صحافة دولية

ذي أتلانتك: ماذا وراء مسارعة بريطانيا لترخيص لقاح كورونا؟

جدل صاحب المصادقة على اللقاح يختزل أزمة البلاد مع "بريكست"- جيتي
جدل صاحب المصادقة على اللقاح يختزل أزمة البلاد مع "بريكست"- جيتي

نشرت مجلة "ذي أتلانتك" تقريرا سلطت فيه الضوء على مسارعة الحكومة البريطانية للمصادقة على بدء تلقيح المواطنين في البلاد بعقار شركتي "فايزر" و"بيونتك" ضد فيروس كورونا المستجد.

 

وعلى خلاف ما بشر به رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، مطلع هذا العام، إزاء خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، فإن الأمور لا تبدو على ما يرام في المملكة المتحدة، وفق التقرير، الذي ترجمته "عربي21".

 

وبالأرقام الأولية، كان أداء البلاد خلال أزمة كورونا أسوأ من أي دولة أخرى تقريبا، وفق التقرير، حيث عانت من عشرات الآلاف من الوفيات وألما اقتصاديا كبيرا.

 

ووفق التقرير، قد أنفقت بريطانيا في معالجة الفيروس أكثر من العديد من جيرانها، ونفذت عمليات إغلاق أكثر صرامة، ولا تزال تفقد المزيد من الأرواح. في الوقت الذي كانت تستعد فيه "لاستعادة السيطرة" من الاتحاد الأوروبي، بدا أنها فقدت السيطرة على نفسها.


ومع ذلك، ها نحن هنا، مرة أخرى يقال لنا إن الشمس ربما على وشك أن تشرق على بريطانيا.

 

فقد أصبحت بريطانيا أول دولة في العالم تصادق على لقاح كوفيد-19 من إنتاج فايزر- بيونتك، مع بدء التطعيم الوطني في وقت مبكر من الأسبوع المقبل. علاوة على ذلك، أظهر اللقاح الذي تم تطويره واختباره جزئيا في بريطانيا أيضا نتائج واعدة (على الرغم من أن بياناته قيد التشكيك الآن)، وفي نفس الوقت اشترت الدولة بهدوء مخزونا عالميا من شأنه أن يغطي عددًا أكبر من سكانها أكثر من أي بلد آخر تقريبا.


ولكن بعيدا عن أن تكون لحظة وحدة وطنية، سرعان ما تحول الإعلان عن مصادقة بريطانيا السريعة على اللقاح إلى جبهة أخرى في الحرب التي لا تنتهي بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.

 

فبعد أن قام أحد الوزراء بالتغريد بأن ترخيص اللقاح سيثبت، مع الوقت، أن بريطانيا هي التي "قادت الهجوم ضد هذا المرض"، رد السفير الألماني لدى لندن: "لماذا يصعب إدراك هذه الخطوة المهمة إلى الأمام كجهد ونجاح دوليين كبيرين".

 

ومن هنا، "انضمت القبائل البريطانية المتشاحنة إلى المعركة"، وفق تعبير التقرير، حيث ادعى مؤيدو مغادرة الاتحاد الأوروبي أن الموافقة البريطانية السريعة على اللقاح كانت دليلا على أن قرار الخروج كان صائبا؛ بينما أشار المعارضون إلى أن العقار تم تصنيعه جزئيا بواسطة شركة ألمانية وسيتم إنتاجه في بلجيكا.

 

ومن ناحية، يكون النقاش متعبا بقدر ما هو ممل. فلا تزال بريطانيا تخضع لقانون الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن ترخيص اللقاح لا علاقة له بـ"بريكست".

 

تتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالقدرة على أن تحذو حذو لندن، لكنها وافقت على الانتظار حتى تتم الموافقة على اللقاح من قبل الهيئة التنظيمية الجماعية. وانتقد الاتحاد الأوروبي قرار بريطانيا، وقالت الهيئة المنظمة للكتلة، وكالة الأدوية الأوروبية، إن تدقيقها في اللقاح أكثر عمقا، معلنة أنها ستقرر بحلول 29 كانون الأول/ ديسمبر ما إذا كانت ستسمح مؤقتا باستخدام اللقاح.

 

وقال بيتر ليسي، وهو مشرع من الاتحاد الأوروبي وعضو في حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن قرار بريطانيا "إشكالي" وحث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على عدم اتباع هذا النهج.

 

ولكن هناك مسألة في الصميم بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجب على جميع الأطراف أخذها بعين الاعتبار. ففي نهاية المطاف، تعد الخطوة رهانا على أنه، خارج الاتحاد الأوروبي، يمكن لبريطانيا تنظيم اقتصادها بشكل أفضل لتصبح أكثر قدرة على المنافسة.

 

وفي جوهره، تأسس بريكست على فكرة أنه، بعد التحرر من الاضطرار إلى مراعاة اقتصاديات وسياسات 27 دولة أخرى، يمكن لبريطانيا أن تحكم نفسها بشكل أسرع وأكثر كفاءة وفعالية.


ولكن هناك حجج لا حصر لها تشير إلى أن بريطانيا أخطأت في التقدير ـ وبشكل مروع، بحسب التقرير، فقد جعلت، في الواقع، التداول مع أكبر سوق لها أكثر صعوبة وتكلفة بينما تخلت أيضا عن مقعدها على الطاولة حيث يتم وضع القواعد التي تحكم هذا السوق.

