قضايا وآراء

شاء المحتل والطاغية أم أبى.. الثورة فلسطين

نزار السهلي
1300x600
1300x600
لم يتوفر لقضية كما قضية فلسطين؛ أن شغلت حيزا من الاهتمام والجدل والنقاش في أوساط الفلسطينيين أنفسهم على النحو الذي استغرقه نقاش علاقة الأنظمة الرسمية العربية بالقضية وشعبها، اهتمام وجد دوافعه الأساسية في حالة الاشتباك والتداخل لهذه القضية كسمة حتمية لمحاولات تفكيك روابط قضية التحرر في الشارع العربي مع تحرير فلسطين، التي جعل منها النظام العربي مطية لإضفاء مسحات من التسلط والظلم والقهر، والتفقير والإذلال لمجتمعات عربية، حتى تبدو مثقلة كاهل شعوب تجلد بسياط القمع.

وُلدت قناعة في صفوف الشارع العربي والفلسطيني أن التسبب في محنة القضية لا يقتصر على مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين، بل على استثمارها في سلوك الأنظمة المكمل لنكبة فلسطين في إحباط أي قضية متعلقة بالتحرر والكرامة الإنسانية.

ثقل هذا الإحباط والتوتر ناجم بصورة أساسية عن تراكم طويل اتسم عموما بشمولية القمع العربي لشوارعه ومجتمعاته، مع تنوع مظاهره وأشكاله التي تطورت لفاجعات تحطيم هذه المجتمعات وسحقها، وزيادة وتيرة الاستبداد برفع منسوب القتل والتهجير والتقسيم بشكل موازٍ، لإقصاء الفلسطينيين من التعبير الذاتي عن هويتهم، وطمس وجودهم وفك روابط الصلة بينهم وبين عمقهم العربي والإسلامي والحضاري، ودون تجاهل أشكال الألاعيب السياسية التي برع بعض النظام العربي في ممارستها على الفلسطينيين، وجعل قضيتهم مدخلا واسعا للمنافسات البهلوانية لسياسة عربية رسمية في الهرولة نحو التطبيع والتحالف مع الصهيوني، أو للمسارعة في تمتين جبهة الطغاة للقضاء على أية مطالب تشير لكرامة وحرية شعوب عربية.

لقد كان مسار العلاقة بين قضية فلسطين والنظام العربي في الماضي مخيبا لآمال شوارع عربية، فأقصيت جانبا ولم تُستفت لا في ميزانياتها ولا برلماناتها ولا رئاسياتها ولا في علاقاتها الخارجية.

اتسمت قضية فلسطين بأشكال مضاعفة للتآمر، وعلى نحو استثنائي تجري شيطنتها والطعن بها، للتأكد من توجيه البوصلة نحو القمع الداخلي من منظور يخدم التطبيع والتحالف مع الصهيوني، ويمكنه من التخلص المشترك من صداع "فلسطين قضيتي"، من أجل توفير بنية مفاهيم قائمة على أوهام جلب "السلام والأمان والرخاء" (بشعار فلسطين ليست قضيتي) لكراسي أنظمة متزعزعة أساسا جراء تقديم أساليب القمع والاستبداد للحفاظ على ديمومة نظام الحكم.

وبهذا المعنى يمكن تفسير المرونة التي يبديها النظام العربي في الخضوع الكلي لإملاءات عدو الفلسطينيين والعرب، والتبدل السريع في المواقف بتهافت مجاني عند إقدام نتنياهو وترامب على مواقف يصعب إخضاعها لمنطق أو قانون آخر غير التآمر، كما أن هذا العامل يلقي الضوء على تفسير النشأة السريعة للتحالفات السرية والعلنية مع إسرائيل.

التأثير الذي تمارسه نماذج بنية الأنظمة المستبدة، في الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة ودمشق مع أحلافهم الانقلابية في عواصم مختلفة؛ سيزيد من عوامل التوتر التي تميز نمط التفاعل مع قضية التحالف أو التآمر مع أعداء الشعب الفلسطيني.

والتأثير في صوغ المواقف لن يكون على المستوى الرسمي المتعري من كل شيء حتى من تحليل بنيته وظاهرته المكشوفة. والنتيجة التي قاد إليها هذا النمط من البنية العربية في العقد الأخير وعبرت عنها موجة الربيع العربي، هي نفس النتيجة الحتمية التي ستنتهي إليها انفجارات قادمة، مع ما اختمرته ذرى الوحشية والقمع والاستبداد والتآمر المتعددة الأشكال والأساليب.

الاستراتيجية العربية القائمة الآن، والتي تظهر اهتماما بحل "مشاكلها" الذاتية مع الاحتلال، والذي يفوق الاهتمام الذي كانت تدعيه لمراعاة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ينطوي على استعداد "أصيل" في محاربة الحقوق الفلسطينية، وعلى تكوين رد شعبي يؤدي باستمرار لرفض كل أشكال التطبيع والتآمر والتحالف، لأسباب بسيطة وجوهرية. فحالة فرض القهر والقمع والوحشية أضيف إليها عامل التحالف مع العدو، حتى تغدو هذه المسائل تعويضا عن فشل بناء مجتمعات حرة وديمقراطية وبناء دولة المواطنة.

هي استراتيجية أنتجت موجة من ثورات، فما بالنا بهذا التحالف والانتقال العلني لخندق المحتل وركوب طائراته ودباباته، والجهر بالعداء لقضية لا تتعلق بالشعب الفلسطيني وحده، بل تمس كل عربي حر بمعتقداته وتاريخه وحضارته، من المحيط للخليج، شاء الطاغية والمستبد والمحتل أم أبى؟!

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)

خبر عاجل

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie