هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع دخول الولايات المتحدة في أزمات متتالية، وتراجع
حظوظ الرئيس دونالد ترامب بالفوز بفترة ثانية، على أعتاب الانتخابات، ازداد انتشار
نظريات المؤامرة بين مؤيديه، وشكل تنظيم "كيو" مصدرها الأساسي، الأمر
الذي قد يشعل معركة جديدة بين البيت الأبيض والاستخبارات الأمريكية.
وإلى حين انتشار نظريات الحركة عبر الإنترنت
وتجاوزها حدود الولايات المتحدة، بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، لم يكن التساؤل
عن جذورها مطروحا بشكل كبير، رغم أنها تنشط منذ نهاية عام 2017، فيما كان أول ظهور
علني لأنصارها بأحد المهرجانات لأنصار ترامب في آب/ أغسطس 2018.
وفي شباط/ فبراير الماضي، أي قبل تفشي
الفيروس بالبلاد ودخولها بأزمة اقتصادية، أجرت الإعلامية الجمهورية "كايلي
مكيناني" مقابلة مع أحد أنصار ترامب على هامش تجمع في لاس فيغاس، ليتوجه
الرجل في نهاية حديثه بسؤال غريب للرئيس الأمريكي: "من هو كيو؟"، وردت
"مكيناني" بالتعهد بإيصال السؤال.
ولم يجذب ذلك الكثير من الانتباه آنذاك، إلا
أن تهاوي شعبية ترامب منذ ذلك الحين رافقها تفجر روايات عبر الإنترنت عن مؤامرة
يواجهها الرئيس الجمهوري من قبل "الدولة العميقة" التي "تعبد
الشيطان" وتتاجر بالأطفال من أجل الجنس، بحسب تقرير لـ"واشنطن
بوست"، ترجمته "عربي21".
وفي نيسان/أبريل الماضي، أصبحت
"مكيناني" متحدثة باسم البيت الأبيض، لكنها لم تجب بعد على التساؤل عن
هوية "كيو"، أو "كيو أنون"، الذي ترتبط به الكثير من الصفحات
عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتداول الآلاف نظرياته وشعاراته، التي بات أنصار
ترامب يكتبونها على قمصانهم الحمراء، إلى جانب "أمريكا أولا".
ويبدو أن الاستخبارات الأمريكية كانت متيقظة
لما يجري، فقد اعتبرت وثيقة لمكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، في
أيار/ مايو من العام الماضي، اطلعت عليها "عربي21"، أن "كيو
أنون" حركة تروج لنظريات
المؤامرة السياسية الهامشية المناهضة للفيدرالية، والتي "من المرجح أن تحفز
بعض المتطرفين المحليين على ارتكاب نشاط إجرامي قد يصل حد العنف".
اقرأ أيضا: تعرف على "المليشيات" في أمريكا.. نحو حرب أهلية ثانية؟ (ملف)
ويوضح تقرير
"واشنطن بوست" أن الحركة تعود بالأساس إلى منشورات جهة مجهولة الهوية
زعمت أنها من داخل الإدارة الأمريكية، واتخذت من الحرف "كيو" (Q) رمزا لها، في إشارة إلى تصريح الاطلاع على المعلومات السرية للبيت الأبيض.
لكن إدارة ترامب لم
تكتف بغض الطرف عن الكم الهائل من المعلومات المغلوطة التي تتدفق عبر الإنترنت من
قبل "كيو" وأنصاره، بل أظهرت دعما لهم، بحسب التقرير.
وتشير "واشنطن
بوست" في هذا الإطار، على سبيل المثال، إلى أن مديرة الاتصال في حملة ترامب
الانتخابية، إرين بيرين، شاركت ببرنامج للتنظيم عبر الإنترنت، فيما ظهر شعار
"كيو" على إعلانات للحملة الانتخابية ببعض الولايات الأمريكية.
وبدوره، نشر مدير
وسائل التواصل الاجتماعي ونائب رئيس موظفي الاتصالات في البيت الأبيض، دان سكافينو،
تغريدات تتضمن تعليقات ساخرة تستخدمها عادة حسابات التنظيم.
أما ترامب نفسه، فقد
أعاد نشر تغريدات لحسابات مرتبطة بـ"كيو" أكثر من 12 مرة في 4 تموز/ يوليو
وحده، ونشر نجله، إريك، مؤخرا صورة لحشد يرفع حرف "Q" كبير، وغرد بشعار التنظيم: "إلى
حيث نذهب متحدين، نذهب جميعا"، قبل أن يحذف التغريدة.
