العنوان أعلاه مجازي، وأخشى ذكر العنوان الذي في داخلي والمعبر بحق عما يجيش به المقال، مخافة أن يتحسس ناشر المقال مسدسه، ويطلقه في صمت على المقال، وربما على صاحبه إن استطاع.
لسنا أحرارا تماما، ولا حتى على مجرد التعبير، فثمة محرمات مقدسة لا يمكن المساس بها أو الاقتراب منها أو حتى تصويرها!
نحن معاشر الكتاب هنا في إسطنبول أو الدوحة أو لندن، وغيرها من ذوي الكتابة المغتربة المناضلة، كمن يركب قطارا وليس مسموحا له إلا المشاهدة من النوافذ المتاحة في القطار، ومحرم عليه التنقل بين العربات، ناهيك عن حرمة النظر إلى القيادة، أو مساءلته: أين تسير؟
انظروا من النافذة وهاجموا السيسي وحفتر وبن زايد وبن سلمان وسائر رموز الثورات المضادة، وفقط وغير مسموح لكم بانتقاد ذواتنا، ولا النبس ببنت شفة عن تقييم أدائنا، وإلا تُرموا من القطار تحت عجلات التخوين والتكفير وما بينهما.
تكتسب المعارضات العربية حصانتها المطلقة من بشاعة الأنظمة المناوئة لها، لكنها تصير منزهة وإن ضُبطت تمارس شيئا من تلك البشاعات، وتلك قسمة ضيزى، وكل حزب بما لديهم فرحون.
لم تصل عيناي إلى مقال ينتقد الأكابر الذين أوصلونا وشعوبنا العربية إلى ما وصلت إليه ثوراتنا المعذبة.
شعارات "ليس في الإمكان أفضل مما كان"، و"إنها فتنة" يلوكها القائمون الفشلة ليرضوا القوم ومن يدعمهم.
أما ضمير الكاتب المغترب فلا يسمح له أن تكون حروفه مادة يستغلها المجرمون هناك، ولكنه أيضا لا يقبل الخطأ أيّا كان مصدره، إذ القيمة مطلقة، وتعرف الرجال بالحق.
ما إن أعلنت عن عنوان حلقة "انتهاكات إعلام المعارضة لمواثيق الشرف الصحفي" حتى جاءتني السهام، وبعضهم حاربني في لقمة عيشي، أية حرية ندعو لها في شعاراتنا الثورية؟
لا مراجعات جدية تبدو في الأفق القريب أو البعيد، ولا تقييم علميا يتحسس مساراتنا المقبلة، لا رؤية إلا خطاب إغاثي يتبادل اللطم في كل مظلومية "أخرجوا المعتقلين" و"أنقذوهم من كورونا"، وأمام تلك الشعارات النبيلة في ذاتها تُنتهك قيم تربت أجيال على الحفاظ عليها، جرائم ترقى للحبس لتضمنها قذف أعراض، وتلفيق أخبار، وإطاحات بالمهنية لصالح الثلل إسلامية كانت أو ليبرالية.
مثلا: يهيجون إن وافق السيسي على صفقة القرن، ويخرسون إن دعا معارض ليبرالي لبيع سيناء تحت إمرة صاحبه حسن راتب كإجراء تمهيدي لصفقة القرن نفسها.
لقد طُوّع ودجن الضمير الصحفي بحيث يعيش أحول بعين واحدة لا يرى الشر إلا هناك إرضاء للكبار وللممولين.. ولكني مُصر: يحيا نضال الصحفيين.