قضايا وآراء

أغرب "انتصار" للسلطة الفلسطينية

أحمد الكومي
1300x600
1300x600
لنكن واقعيين ونزيل الدهشة، فما فعلته السلطة الفلسطينية بإعلانها عودة العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي إلى سابق عهدها، هو ما كان يجب، ومن كان لا يتوقع ذلك فهو لا يعرف حقيقة السلطة التي سقفها أوسلو، وإلا فإن قولنا اليوم إنها "نزلت عن الشجرة ذليلة" فهو لقناعتنا بأنها لم تكن راغبة في الصعود من أساسه، لكن هناك جديدا في كل مرّة.

انقلبت السلطة أولا بجرأة أكبر على الإجماع الوطني الكامل ومخرجات الأمناء العامين وقرارات المجلسين المركزي والوطني، وتعمل منفردة، ومن ثم فهي لا تمثل المجموع الوطني ولا الموقف الشعبي الذي أبدى سخطه من هذه الخطوة.

وحين تعلن السلطة وحركة فتح عن هذا الموقف بالتزامن مع وجود حوار جارٍ مع حركة حماس برعاية مصرية في القاهرة بشأن المصالحة الفلسطينية، فهذا يعني أن السلطة اختارت مسارها الكارثي ولا تزال تتمسك به، وهي بذلك خادعة ومخدوعة في وقت واحد.

إن علاقة السلطة مع الاحتلال، بين مسلسل ادعاء القطيعة ثم إعادتها وهكذا، تقدّم نوعا جديدا من أنواع العلاقات بين الكيانات السياسية، تُقاس بطول العِشرة، لا تظل فيها السلطة عدوا حتى إلى فترة محدودة، حيث لم تمض ستة أشهر على إعلان منظمة التحرير وقف التنسيق والاتفاقيات مع "إسرائيل".

لقد استنفدت السلطة رصيدها من الكذب، فلم تعد قادرة على تقديم أعذار يقبلها العقل، حتى كانت العودة هذه المرة عبر "ورقة" أُعلن عنها في تغريدة لعضو اللجنة المركزية لفتح حسين الشيخ، عبر حسابه في موقع "تويتر" واعتبرها "انتصارا كبيرا" لشعبنا، وهذا يجعلنا نُسلّم بأن الأزمة، التي تحلّها ورقة، مشكوك في صحّتها.

تواصل السلطة خسارة رصيدها لدى شعبنا، واستمرار هذا التجاهل أو العمل بعكس تطلعات شعبنا، قد يضعها في مواجهته يوما ما، على نحو ما قاله الناشط البارز ضد الفساد في الضفة الغربية نزار بنات: "من اعتاد على الجلوس عند العتبة، لا يمكنه الجلوس طويلا في صدر المجلس".

والأخطر، أن توقيت إعلان السلطة هذه المرّة وفق ساعة البيت الأبيض، لا يمنحها حق الاعتراض أو رفض التطبيع، بل إن حسين الشيخ بإعلانه عودة العلاقة مع الاحتلال، وظّف نفسه لدى الخارجية الإسرائيلية في الترويج لإقامة علاقات مع الكيان، حتى إنه لم يمرّ يوم كامل على إعلان ذلك، حتى أتبعته السلطة بإعلان ثانٍ بإعادة سفيريها إلى الإمارات والبحرين، في خطوة وصفتها قناة "كان" الإسرائيلية بأنها "تهدف للوصول إلى قلب بايدن".

ومع إعلان حسين الشيخ، بدأ تداول الحديث بشكل واسع عن رواتب كاملة وسداد مستحقات الموظفين، وإعلان وزارة المالية في حكومة اشتية سريعا عن "أولويات إنفاق" بعد استئناف تحويل أموال المقاصة. وهذا تزامن مقصود ومتعمّد نعرف ونفهم أسبابه جيدا، وعادة درجت عليها السلطة الفلسطينية للتغطية على كل شذوذ سياسي، مع قناعتنا بأن توفير الرواتب والحياة الكريمة لشعبنا ترتقي لأن تكون مهمة وطنية في واقعنا، لكن دون أي توظيف سياسي لها أو أن تستعمل كرشوة لتنازلات خطيرة، ولا مجال هنا للعاطفة؛ لأن المال لا يجب في حالتنا أن يشتري كل شيء.

تعرف قيادة السلطة أن هذه أصبحت ورقة محروقة ولا تتوقف عن استخدامها، وربما تدرك أن العقد الاجتماعي الذي يربطها بالناس لم يعد التأييد الشعبي أو برنامجها السياسي بل هي الرواتب، وهذا استغلال حقير لحاجات الناس ومعاناتهم، ولا يعكس أي رضا أو احترام لسياسات السلطة ولا موافقة على علاقتها المحرّمة مع الاحتلال، والأخطر أنه يثبط أو يعطل ويحارب أي اجتهادات لهذه الجبهة الشعبية العريضة من الناس نحو قضاياها الوطنية.

لذلك؛ فإن السلطة مخطئة بل ساذجة إذا تعاملت مع موافقة الضابط الإسرائيلي "كميل أبو ركن" وإعلان التزام حكومته بتحويل أموال المقاصة على أنه تنازل أو تراجع إسرائيلي؛ بل لأن "إسرائيل" تدرك بأن المال خادم جيد.

twitter.com/ahmedelkomi1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الإثنين، 23-11-2020 04:35 م
هذا الخادم هو الذي يدفع من يزعمون رفض التطبيع لتبرير تطبيع أصدقائهم. ومن يؤيد مطبعا واحدا هو مساهم في كل تطبيع، حتى لو كان يرفضه.