هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وثائق حصلت عليها حصريا، تكشف عن حوارات عاصفة بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وبريطانيا.
وأكد في المعلومات التي حصلت عليها بمقتضى قانون حرية المعلومات في بريطانيا، أن مبارك اشتبك في حوارات مع البريطانيين، على أعلى المستويات، بشأن وتيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر، ومَنْ يحددها.
وقال مبارك حينها: "احسب قدرة الشعب على التحمل، واشرح له، ثم انتظر الوقت المناسب للتطبيق".
وبحسب "بي بي سي"، فإن نظام مبارك دأب على وصف زياراته الخارجية بأنها ناجحة. غير أن بعضها، على الأقل، لم يكن كذلك.
وأشارت إلى زيارة مبارك لبريطانيا عام 1988، كما تكشف وثائق سرية بريطانية، حين وقعت خلافات قوية خلف الأبواب المغلقة.
وأنهى مبارك مستاء، أحد هذه الحوارات قبل استكمال النقاش بشأن الحالة الاقتصادية المصرية.
اقرأ أيضا: "علاء مبارك" يربط احتجاجات أمريكا برحيل والده
وزار مبارك لندن يومي 25 و26 يناير عام 1988. في تلك الفترة، واجه الاقتصاد المصري صعوبات كبيرة. وجرت مفاوضات بين القاهرة ونادي باريس بشأن إعادة جدولة ديون مصر.
في هذه الأجواء، وضعت العلاقات الاقتصادية بين مصر وبريطانيا على رأس أجندة محادثات مبارك في لندن، التي التقى خلالها بوزير الخزانة، نايجل لوسون، بعد لقائه بمارغريت ثاتشر رئيسة الوزراء آنذاك.
وقبيل الزيارة، عمّم وزير الخارجية البريطاني، جيفري هاو، مذكرة سرية على الجهات المختصة في بريطانيا تؤكد إصرار حكومته على تسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر، وألا يقدم المسؤولون البريطانيون أي تعهد لمبارك بشأن تقديم أي شكل من أشكال المعونات الاقتصادية الإضافية.
ورغم تأكيده نية التعهد بمواصلة مساندة بريطانيا للإصلاح الفعال والمستدام، ذكر التعميم أنه سيتم "تجنب تقديم أي التزام محدد بمعونات أو ائتمانات تصديرية جدية".
وطالبت بريطانيا، كما قال الوزير، بأن تتخذ مصر إجراءات منها "توحيد سعر الصرف"، و "إجراء تخفيضات في عجز الموازنة عن طريق خفض انتقائي للدعم، ما يحرر الاقتصاد من العيوب"، و"زيادة في أسعار الفائدة لتصل إلى مستويات إيجابية حقيقية، ما يعطي إشارات صحيحة للمستثمرين".
ويكشف محضر اجتماع مبارك وثاتشر عن أن الرئيس المصري الراحل أصر على أن حكومته مضت في الإصلاح إلى أكبر حد يستطيع الشعب تحمله.
وقال نقلا عن مبارك: "مصر طبقت إصلاحات اقتصادية بعيدة المدى خلال العامين الأخيرين، أكبر بكثير من حيث الحجم من أي شيء حققه (سابقه) الرئيس السادات. غير أنه كان يجب عليه ( مبارك) أن يأخذ في الاعتبار ما يمكن أن يتحمله الرأي العام في مصر".
وأبدى مبارك امتعاضه من ضغوط صندوق النقد عليه "كي يفعل أكثر مما ينبغي بمعدل أسرع مما ينبغي"، مضيفا أنه "يجب أن يكون لمصر وقت للتنفس".
وحذر مبارك من توابع الاستجابة للضغوط، قائلا إنه "لو اتخذ بعض الخطوات التي يطالبه بها صندوق النقد، فستكون هناك قلاقل واسعة تشكل خطراً على الاستقرار ليس فقط في مصر ولكن على نطاق أوسع".
وقالت ثاتشر لمبارك إن "عليه أن يحقق توازنا بين التهديدات للاستقرار والإصلاحات الضرورية".
وعبرت عن أملها في أن "تتوصل مصر إلى اتفاق سريع مع صندوق النقد بشأن برنامج (إصلاح اقتصادي) أقوى".