"الحبكة"
الرئيسية
وبحسب الحبكة الأساسية
لنظريات "كيو"، فإن الولايات المتحدة تديرها منذ عقود منظمة إجرامية
تشمل عائلات كلينتون وأوباما وروتشيلد، فضلا عن المستثمر اليهودي الكبير "جورج
سوروس" ونجوم من هوليوود وغيرهم من النخب العالمية.
ويزخر هذا السيناريو بقصص مروعة عن أطفال مخطوفين وشبكات لاستغلال الأطفال جنسيا،
ما يذكر بالفرضية التي راجت عن قيام ديموقراطيين بارزين مقربين من هيلاري كلينتون
بإخضاع أطفال لسوء المعاملة في مطعم بيتزا عائلي هادئ في واشنطن، وهي فرضية كادت
تتسبب بمأساة في كانون الأول/ديسمبر 2016 حين قام رجل بإطلاق النار على مطعم
"كوميت بينغ بونغ" للبيتزا دون سقوط إصابات.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: بايدن لن يحيد كثيرا عن سياسات ترامب الخارجية.. لماذا؟
ويشدد "كيو" على الأمريكيين البقاء متأهبين لرد ترامب الذي سيكون على
شكل "عاصفة" آنية تسقط المؤامرة وتعيد السلطة إلى الشعب.
وكسب "كيو" أتباعا بين أشدّ مؤيدي الرئيس الجمهوري مثل الممثلة "روزان
بار" ومؤسس موقع "إينفو وور" الذي يغص بمطلقي نظريات المؤامرة،
أليكس جونز.
وبفعل الريبة حيال وسائل الإعلام التقليدية التي يندد بها الرئيس نفسه ويصفها
بـ"عدوة الشعب" ويتهمها بنشر "أخبار كاذبة"، قد ينجح التنظيم
في ترسيخ موقعه ونشر نظرياته في حين تتعمق الانقسامات الكبيرة بين الناخبين
الأمريكيين.
وأتباع "كيو" على قناعة بأن ترامب وجه إليهم إشارة في تشرين
الأول/أكتوبر حين حذر الصحفيين من "الهدوء الذي يسبق العاصفة".
إلى أين؟
ولفت تقرير
"واشنطن بوست" إلى أن ارتباط مكيناني وغيرها من مسؤولي البيت الأبيض
بالتنظيم ليس هو الأخطر بالنسبة لمراقبين، بل إمكانية أن يصل عناصره اليمينيون
المتطرفون إلى مواقع صنع القرار وسن التشريعات في واشنطن.
وتابع بأن الأفكار التي
تنشرها حسابت "كيو" ويتبناها أنصاره، ولا سيما اعتبار أن ترامب شخص
يحارب دولة عميقة، وأنه الوحيد الذي يمكن الوثوق به، وأن خصومه يشملون
الديمقراطيين وجمهوريين متواطئين، وأن منافسيه ليسوا مضللين فحسب بل إجراميين وغير
شرعيين، وغير ذلك الكثير، باتت مبادئ رئيسية لحملة إعادة انتخاب الرئيس، خاصة مع فقدانه
الأمل باستمالة قطاعات من الوسط واليسار وأغلب أبناء الأقليات العرقية، وخاصة
السود.
ومع ازدياد خطورة
المنشورات المتداولة، وبعضها يهاجم أشخاصا وشركات بعينها، اتخذت منصة "تويتر"
مؤخرا إجراءات ضد حصابات التنظيم، وأغلق الآلاف منها، فيما لا تزال
"فيسبوك" قيد دراسة الأمر، وسط انتقادات لـ"مارك زوكربيرغ"
إزاء "التراخي" في مواجهة المنشورات اليمينية المتطرفة.
وفي المقابل، فإن رهان
ترامب على "كيو" ودعمه لمروجي نظريات المؤامرة رغم التحذيرات الأمنية
والاستخباراتية بل والصحية، المرتبطة بفيروس "كورونا"، لا يبدو موفقا
تماما، إذ إن استطلاعا أجراه معهد "بيو" أظهر أن ربع الأمريكيين
البالغين فقط سمعوا بالتنظيم.
ورغم ذلك، بحسب "واشنطن
بوست"، فإن "كيو" قد يطغى في لحظة ما على الحزب الجمهوري، ما لم
تتم معالجة الأزمة المعقدة، المرتبطة بأزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية.