هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "ذي أوبزيرفر" تقريرا للصحافية إيما غراهام هاريسون، قالت فيه إن منتقدي المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ثبت أنهم أخطأوا عندما قالوا إنها ارتكبت خطأ كبيرا بقولها إن ألمانيا سوف تستوعب موجة اللجوء.
وغدا المقطع
الألماني الذي استخدمته ميركل، وهو "فير شافين داز"، محفوراً في
الذاكرة وذلك من كثرة ما اقتبس في الأسابيع والشهور التي تلت ليرد به عليها أولئك
الذين اعتقدوا بأن الرسالة المتفائلة للمستشارة الألمانية هي التي شجعت ملايين من
اللاجئين الآخرين على ركوب المخاطر عبر البحر المتوسط.
اقرأ أيضا: WP: بعد سنوات من أزمة الهجرة.. ميركل على حق وليس ترامب
وبحلول عام 2017، سادت رؤية مفادها أن عبارة "فير شافين داز" هي التي ستقضي على ميركل، وأنها، كما قال دونالد ترامب في شهر يناير / كانون الثاني من ذلك العام كانت "خطأ كارثياً".
إلا أن ميركل
ما تزال اليوم تتربع على عرش أكبر اقتصاد في أوروبا، ومعدلات القبول الشخصي لها
عادت إلى ما كانت عليه في مطلع عام 2015، وارتفعت شعبية حزبها "الاتحاد
الديمقراطي المسيحي" في استطلاعات الرأي إلى مستويات قياسية بفضل الجائحة
العالمية.
وتاليا
التقرير كاملا:
اكتشف محمد
الحلاق المفتاح الذي حل به ألغاز موطنه الجديد عندما أدرك أن بإمكانه تحويل النص
الذي يظهر على الشاشة في حسابه على نيتفليكس إلى اللغة الألمانية. بدأ الشاب
السوري البالغ من العمر واحداً وعشرين عاماً بتدوين الكلمات التي لم يكن يعرف
معناها، وبالتدريج زادت حصيلته من الكلمات، وأصبح يتقن اللغة بطلاقة. وفي العام
الماضي، اجتاز بنجاح اختبارات السنة النهائية في المرحلة الثانوية وحصل على معدل
1.5، وكانت تلك هي أعلى علامة في مجموعته الدراسية لذلك العام.
بعد مرور ما
يقرب من خمسة أعوام على وصوله إلى ألمانيا كفتى قاصر بلا مرافق، أصبح الحلاق الآن في
المرحلة الثالثة من دراسة علوم الحاسوب في جامعة العلوم التطبيقية في مقاطعة
ويستفاليا، ويطمح في أن يصبح رجل أعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات. يقول الحلاق
بلهجة وادي الرهر المغمغمة: "لطالما كانت ألمانيا هدفي. لطالما كان لدي
إحساس عجيب بأنني أنتمي إلى هذا المكان."
بما يتسم به
من قابلية اجتماعية عالية وحماسة استثنائية، لا يعتبر الطالب محمد الحلاق ممثلاً
لكافة من تقدموا بطلب اللجوء إلى ألمانيا ما بين 2015 و2019، وبلغ تعدادهم 1.7
مليون شخص، الأمر الذي جعل ألمانيا تحتل المركز الخامس عالمياً من حيث تعداد اللاجئين
الذين يعيشون فيها. يقول الحلاق إن بعضاً ممن وصلوا معه عبر تركيا ثم البحر
المتوسط لم يلتقطوا سوى كلمات قليلة، ويأخذون الأمر ببساطة.
ولكن الحلاق
في نفس الوقت ليس فريداً من نوعه، فما يزيد عن عشرة آلاف شخص ممن وصلوا إلى
ألمانيا كلاجئين في عام 2015 باتوا يتقنون اللغة بما يكفي للالتحاق بجامعة ألمانية
للدراسة. وأكثر من نصف أولئك الذين جاؤوا لديهم وظائف ويدفعون الضرائب، وأكثر من
80 بالمائة من اللاجئين الأطفال والفتيان يقولون إن لديهم إحساساً قوياً بالانتماء
إلى مدارسهم الألمانية ويشعرون بأنهم محبوبون من قبل أقرانهم.
قصص النجاح،
من مثل قصة الحلاق، تثبت صوابية التفاؤل الذي عبرت عنه أنجيلا ميركل في جملة نطقت
بها في مثل هذا الأسبوع قبل خمسة أعوام، في ذروة واحدة من أصعب السنين وأكثرها
اضطراباً في التاريخ الأوروبي الحديث – وهي جملة كادت أن تكلفها منصبها، واضطرت هي
نفسها إلى التراجع، ولو جزئياً، عنها.
في محاولة
منها لتبديد القلق بشأن تزايد أعداد الناس الذين يتقدمون بطلبات لجوء إلى ألمانيا
ذلك الصيف، وجلهم كانوا من سوريا والعراق وأفغانستان، وقفت المستشارة الألمانية في
وسط برلين يوم الحادي والثلاثين من أغسطس / آب 2015 لتعلن في مؤتمر صحفي قائلة:
"أقول لكم بكل بساطة إن ألمانيا بلد قوي."
وأضافت
المستشارة قائلة: "لابد أن يكون الدافع الذي ننطلق منه في التعامل مع هذه
المسائل هو أننا تمكنا من استيعاب الكثير، وسوف نتمكن من استيعاب ذلك أيضاً."
وبينما كان التلفزيون الألماني يبث المقابلة التي أجريت معها، كانت العناوين
الرئيسية في الأخبار تفيد بأن المجر بصدد إرسال قطارات محملة بالناس باتجاه الحدود
مع ألمانيا. وفعلاً، في الأسبوع التالي فقط، وصل ما يقرب من عشرين ألفاً منهم إلى
المحطة المركزية للسكة الحديد في ميونيخ.
غدا المقطع
الألماني الذي استخدمته ميركل، وهو "فير شافين داز"، محفوراً في
الذاكرة وذلك من كثرة ما اقتبس في الأسابيع والشهور التي تلت ليرد به عليها أولئك
الذين اعتقدوا بأن الرسالة المتفائلة للمستشارة الألمانية هي التي شجعت الملايين من
اللاجئين الآخرين على ركوب المخاطر عبر البحر المتوسط، حتى أن مجلة ذي سبيكتاتور
كتبت حينها تقول: "سوف يصعب الآن تصويب ما ارتكبته ميركل من أخطاء: لا يمكن
سحب ما تفوهت به من كلمات. لقد فاقمت من مشكلة سنظل نعاني منها لسنوات قادمة، بل
ربما لعقود."
اكتشف حزب
البديل الألماني، الذي تأسس قبل عامين من ذلك على أساس برنامج سياسي مناهض
لأوروبا، ذريعة شعبوية جديدة. حينها قال هذا الحزب اليميني إن ميركل حينما تقول
"سوف نستوعب" إنما تقصد القول "عليكم أن تستوعبوا"، وكأنما
تطالب الشعب الألماني بأن يتحمل مستويات متزايدة من الجريمة والإرهاب والإخلال
بالنظام العام.
وحينها أعلن
أليكسندر غاولاند، السياسي في حزب البديل الألماني، في خطاب له أمام مهرجان نظمه
الحزب في أكتوبر / تشرين الأول 2015: "لا نريد أن نستوعب ذلك." وعلى أثر
الاعتداءات الجنسية التي ارتكبت ليلة عيد الميلاد في كولون، وهجوم باتاكلان
الإرهابي في باريس وهجوم الشاحنة في سوق بريتشيدتبلاز في برلين أثناء عيد الميلاد
– بدا وكأنما كانت تلك المواقف تلقى قبولاً لدى قطاع متزايد من الجمهور الألماني
حتى حينما لم تكن الجرائم ترتكب من قبل أشخاص وصلوا إلى ألمانيا في 2015.