 

اقرأ أيضا: "موديز" تعدل نظرتها لديون بريطانيا السيادية إلى سلبية

 

وهذا بدوره جعل بريطانيا أقل فائدة لأمريكا، شريكتها الأمنية الوجودية وحليفتها. وأخيرا، أدى قرار السعي إلى الاستقلال التنظيمي إلى خلق توترات منهجية داخل الدولة نفسها، لا سيما مع أيرلندا الشمالية، التي تم منعها من التمتع بهذه الحرية التنظيمية بسبب حدودها البرية مع أيرلندا، وكذلك مع اسكتلندا، التي لم ترغب في مغادرة الاتحاد الأوروبي في المقام الأول.

 

وقامت بريطانيا بالمجازفة دون أن تكون متأكدة مما قد تفوز به، إن كان هناك ما تفوز به.

 

لكن هذا لا يعني أن المقامرة كانت خاطئة، ولكنها محفوفة بالمخاطر. ويعتبر ترخيص اللقاح لحظة مهمة في هذا النقاش لأنه مثال على نوع الامتياز الذي يحصل عليه من يتحرك أولا والذي ستحتاج إليه بريطانيا للاستفادة منه مرارا وتكرارا خارج الاتحاد الأوروبي إذا أرادت أن تنجح.

 

ولا يعد الترخيص السريع للقاح الذي تم إنتاجه في الاتحاد الأوروبي بموجب قانون الاتحاد الأوروبي حجة لصالح خروج بريطانيا من التكتل القاري، ولكنه مثال على ما تريد لندن فعله في المستقبل.


وكما أشار دبلوماسي أيرلندي سابق، فإن اندفاع بريطانيا للمطالبة بنصر وطني من قصة نجاح دولية  ينطوي على عناصر انعدام الشعور بالأمن و"الافتقار إلى الثقة بالنفس الوطنية التي أدت إلى بريكست".

 

ومع ذلك، فقي إطار الاندفاع لانتقاد "الدق البريطاني على الصدر"، يتم تقديم صورة معكوسة غريبة من انعدام الشعور بالأمن هذا.


ويقول التقرير إن من هم حول جونسون يعتقدون بوضوح أن تحقيق بريكست يوفر فرصة للتغلب على التكتل القاري ليس فقط في صناعات اليوم ولكن ربما الأهم من ذلك في الصناعات التي لم يتم اختراعها بعد - وبالتالي لم يتم تنظيمها - حتى الآن.

 

وما لا يتم الاعتراف به كثيرا هو أن هذا الاعتقاد - أو الخوف - مشترك في القارة. كما أن احتمالية تفوق بريطانيا على الاتحاد الأوروبي في المنافسة دون قيود بروكسل، هو السبب الذي جعل الأخيرة تطالب بلوائح أكثر صرامة لحماية "تكافؤ الفرص" مع المملكة المتحدة مقارنة بأي دولة أخرى.


ويستدرك قائلا: "أخبرني سفير دولة أوروبية كبيرة لدى الاتحاد الأوروبي مؤخرا عن مخاوفه من أن الاتحاد الأوروبي كان راضيا عن نفسه وحمائيا وسريعا جدا في الانغلاق على نفسه، مقتنعا بأن قوته تجعله مستقلا".

 

وقال هذا الدبلوماسي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه في الوقت الذي لا يعتقد فيه أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بالذات تصرفا ذكيا أو من المحتمل أن يكون ناجحا، إلا أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مواجهة بعض التحديات التي يطرحها ذلك.

 

فعلى سبيل المثال، بحسبه، فإن الاتحاد الأوروبي لديه عدد قليل جدا من الجامعات المصنفة من بين الأفضل في العالم، وتقريبا لا يوجد ابتكار تكنولوجي مقارنة بمنافسيه التجاريين المفترضين، أمريكا والصين.

 

وأضاف أن خوفه الكبير يكمن في أن الاتحاد الأوروبي سوف يتخلف عن الركب في الثورة الصناعية القادمة، تماما كما كانت الصين في الثورة الصناعية السابقة.

 

وأخبرني نيكولاس بوكيه، المدير المساعد في معهد مونتين ومقره باريس، أن اللقاح كان لحظة معبرة في الصراع بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول أفضل السبل لحماية السيادة في عالم معولم.

 

وقال بوكيه إن فرنسا، مثل بريطانيا، كانت مهتمة بقدرتها على التصرف بشكل مستقل في العالم، لكن رهانها كان مختلفا. وقال: "اختارت بريطانيا مغادرة أوروبا لاستعادة سيادتها.. بينما قررت فرنسا تعزيز الاتحاد الأوروبي لاستعادة سيادتها".


ولفت بوكيه إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقود التحركات لإصلاح الاتحاد الأوروبي من أجل جعل بروكسل أكثر قوة وفعالية، كان في الواقع يراهن على أنه في القرن الحادي والعشرين من الضروري التواجد في كتلة من مئات الملايين من الناس مقارنة بالتواجد بين "عشرات الملايين" مثل بريطانيا.

 

ومع ذلك، بحسبه، فإن هذا الرهان يعتمد على قدرة أوروبا نفسها على التصرف بشكل حاسم، وهو ما لا تستطيع فعله حاليا. وقال: "بسبب هذا، أعتقد، أن الخيار الذي اتخذته بريطانيا له صدى هنا، حتى لو كان معظم الناس لا يتفقون معه.. نحن نتفهم أنه في هذا العالم حيث توجد حاجة ماسة إلى المرونة، ولهذا السبب يمكن أن تكون أوروبا عبئا أو ذخرا".

 

وقصة اللقاح، إذن، هي قصة بريكست وليست كذلك في نفس الوقت. وتراهن بريطانيا على أن تكون أسرع وأفضل من الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2020، لم يكن الأمر كذلك، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون كذلك.

التعليقات (0)