونا. لم نجد مكاناً. ففي مخيم تلتصق داخله البيوت بعضها ببعض، لا يزيد عرض الممرات داخله عن عرض جسم الرجل، وتنتشر في أرجائها الفضلات، لا يوجد مكان تجلس فيه في الخارج. يمكن للمرء فقط أن يحلم بوجود حديقة أو مقعد، بل لا يوجد حتى ممرات جانبية. هنا يعيش باسل البداوي، الذي أطلق الجنود قبل عام النار على شقيقه فأردوه قتيلاً.
قبل أسبوعين انتزع باسل من سريره في ليلة قارصة وأخذ حافي القدمين للتحقيق. جلسنا داخل منزل عائلته الضيق وقد أدركنا أنه لا يوجد مكان في الخارج نذهب إليه. وبينما كنا هناك، سد الجنود الإسرائيليون المدخل إلى المخيم، كما يفعلون من حين لآخر، بشكل تعسفي، فتنامى الإحساس بالاختناق.
هذا هو عالم باسل وهذا هو الواقع. يبلغ من العمر ستة عشر عاماً، وهو أخ مكلوم، اختطف من سريره في ظلام الليل البهيم من قبل الجنود. ليس لديه مكان يذهب إليه سوى المدرسة، والتي تغلق أبوابها بضعة أيام في الأسبوع بسبب جائحة كوفيد-19. ينعم باسل الآن بالحرية، وهو بذلك أفضل حظاً من غيره من الأطفال والفتيان الذين يقبع ما يقرب من مائة وسبعين منهم رهن الاعتقال في سجون إسرائيل. وهناك من الأطفال من يتعرضون لإطلاق النار عليهم من قبل الجنود، فيصاب بعضهم بجراح ويلقى بعضهم حتفه، دون تمييز لهم عن البالغين من أبناء شعبهم، فالفلسطيني هو الفلسطيني، ودون تمييز بين وضع يمثل تهديداً للحياة ووضع لا يتجاوز حالة من "الشغب".
يوم الجمعة قتل الجنود علي أبو عليا، الغلام الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، برصاصة قاتلة اخترقت جسده. لا يمكن لأحد أن يبقى بلا مبالاة وهو يرى وجهه البريء في صور سابقة ثم صورته الأخيرة وهو ملفوف بكفنه، وجهه مكشوف وعيناه مغمضتان، وقد حمله المشيعون على أكتافهم وساروا به إلى مدفنه داخل قريته.
كان علي في كل أسبوع يذهب مع رفاقه للتظاهر ضد النقاط الاستيطانية الخارجية المسعورة والعنيفة التي تنبثق عن مستوطنة كوخاف هشهار، للاستيلاء على ما تبقى من أراضي قريته، واسمها المغاير. لا يوجد شيء أكثر عدالة من نضال هذه القرية، ولا يوجد شيء أفظع من استخدام القوة القاتلة ضد المتظاهرين، ولا يوجد على الإطلاق ما يبرر إطلاق النار على علي وزرع رصاصة في جسده أودت بحياته. بالطبع في إسرائيل لم يبد أحد أدنى اهتمام خلال نهاية الأسبوع بموت الطفل، فهو مجرد طفل آخر.
حتى العام الدراسي الحالي كان خمسون طفلاً من المجتمع الرعوي رأس التين يدرسون في المدرسة داخل المغاير، قرية الغلام المتوفى. وكان يتوجب عليهم أن يسيروا ما يقرب من خمسة عشر كيلومتراً (9.3 ميل) كل يوم، ذهاباً وإياباً، للحضور في المدرسة. قام أولياء أمورهم هذا العام، بمساعدة من منظمة خيرية تابعة للمفوضية الأوروبية تتخذ من إيطاليا مقراً لها، ببناء مدرسة متواضعة وجميلة لهم داخل القرية.
إلا أن الإدارة المدنية الإسرائيلية تهدد بهدمها، وتقوم في هذه الأثناء بمضايقة التلاميذ والمدرسين بزيارات مفاجئة للتأكد مما إذا كانت المراحيض، لا سمح الله، موصولة بأنبوب مياه – في قرية لم يحصل أصلاً أن وصلت بشبكة الكهرباء أو بشبكة المياه. لا بد أن الأطفال في رأس التين يعرفون علياً، زميلهم السابق في الفصل، الذي بات الآن في عداد الأموات.
لكن الأطفال لم يعرفوا مالك عيسى، من العيسوية في القدس الشرقية. كان الغلام الذي يبلغ من العمر تسعة أعوام قد فقد إحدى عينيه بعد أن أصيب برصاصة ذات رأس إسفنجي أطلقها عليه ضابط شرطة إسرائيلي. ويوم الخميس، أعلنت وزارة العدل التي تحقق في مزاعم بمخالفات ارتكبتها الشرطة أنه لن توجه تهم لأحد بخصوص إطلاق الرصاص، وذلك بعد عشرة شهور من التحقيق المكثف.
كان يكفي أن يقبل من الشرطة المعنيين الزعم بأنهم تعرضوا للرجم بالحجارة، وأن واحداً من تلك الحجارة ربما أصاب الطفل وتسبب في فقده لعينه. ولكن لا يوجد فيديو يظهر فيه مشهد رجم الحجارة، ولا يوجد أي دليل آخر يثبت حدوث ذلك. بإمكان قتلة علي أيضاً أن يناموا هانئين: فلن يحاكمهم أحد.. إذ إن كل ما فعلوه هو أنهم قتلوا طفلاً فلسطينياً.
تجري هذه الحوادث وغيرها خلال فترة هي واحدة من أهدأ الفترات في الضفة الغربية. هذا هو الإرهاب الذي يقع، إنه الإرهاب الذي ترتكبه الدولة. عندما نسمع عن مثل هذه الحوادث داخل الدكتاتوريات الفظيعة – أطفال ينتزعون من أسرتهم في منتصف الليل، غلام يصاب بعيار ناري في عينه، وآخر يصاب برصاصة قاتلة تودي بحياته – فإن ذلك لمما تقشعر له الأبدان وترتعد له الفرائص.
إطلاق النار على المتظاهرين؟ على الأطفال؟ أين تحدث مثل هذه الأشياء؟ ليس في أرض نائية، وإنما فقط على بعد ساعة بالسيارة من مقر سكنك، وليس في نظام حالك الظلمة، وإنما في الديمقراطية الوحيدة.
ما ظنك بنظام يسمح بإطلاق النار على الأطفال، نظام يخطفهم أثناء نومهم ويهدم مدارسهم؟ ذلك بالضبط ما ينبغي أن يكون عليه ظنك بالنظام الموجود هنا في بلدنا.