وبحلول عام
2017، سادت رؤية مفادها أن عبارة "فير شافين داز" هي التي ستقضي على
ميركل، وأنها، كما قال دونالد ترامب في شهر يناير / كانون الثاني من ذلك العام
كانت "خطأ كارثياً"، أو كما قال نايجل فراج في مقابلة مع قناة فوكس نيوز: "أسوأ قرار يتخذه زعيم أوروبي في العصر الحديث" مضيفاً أن ميركل قد
"انتهت".
إلا أن ميركل
ما تزال اليوم تتربع على عرش أكبر اقتصاد في أوروبا، ومعدلات القبول الشخصي لها
عادت إلى ما كانت عليه في مطلع عام 2015، وارتفعت شعبية حزبها "الاتحاد
الديمقراطي المسيحي" في استطلاعات الرأي إلى مستويات قياسية بفضل الجائحة
العالمية. وعندما تتنحى ميركل قبيل إجراء الانتخابات الفيدرالية في عام 2021، كما
هو متوقع، فإن خليفتها – كما يبدو حالياً – سيكون في الأغلب من التيار الوسط وعلى
نهجها وليس من التيار المتشدد الذي يعد بقطيعة رمزية مع المواقف التي اتخذتها إزاء
الهجرة.
في هذه
الأثناء لم يصل حزب البديل الألماني إلى النقطة التي "يمكن أن يصبح عندها ثاني
أكبر حزب في البلاد" كما تنبأ المؤرخ نيول فيرغوسن في فبراير / شباط من عام
2018. صحيح أن الحزب أسس لنفسه حضوراً ثابتاً في البرلمانات المحلية في أنحاء
ألمانيا، وخاصة في الولايات التي كانت سابقاً جزءاً من الشرق الاشتراكي، ولكن
المستوى الفيدرالي لحزب البديل الألماني تراجع في استطلاعات الرأي إلى المرتبة
الرابعة بعد أن كان في المرتبة الثالثة وبعد أن فاز بما نسبته 12.6 بالمائة في
انتخابات عام 2017. ثم ما لبث أن تلقى ضربة بسبب الشجار الداخلي منذ أن سقطت
الهجرة من المواقع المتقدمة في الأجندة السياسية.
تبدد هاجس
الإرهاب الجهادي، الذي كان البعض يخشى أن يضرب في قلب الوسط الأوروبي نتيجة لأزمة
اللاجئين، وغاب تماماً عن الأنظار في السنوات الأخيرة. فبعد الهجمات السبع ذات
الصلة بدوافع إسلاموية في ألمانيا في عام 2016، والتي وصلت ذروتها في هجوم الشاحنة
داخل سوق عيد الميلاد في برلين في شهر ديسمبر / كانون الأول، لم تشهد البلاد أي
هجمات إضافية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.
يذكر بيتر
نيومان، خبير الإرهاب في قسم الدراسات الحربية في كينغز كوليج التابعة لجامعة
لندن، أنه دُعي إلى برنامج في التلفزيون الألماني في أوج الأزمة في عام 2015،
ويقول: "قدمت أفضل تحليل متفائل لدي حينها، ولكني في الأعماق مني كنت قلقاً
للغاية. هل يمكن لذلك أن ينجح؟ مع قدوم مليون شخص تقريباً لا نعرف عنهم إلا النزر
القليل؟ في نهاية المطاف، تبين أن تلك المخاوف لم تكن في محلها."
ويضيف:
"نعلم أن بعض الرجال الضالعين في هجوم باتاكلان استغلوا الفوضى لكي يُهرّبوا
أنفسهم إلى أوروبا، في بعض الأوقات منتحلين شخصيات لاجئين سوريين. ونعلم أيضاً أن
معظم الناس الذين وصلوا كانوا ذكوراً في سن الشباب، وهي التركيبة السكانية الأكثر
عرضة للتطرف. ومع ذلك، بإمكاننا الآن أن نقول إن أسوأ ما كنا نخشاه لم يتحقق.
بالتأمل في ما جرى من أحداث ندرك أن انهيار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حصل
بسرعة أكبر بكثير مما كنا نتوقع. وصار واضحاً الآن أن ما كان يجذب الشباب إلى داعش
فترة من الزمن لم يكن فكرهم بقدر ما كان نجاحهم، ولذلك عندما لم يعد تنظيم الدولة
الإسلامية ناجحاً لم يعد جذاباً."
