كتاب عربي 21

الكورونا في خدمة البشرية

جعفر عباس
1300x600
1300x600

نعم، ورُبّ ضارة نافعة، و"إن مع العسر يسرا"، وعام 2020 الذي وصمناه بالشؤم والنحس وسوء الطالع والنازل، بسبب جائحة كورونا التي جعلت مئات الملايين رهائن المحابس، قد يبقى في ذاكرة البشرية كعام مميز، تخلصت فيه من كائن أخطر من كوفيد ـ 19 المسبب للكورونا، وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

حل فيروس الكورونا في جميع البلدان، ولكنه اصطفى على نحو خاص الدول الصناعية الغنية، ربما لأنه لم يجد في أجساد مواطني دول العالم السفلي الذي يسمى تأدبا بالثالث ما يستحق النهش، وربما أرسله الله إلى الدول الغربية لكونها محترفة إبادة بشرية، فهي التي كانت مسارح لحروب ضروس، أهلكت الأخيرة منها ـ وهي الحرب العالمية الثانية ـ ما يربو على ثمانين مليون شخص، خمسون مليونا منهم بالذخائر الحربية، وثلاثون مليونا بنتائج الحرب من أوبئة ومجاعات، وتحتفل تلك الدول سنويا بانتصار قام على جماجم الملايين.

لم تعبأ الولايات المتحدة وحلفاؤها من الأوروبيين بمجازر سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان والسودان التي خلفت ملايين الضحايا، ولكن ما أن غزتهم الكورونا حتى شمروا السواعد وشرعوا في إعداد العدة لمنازلتها، رغم أن ضحايا الكورونا يشكلون فقط نحو 1% من سكان الأرض، بينما أهلكت الحرب العالمية الثانية 3% من إجمالي أعداد البشر في أربعينيات القرن الماضي، فالحرب عندهم مغانم ومدعاة للفخر.

الأمل معقود على الكورونا لتخليص البشرية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي بطيشه ونزقه وجهله المركب أصدر من القرارات ما يمس بلايين الناس داخل وخارج التراب الأمريكي، بأن جعل ظاهرة الاحتباس الحراري متسارعة النمو والصعود، وأساء إلى سمعة الديمقراطية كأفضل أداة لإشراك الشعوب في تقرير مصائرها.

 

إن الكورونا "فضحت عرض" ترامب أمام من كانوا يتعامون عن رؤية عوراته وسوءاته الكثيرة، ومن المؤكد أن ناخبين أمريكيين كثر كانوا يناصرونه أدركوا الآن أن كل ما كان يقوله من تهوين من أمر الكورونا كذب صراح، وأن التهور والنزق الذي أبداه بعد إصابته بالفيروس، دليل حاسم على أنه ليس أهلا لمسؤولية إدارة شؤون أقوى دولة في العالم.

 



منذ أن حل فيروس كوفيد ـ 19 بالأراضي الأمريكية وترامب يكابر ويبالغ في الاستخفاف بأمره، فسلطه الله عليه، ولكن ما كان لرجل نزق طفولي المزاج أن يقر بضعفه أمام فيروس أهلك مائتي ألف من بني وطنه، فطفق يبث تغريداته النشاز على تويتر وجميعها من فصيلة "يا جبل ما يهزك ريح" التي يطلقها البعض عندما يحسون بقلة الحيلة، ويسعون لمداراة اهتزاز أوضاعهم.

تحدى ترامب قرارات الأطباء بعد إدخاله المستشفى، وخرج في يومه الثالث هناك طائفا بالسيارة الرئاسية على مناصريه الذين كانوا يرابطون حول المستشفى، ومعرضا اثني عشر فردا من الحرس الرئاسي لانتقال العدوى، وهو الذي نقلها سلفا إلى أحد عشر فردا من موظفي البيت الأبيض، لأنه ظل يتبجح بأنه ليس هناك ما يخيف في أمر الكورونا وحرص على مخالطة الآلاف بلا كمامة على الوجه لتسويق نفسه لولاية رئاسية ثانية.

وقبل أن يكمل يومه الرابع في المستشفى قرر العودة إلى البيت الأبيض، وبرر ذلك بقوله: أنا في أفضل حال، وحالي اليوم أفضل مما كان عليه قبل عشرين سنة، وبهذا ترك للناخب الأمريكي حق إصدار الحكم على مدى رجاحة عقل شخص يقول إن حاله وهو في السبعين وفي جهازه التنفسي فيروس نشط، أفضل من حاله عندما كان في الخمسين وخاليا من العلل.

ولو لم يكن ترامب يعاني من إعاقة ذهنية لاستغل ظروف إصابته بالكورونا لاستدرار عطف الناخبين، لأن البشر بطبعهم يتعاطفون مع من يعانون من العلل التي تشكل خطرا على حياتهم، ولكن الأمر بالنسبة لترامب يتعلق بـ "المَرْجَلة"، فهو يرى بأنه لا يجوز للرجل القوي أن يبدي الهلع والجزع أمام فيروس متناهي الصغر، ظل هو يحث مواطني بلده على الاستخفاف به.

وهكذا فإن الكورونا "فضحت عرض" ترامب أمام من كانوا يتعامون عن رؤية عوراته وسوءاته الكثيرة، ومن المؤكد أن ناخبين أمريكيين كثرا كانوا يناصرونه أدركوا الآن أن كل ما كان يقوله من تهوين من أمر الكورونا كذب صراح، وأن التهور والنزق الذي أبداه بعد إصابته بالفيروس، دليل حاسم على أنه ليس أهلا لمسؤولية إدارة شؤون أقوى دولة في العالم.

وهكذا قد يجعل الله من الكورونا مخرجا للبشرية من ترامب، وقد بدأت بشائر ذلك تترى في استطلاعات الرأي، حيث بدأ جو بايدن منافس ترامب على الرئاسة يتقدم عليه بفارق ينمو يوما بعد يوم، بل إن كامالا هاريس المرشحة لمنصب نائب الرئيس تفوقت على مايك بنس نائب ترامب بفارق 24 نقطة بعد المناظرة بينهما مساء الأربعاء 7 تشرين الثاني (أكتوبر) الجاري.

وبعد أن تسهم الكورونا في الإطاحة بترامب، سنعرف أننا كرهناها بينما كانت خيرا مبطّنا لنا.

التعليقات (0)