اقرأ أيضا: هذا ما قاله مبارك في لقاءات سرية مع صحفية إسرائيلية
وبعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، أدين مبارك وابناه علاء وجمال، بالفساد، بالاستيلاء على 125 مليون جنيه مصري من مخصصات القصور الرئاسية.
وكان لقاء لوسون وزير الخزانة بمبارك، اللاحق للقاء ثاتشر، أكثر تركيزا على الاقتصاد، ولذا فكان أكثر سخونة وصعوبة.
ويكشف محضر اللقاء سير النقاش على النحو الآتي:
"لوسون: أتابع بشكل خاص مشكلات الاقتصاد المصري. وأدرك أن الحكومة المصرية أمامها مهمة صعبة في تحقيق الإصلاحات الضرورية. كيف يرى الرئيس الموقف؟".
ورد مبارك بالقول: "الحكومة فعلت الكثير في السنوات القليلة الأخيرة لإصلاح الضرر في الاقتصاد الناتج عن عدم فعالية الحكومات السابقة خلال الـ 25 إلى 30 عاما الماضية. غير أن الأمر يمكن فقط أن يمضي بوتيرة يقبلها الشعب. لا يمكنك أن تعالج رجلا مريضا بجرعة دواء فوق قدرته على هضمها".
وقال لوسون: "سياسات التعديل (الإصلاح) الاقتصادي في مصر لها، بشكل واضح، أهمية بالغة. غير أنه باستخدام المقارنة الطبية التي اتبعها الرئيس، فإن العلاج بالصدمة يكون مفيدا في بعض الأحيان".
ورفض مبارك بالقول: "هذا يكون ملائما فقط في بعض الأحيان. ولو فرضت الإصلاحات بمعدل أسرع من اللازم، فسوف يثير الناس الشغب، وهذا سوف يؤدي إلى أكثر من مجرد القضاء على أي منافع. وهذه هي تجربة المغرب والجزائر وتونس وزامبيا والسودان وكذلك مصر. الحكومة المصرية السابقة حاولت وفشلت في زيادة سعر البنزين قرشا واحدا. ونجحت حكومتي في زيادة السعر هذا العام بنسبة 100 في المئة".
وتساءل لوسون: "كيف حدث هذا؟"، ليرد مبارك: "عن طريق شرحي شرحا شاملا للشعب ما هو مطلوب، وبالانتظار لحين حلول الوقت الملائم لتطبيق إصلاح من هذا النوع".
وقال لوسون لمبارك: "كيف ترى وصفات صندوق النقد الدولي؟"، ليرد: "الصندوق يسعى إلى إصلاحات من وجهة نظر اقتصادية فقط. ولم يأخذ في الاعتبار البعد السياسي. ولو كانت مصر قد اتبعت شروط صندوق النقد الدولي حرفيا، فإنه لم يكن يتحقق أي شيء لأن الشعب لم يكن ليقبل أبدا التبعات".
وكان مبارك يشير إلى انتفاضة الخبز التي شهدتها مدن مصرية عدة يومي 18 و19 كانون الثاني/ يناير 1977 احتجاجا على قرارات خفض الدعم ورفع أسعار عدد من المواد الأساسية. واضطر السادات للتراجع عن القرارات التي كانت استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وقال لوسون: "برنامج الصندوق هو ما يعتقد (مسؤولوه) أنه ضروري لإعادة الاقتصاد المصري إلى وضع صحي"، إلا أن مبارك رد بالقول: "الأمر ربما يكون كذلك من وجهة نظر الصندوق. غير أنني أفْضَل شخص يستطيع أن يُقدر ما يمكن أن يتحمله الشعب المصري".
وأضاف مبارك: "فرض مثل هذه الشروط في مصر أصعب. وهناك شيوعيون ومتطرفون يمكن أن يستغلوا الموقف".
وعقب اللقاء، أشارت وزارة الخارجية إلى استياء مبارك من الموقف البريطاني وسير نقاشه مع وزير الخزانة.
وفي مذكرة سرية، قال رئيس إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا: "علمت للتو أن محاولات وزير الخزانة الخوض في نقاش تفصيلي (بشأن الاقتصاد المصري) مع مبارك قد تم تجاهلها".
وتشير الوثائق إلى أن مبارك أنهى النقاش مع الوزير البريطاني متذرعا بأنه يجب أن يغادر لندن متوجها إلى أمريكا.