ولكن نيومان
يؤكد على أن ذلك الإنجاز كان أيضاً بفضل الكفاءة المتزايدة لوكالات الاستخبارات
الألمانية. فبحسب البيانات التي جمعها بيتر نيسير، كبير الباحثين في مؤسسة أبحاث
الدفاع النرويجية، تم إحباط 16 مخططاً إرهابياً بدوافع جهادية كان من المقرر أن
تنفذ على الأرض الألمانية منذ مطلع 2015، وهذا أكثر من فرنسا وأكثر من بريطانيا
خلال نفس الفترة الزمنية.
البلدان
الأصلية
هناك ما يثبت
أن أحداث صيف عام 2015 ساهمت بشكل كبير في استنفار الدوائر المتطرفة في معسكر
اليمين الألماني وكذلك في زيادة تطرفها، وهي التي استهدف عناصرها مراكز اللجوء
بهجمات حارقة أو قاموا باغتيال سياسيين يحملون وجهات نظر مؤيدة للهجرة، مثل والتر
لوبك من الاتحاد الديمقراطي المسيحي. لا يوجد بلد في أوروبا شهد ما شهدته ألمانيا
من عنف شديد وفتاك مارسه معسكر اليمين في 2019.
سجل مكتب
التحقيقات الجنائية الفيدرالي في ألمانيا ارتفاعاً في الاعتداءات الجنائية، بما في
ذلك الجرائم العنيفة، خلال السنوات ما بين 2014 و 2016، رابطاً ذلك بتدفق
المهاجرين. كما تضاعفت النسبة المئوية لطالبي اللجوء الذين أدينوا بمثل هذه
الجرائم خلال نفس الفترة. إلا أن معظم هذه الجرائم كانت داخل مراكز اللجوء حيث كان
يسكن في البداية القادمون الجدد. وفي عام 2017، عندما زعم ترامب أن "الجريمة
في ألمانيا في تصاعد" لأنها استوعبت "جميع أولئك القادمين غير الشرعيين"،
كان عدد الجرائم المسجلة بالمجمل في تناقص. وفي العام الماضي سجلت معدلات الجريمة
في ألمانيا أقل مستوى لها على الإطلاق منذ 18 عاماً.
ماذا عن
الجريمة المنظمة على حدود أوروبا حيث يقوم مهربو البشر باستغلال أولئك الذين هم
على استعداد للمخاطرة بكل شيء رجاء الحصول على حياة أفضل؟ في كتاب صدر في 2017 حول
إصلاح سياسة اللجوء، يقول الاقتصادي البريطاني بول كوليير إنه "على الرغم من
أن القطاع مؤسس بشكل جيد في منطقة البحر المتوسط، إلا أن الارتفاع الهائل في الطلب
والذي حفزته الدعوة التي وجهتها ألمانيا زاد الطلب على التهريب من قبل العصابات
الإجرامية."
إلا أن جيرالد
نوس، رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبية، وهو عبارة عن مركز أبحاث يقدم الاستشارات
للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول سياسة الهجرة، يعارض ذلك بشدة، ويقول:
"فكرة أن ميركل هي التي أوجدت أزمة اللاجئين كانت فكرة سخيفة في عام 2015،
بل وهي حتى أشد سخافة عندما نلقي نظرة على ما كان يجري في حينه."
أخفقت
الدراسات التجريبية في إثبات أن عبارة ميركل "فير شافين داز" كان لها
دور في تكثيف حركة اللاجئين باتجاه أوروبا، على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون
جذب الانتباه إلى موقف ألمانيا الليبرالي قد أثر في قرارات أولئك الذين كانوا
حينها موجودين داخل أوروبا.
يقول نوس:
"السؤال هو: ماذا كان بإمكانها أن تفعل بشكل مختلف؟ تعيد إقامة الحدود وتحاول
أن تفعل ما قامت به فرنسا بعد هجمات باتاكلان في نوفمبر / تشرين الثاني 2015،
وإعادة كافة المهاجرين غير النظاميين إلى إيطاليا؟ أثبت ذلك فشلاً ذريعاً: فقد
تلقت فرنسا في 2019 عدداً من طلبات اللجوء يكاد يكون ضعف عدد ما تلقته في 2015. لا
يمكنك غلق الحدود الشاسعة بمجرد الكلام وبزيادة عدد قليل من حرس الحدود، بينما تم
لحسن الحظ استبعاد الإجراءات القاسية في ألمانيا."
إلا أن الموقف
الألماني في عام 2015 كان متفائلاً أكثر من اللازم كما أثبتت الأيام، فقد كانت
حكومة ميركل فيما يبدو تعتقد بأن الأحداث الجسام ذلك الصيف كانت ستؤدي إلى إصلاح
سريع لنظام دبلن، وهي الآلية التي تحدد من هي الدول التي تناط بها مسؤولية التدقيق
في طلب ما للجوء. يقول نوس: "لقد ظن الألمان أن الجميع سيوافقون على نظام
المحاصصة لأن في ذلك إنصافاً، ولكنهم لم يبينوا كيف سيتم تطبيق ذلك في الواقع
العملي."
بدلاً من ذلك،
اتخذت حكومة ميركل خطوات أحادية لخفض معدل القادمين الجدد إلى أدنى حد. وفعلاً،
بفضل اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي على وقف الهجرة غير النظامية واستبدالها
ببرنامج إعادة توطين، وهو البرنامج الذي طوره مركز الدراسات الذي يعمل فيه نوس،
أمكن وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا في عام 2016. في ما بعد، حاولت حكومة ميركل
الحد من طلبات اللجوء الواردة من شمال أفريقيا، وذلك من خلال إضافة الجزائر
والمغرب وتونس إلى قائمة البلدان التي تعتبر آمنة، مع أن ذلك المقترح تم رفضه في
وقت لاحق من قبل مجلس الشيوخ في البرلمان الألماني.
في شهر مارس /
آذار من هذا العام، أطلقت ألمانيا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لردع اللاجئين
السوريين عن الرحيل إلى وسط أوروبا. وصوت ائتلاف ميركل مع الحزب الديمقراطي
الاجتماعي في يسار الوسط ضد استيعاب ولو حتى خمسة آلاف فقط من اللاجئين المستضعفين
المحصورين في المخيمات اليونانية.
لم تتراجع
ميركل عن كلامها الذي صرحت به في أغسطس / آب 2015، كما كان يصر عليها الكثيرون
حتى من داخل حزبها هي، ولكنها تعهدت بأن الوضع الذي نشأ حينذاك لن يتكرر على الأرض
الألمانية في فترة حكمها.
معدلات القبول
لدى الجمهور
في عصرية
قائظة في أحد الأحياء الجنوبية لمدينة برلين تجري الإعدادات على قدم وساق لكرنفال
الصيف السنوي داخل مركز الترانزيت مارينفيلد، وهو مخيم خرساني مزدحم، كان في
الماضي أول محطة يصل إليها الألمان الشرقيون الهاربون إلى الغرب أثناء الحرب
الباردة، ويسكن فيه الآن طالبو اللجوء من مختلف أنحاء العالم. بينما يقوم
المتطوعون بوضع الطاولات على مسافات تراعي التباعد الاجتماعي ويعلقون الأكاليل في
الساحة، احتشدت مجموعة من الرجال والنساء القادمين من سوريا وأفغانستان والعراق في
الداخل للقاء مسؤولة الاندماج في مجلس برلين ليطلبوا مشورتها ويبثوا لها همومهم
وتظلماتهم.
يعرب سوري
يبلغ من العمر أربعة وأربعين عاماً عن الخشية من أنه قد يرسب في اختبار اللغة
الشهر القادم، على الرغم من أنه بحاجة إلى تصريح حتى يتمكن من البدء في العمل.
