حدثان هامان يشغلان الرأي العام العربي والإسلامي في هذه الأيام، الأول يتعلق بالمواقف والأحكام التي أطلقتها بعض
الهيئات الدينية والسياسية في بعض الدول العربية (السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر) ضد حركة
الإخوان المسلمين، واتهامها بأنها حركة إرهابية، والسعي لتعميم ذلك على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي، والثاني اغتيال العالم النووي
الإيراني محسن فخري زادة، وإعلان السلطات الإيرانية أن العدو الصهيوني ومعه مجموعات إيرانية معارضة يقفون وراء الاغتيال، وأن العملية تحظى برعاية ودعم الإدارة الأمريكية الحالية وتشجيع من
بعض الدول العربية، مع تأكيد المسؤولين الصهاينة أن زادة
والمشروع النووي الإيراني يشكلان خطرا مباشرا على هذا الكيان، وأن قتل زادة يخدم هذا العدو.
قد يتساءل البعض: ما الربط بين الحدثين في هذه المرحلة؟ وأية مقاربة يمكن تقديمها في المواقف من هذه الأحداث اليوم؟
لقد اخترت هذين الحدثين الهامين ودراسة المواقف المختلفة منهما، من أجل محاولة وضع بعض الأسس الأولية حول كيفية تعاطينا مع الأحداث، وخصوصا تلك التي تؤثر على عالمنا العربي والإسلامي، ولمحاولة الفصل بين خلافاتنا الفكرية والسياسية وبين القراءة الاستراتيجية للتطورات وعلاقتها بالصراعات الأساسية التي نخوضها اليوم في منطقتنا وفي مواجهة المشروع
الإسرائيلي- الأمريكي للسيطرة على المنطقة.
فحركة الإخوان المسلمين بامتداداتها العالمية كانت إحدى أهم الحركات التي لعبت دورا أساسيا في نشر الوعي الإسلامي في العالم، وكان لها دور تأسيسي في مواجهة العدو الصهيوني منذ بداية تأسيس هذا الكيان، كما أنها تشكل الخلفية التاريخية والفكرية لإحدى أهم حركات
المقاومة اليوم وهي حركة حماس الفلسطينية، إضافة لعلاقتها التاريخية مع بقية التيارات الإسلامية سواء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو في العراق ولبنان. وساهمت الجماعة الإسلامية في لبنان (وهي أحد فروع الإخوان) في إطلاق المقاومة الإسلامية في لبنان، وكانت تقف دوما إلى جانب المقاومة ولا سيما في المحطات الأساسية وآخرها حرب تموز/ يوليو 2006، وقد أصدر آنذاك الأمين العام للجماعة الشيخ فيصل المولوي رحمه الله فتوى تاريخية بوجوب تقديم الدعم للمقاومة الإسلامية وحزب الله، ردا على فتوى بتحريم ذلك أطلقها الشيخ الوهابي عبد الرحمن بن جبرين، كما أعلن مرشد الإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف استعداده لإرسال عشرة آلاف مقاتل لدعم حزب الله.
وحركات الإخوان المسلمين على اختلاف تنوعاتها ساهمت في تأسيس المؤتمر القومي- الإسلامي، بعد قراءة نقدية مشتركة للتيارين القومي والإسلامي لكل مراحل الصراع بينهما.
قد يكون صحيحا أنه حصلت خلافات وصراعات بين بعض القوى الإسلامية والقومية من جهة وحركات الإخوان المسلمين في عدد من الأقطار العربية، لكن ذلك لا يلغي الدور المقاوم للإخوان المسلمين، وكذلك وقوف الإخوان في وجه المشروع الصهيوني اليوم.
ولذا فإن إطلاق تهمة
الإرهاب على حركات الإخوان المسلمين يهدف لتدمير أحد أهم التيارات الإسلامية والتي تضم عشرات الملايين من الأعضاء والداعمين لها، والتي يمكن أن تلعب اليوم دورا أساسيا في مواجهة مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني، أو تساهم في دعم قوى المقاومة في أي وقت، دون أن يعني ذلك عدم وجود تباينات مع حركات الإخوان المسلمين.
فهل نقف اليوم مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وبعض الجهات في مصر لاتهام الإخوان المسلمين بالإرهاب وإصدار الفتاوى لإدانتهم؟ أم نتضامن مع الإخوان في هذه اللحظة لأن ذلك مدخل للتضامن بين القوى المقاومة التي تواجه المشروع الأمريكي- الإسرائيلي والمشروع التطبيعي؟
وبموازة ذلك، كيف ينظر البعض من الذين لديهم خلافات سياسية أو فكرية أو مذهبية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى قضية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة؟ فهل خلافات البعض مع إيران في بعض الساحات تبرر لهم الترحيب باغتيال هذا العالم المسلم الذي أقلق أمريكا والعدو الصهيوني؟
من الواضح لأي مراقب عربي أو مسلم أن المشروع النووي الإيراني يشكل خطرا وتهديدا على العدو الصهيوني، وهذا باعتراف قادة العدو وأمريكا، وأن معاداة الأمريكيين والصهاينة لإيران بسبب دعمها للشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وأن إيران الشاه لم تكن تشكل تهديدا لهذا العدو ولذا لم تكن هناك ممانعة أمريكية أو غربية أو إسرائيلية بحصول الشاه على أهم الأسلحة المتطورة وعلى
الطاقة النووية، وعلى أن يكون شاه إيران شرطي الخليج. والمشروع النووي الإيراني بدأ خلال حكم الشاه رضا بهلوي ولم تكن هناك معارضة غربية ضده.
ولكن اليوم فإن حصول الجمهورية الإسلامية الإيرانية (المعادية للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي) على التكنولوجيا النووية وتطوير قدراتها النووية، فهذا ممنوع غربيا لأنها تشكل تهديدا للكيان الصهيوني، وهذا هو الخطر الأساسي على هذا الكيان.
فأين نقف كعرب أو مسلمين من هذا الصراع؟ هل نكون مع إيران المعادية للمشروع الصهيوني؟ أو أننا نرحب ونعبر عن سرورنا لاغتيال عالم نووي إيراني يساهم في تطوير بلاده وقدراتها؟
قد يعتبر البعض أن لإيران دورا سلبيا في بعض الدول العربية وأن سياسات إيران تخدم مشروعها السياسي أو المذهبي، لكن هل يبرر ذلك أن نكون في المحور نفسه مع العدو الصهيوني ومخططاته؟
هذه الأحداث وكيفية التعاطي معها وكيفية تحديد مواقفنا منها تشكل امتحانا لنا ولرؤيتنا الاستراتيجية، ولا يمكن بناء المواقف على الخلافات السياسية أو المذهبية أو الفكرية، بل المطلوب أن نحدد اليوم ما هو مشروعنا الاستراتيجي وما هي أولوياتنا في الصراع، وعلى ضوء ذلك نحدد الموقف من كل حدث، بدل الانجرار أحيانا خلف الأحقاد أو الخلافات التاريخية أو السياسية أو المذهبية.
اليوم هناك محاولة أمريكية- إسرائيلية لتشكيل حلف جديد في المنطقة يضم كل المؤيدين للمشروع الصهيوني أو المطبعين معه، ويقف ضد قوى وحركات المقاومة أو الدول التي يمكن أن تؤيد هذه الحركات أو تتقاطع معها ولو ضمن حدود معينة.
فأين نقف نحن؟ وكيف نحدد مواقفنا من الأحداث؟ وهل نبقى أسرى لمواقف أو معطيات جامدة؟ ما أتمناه أن يجري كل منا إعادة قراءة لمواقفه وكيفية تعاطيه مع الأحداث، وأن نبتعد قليلا عن المواقف الجامدة، وأن نعيد قراءة الأحداث يرؤية جديدة على ضوء المتغيرات الحاصلة، وأن يكون موقفنا المعادي للمشروع الصهيوني ومن يقف معه هو الأساس في تحديد أي موقف؟ والله أعلم.
twitter.com/KassirKassem