وكانت دروس اللغة الألمانية قد ألغيت بسبب الجائحة، وإشارة استقبال الإنترنيت داخل
المعسكر أضعف من أن تسمح له بالتعلم أونلاين. يقول الرجل الذي أحجم عن الإفصاح عن
اسمه خشية أن يسبب ذلك له مشكلة مع السفارة السورية: "برلين على أعتابنا،
وتلك هي أوروبا. ولكن هذا الملاذ ما هو إلا سوريا صغيرة: الجميع فيه يتكلمون
العربية."
لم تكن
ألمانيا هي الوجهة التي اختارها بمحض إرادته هذا الرجل الذي هو أب لثلاثة أطفال،
والذي وصل إلى البلاد من خلال برنامج إعادة التوطين الذي تشرف عليه وكالة اللاجئين
التابعة للأمم المتحدة في عام 2018. رغم أنه ممتن لحكومة ميركل التي وافقت على
استيعابه، إلا أن طول انتظاره لتصريح العمل بدأ يرهقه. وكان قبل أن يأتي إلى برلين
قد عمل طاهيا للمعجنات في أزميت بتركيا، ولكن لا تقبل المخابز الألمانية بمؤهلاته –
ويتوجب عليه أن يخضع لتدريب على المهنة من جديد لمدة عامين. يقول عن ذلك:
"إنه لأمر محبط للغاية."
تؤكد له
مسؤولة الاندماج أنها تتعاطف معه في محنته، فكاترينا نيوفيدزيال، التي تعمل في هذه
الوظيفة منذ 2019، هي نفسها كانت مهاجرة ذات يوم حينما وصلت إلى ألمانيا من بولندا
وهي في الثانية عشرة من عمرها، وتعرف انطلاقاً من تجربتها الشخصية مناحي الحياة
العامة التي تفتقر فيها ألمانيا إلى الاستعدادات اللازمة لإنجاز مهمة إدماج
واستيعاب القادمين الجدد.
كثيراً ما
يتردد أرباب العمل الألمان في قبول المؤهلات الأجنبية. إذا لم تتوفر لدى المهاجرين
الشهادات التي تثبت أنهم مؤهلون للقيام بالوظيفة المطلوبة، فبإمكانهم إثبات مهاراتهم
من خلال المقابلة، ولكنهم يحتاجون حينها إلى إتقان اللغة الألمانية حتى يتمكنوا من
التعبير عن أنفسهم – وهو تحد كبير بالنسبة لمن تجاوزوا الأربعين مقارنة بالشباب
مثل الحلاق. في السنة الماضية، نفذت غرفة التجارة الألمانية فقط ثمانين من عمليات
"تحليل المؤهلات" في كل أنحاء ألمانيا.
كثيراً ما
ينتهي المطاف باللاجئين إلى العمل في وظائف أدنى بكثير مما يحملونه من مؤهلات، مثل
الطهي، وهذه بحد ذاتها وظيفة غير مضمونة، وتم تسريح كثير من العاملين في هذا
القطاع بسبب الجائحة. ففي مايو / أيار من هذا العام، زادت نسبة العاطلين عن العمل
في برلين ممن لا يحملون جوازات سفر ألمانية بما يقرب من 40 بالمائة مقارنة بما
كانت عليه في نفس الفترة من عام 2019.
يرى كثير من
الخبراء أن دروس الاندماج التي تعتبر إلزامية بالنسبة للاجئين في ألمانيا منذ عام
2005 لم تعد تفي بالغرض منها، حيث أنها تعيق انطلاق أصحاب المؤهلات الأكاديمية
بينما تفشل في تقديم مساعدة حقيقية لمن يصلون وهم عاجزون عن القراءة والكتابة.
خلال السنوات الخمس الماضية ارتفعت النسبة المئوية لمن يرسبون في اختبار اللغة
بدلاً من أن تنخفض. ومع ذلك فإن نيوفيدزريال متفائلة، حيث تقول: "يمكن لألمانيا
أن تكون بلداً بطيئاً جداً، مليئاً بالبيروقراطية المرهقة. ولكنها أيضاً قادرة على
التعلم من أخطائها واستلهام العبر منها."
وتقول إنه منذ
عام 2015، وسعت الدولة بشكل هائل سلطة اللجوء، وأوجدت الآلاف من الوظائف لتنسيق
جهود المتطوعين، وحولت الملاذات إلى بيوت دائمة، ودربت المعلمين المتخصصين.
"لقد نجحت ألمانيا، وهي قصة نجاح باهرة، حتى وإن لم يكن هناك من لديه الشجاعة
ليؤكد ذلك حتى الآن."
تواريخ مهمة
27 أغسطس / آب 2015
واحد وسبعون
مهاجراً عثر عليهم أمواتاً داخل شاحنة مبردة تم التخلي عنها في النمسا. فجر هذا الاكتشاف
موجة من السخط الدولي، وساهم في حمل عدة بلدان على فتح حدودها أمام الناس الفارين
من الحرب ومن العوز.
31 أغسطس / آب 2015
المستشارة
الألمانية أنجيلا ميركل تقول "فير شافين داز" – سوف نستوعب ذلك – بعد
أن زارت معسكراً للاجئين القادمين حديثاً. أعلنت بعد ذلك مباشرة سياسة الباب
المفتوح. وخلال العام التالي تقدم ما يزيد عن مليون شخص بطلب اللجوء في ألمانيا.
13 نوفمبر / تشرين الثاني 2015
هجوم باتاكلان
في باريس هو الأول في سلسلة من الهجمات الفتاكة شنها متطرفون ينتمون إلى تنظيم
الدولة الإسلامية (داعش) في مختلف أرجاء أوروبا. وفي يوليو / تموز 2016، يقوم سوري
أعلن دعمه للمجموعة بقتل نفسه وجرح خمسة عشر آخرين بقنبلة من صناعة منزلية فجرها
في مهرجان للموسيقى في بلدة آنسباخ الألمانية. استغل اليمين المتطرف ذلك الهجوم
لكي يوجه انتقاداً لسياسة ميركل المرحبة باللاجئين.
مارس / آذار
2016
يبرم الاتحاد
الأوروبي صفقة مع تركيا لإعادة جميع اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر
بحر إيجة. وجراء ذلك انخفض بشكل حاد عدد الأشخاص القادمين إلى ألمانيا وغيرها من
البلدان الأوروبية لطلب اللجوء فيها.
19 سبتمبر / أيلول 2016
يتكبد حزب
ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، تراجعاً في الدعم الشعبي وصل إلى 18 بالمائة في
انتخابات ولاية برلين، بينما يتمكن الشعبويون من حزب البديل الألماني من دخول
برلمان ولاية العاصمة الألمانية للمرة الأولى. والعمدة يحذر من أن مستوى الدعم
الذي حصل عليه هؤلاء "سوف ينظر إليه الناس حول العالم على أنه علامة على عودة
معسكر اليمين والنازيين إلى ألمانيا."
19 ديسمبر / كانون الأول 2016
تونسي تم رفض
طلب لجوئه يقتحم بشاحنة سوق عيد الميلاد في برلين فيقتل 12 شخصاً ويجرح 70. وتعلن
داعش مسؤوليتها عن الهجوم.
24 سبتمبر / أيلول 2017
الشعبويون من
حزب البديل الألماني يدخلون البوندستاغ، البرلمان الألماني، كثالث أكبر حزب فيه.
وبعد أن تشكل ميركل ائتلافاً مع الديمقراطيين الاجتماعيين، يصبح حزب المعارضة
الأكبر.
أكتوبر /
تشرين الأول 2018
بعد تكبدها
لهزيمة ساحقة في الانتخابات المحلية، ميركل تقول إنها ستتنحى عن زعامة الاتحاد
الديمقراطي المسيحي مباشرة، وأنها لن تنافس في انتخابات 2021، وبذلك تكون فترة
حكمها الرابعة كمستشارة ألمانية هي الأخيرة.
2020
معالجة ميركل
لأزمة فيروس كورونا بشكل فعال تعيد إليها شعبيتها، وخاصة في ظل تباطؤ وارتباك كل
من الولايات المتحدة وبريطانيا. يشير استطلاع للرأي أن ثمانين بالمائة من الألمان
يرون بأنها تؤدي عمليها بشكل جيد جداً.