نشرت
صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا، تناولت فيه مصير
أطفال مقاتلي تنظيم
الدولة من الجنسيات
الغربية.
وقالت
الصحيفة إن هناك حوالي 900 طفل يعيشون في معسكرات اعتقال قذرة مليئة بالأمراض في
شمال شرق
سوريا، وتصر الدول الغربية التي ينحدر منها آباء الأطفال على
إرجاعهم لبلادهم.
وتناولت
الصحيفة قصة فتاة فرنسية عمرها سبع سنوات على وشك الموت إن لم تتلق علاجا طارئا، حيث
أرسلت فرنسا طائرة طبية أعادتها إلى باريس لتلقي العلاج، لكنهم تركوا أمها وأخويها
وأختها التوأم هناك.
إعادة
الطفلة تيمية كان استثناء قليل الحدوث. ورغم ذلك، فإن الناشطين الحقوقيين يقولون إن
هذا يدل على أنه بإمكان الدول الغربية أن تعيد الأطفال إن هم أرادوا.
ونقلت
الصحيفة عن الباحثة في مكافحة الإرهاب في منظمة هيومان رايتسووتش ليتا تيلر قولها:
"لقد رأينا قسوة قلب رهيبة عندما يتعلق الأمر بتجاوب الحكومات مثل الحكومة
الفرنسية التي تتقن الحديث عن حقوق الإنسان. فإن كان بإمكان فرنسا استعادة طفل
واحد، فلماذا لا تستطيع أخذ عائلة كاملة؟".
وتقول
منظمات حقوق الإنسان إن "إبقاء الأطفال في سوريا يهدد صحتهم العقلية والجسدية، ويخاطر بتلقينهم أيديولوجية
تنظيم الدولة، وهو ما يتم في تلك المعسكرات، وقد يولد
جيل جديد عنيف من الجهاديين".
ويفتقر
الأطفال هناك إلى التعليم والرعاية الصحية الكافية، وهناك نقص في الطعام والماء الصالح
للشرب.
وتتفشى
الأمراض المعدية هناك، وتقتل عشرات الناس شهريا. كما أن هناك مخاوف متزايدة من تفشي
فيروس كورونا، ولكن ليس هناك حالات مؤكدة حتى الآن، بحسب مجموعة الأزمات الدولية.
عاش
بعض الأطفال في المعسكرات لسنوات، ومات على الأقل تسعة أطفال لآباء أوروبيين
لأسباب يمكن علاجها، بحسب مجموعة الأزمات الدولية.
بعض
البلدان استعادت الكثير من أطفالها. روسيا وكوسوفو وتركيا وأوزبكستان وكازاخستان، أعادت كل واحدة منها أكثر من 100 امرأة وأطفالها، حسب الصحيفة.
ولكن
أكثر الحكومات الغربية كانت مترددة في فعل ذلك، مشيرين إلى عوائق مثل صعوبة التأكد
من النسب، ومخاطر إرسال الدبلوماسيين إلى منطقة حرب، وعدم الرغبة في فصل الأطفال عن
أمهاتهم اللواتي لا ترغب بلدانهن في عودتهن.
وعندما
قام تنظيم الدولة بالسيطرة على مساحات أكبر من بريطانيا في سوريا والعراق عام 2014
وأعلن قيام الخلافة، سافر آلاف الأتباع من أنحاء العالم للانضمام إليها، كثير منهم
جلب معه الأطفال أو أنجب أولادا بعد وصوله هناك.
واعتقل منهم من نجا من الحملة العسكرية الأمريكية
الكردية ضد التنظيم، التي انتهت قبل أكثر من عام. وتم سجن الرجال في معتقلات مؤقتة، والنساء والأطفال في معسكرات.
وبينما
تثير مسألة استعادة البالغين أسئلة صعبة حول مدى مسؤوليتهم وخطورتهم، تعمل شبكة من
الناشطين والمحامين والأقارب في أوروبا وأمريكا الشمالية للضغط على الحكومات
لإعادة الأطفال؛ بحجة أنهم لم يختاروا الذهاب إلى سوريا، ويجب ألا يعاقبوا بسبب
أخطاء آبائهم.
ولكن
لم يحقق الناشطون لحد الآن سوى نجاحا محدودا، وعادة لأن الحكومات لا تريد التعامل
مع آباء الأطفال.
وقال محامي
حقوق إنسان في كوبنهاغن، تايغ ترير، الذي يحاول إعادة أطفال دنماركيين: "هناك
حجة لدى الحكومات بأنه لا يمكن اتهام الأطفال، ولكن لن نساعدهم؛ لأنه سيكون هناك أم، واحتمال أن يكون هناك أب سيخرج من السجن ليطالب بجمع الشمل مع الأطفال".
وبالرغم
من الصعوبات، إلا أن 20 بلدا قامت بإعادة بعض الأطفال، بحسب تيلر من هيومان
رايتسووتش، حيث قامت أمريكا بإعادة 15 طفلا، بحسب مسؤول في الخارجية الأمريكية،
ولكنه لم يقل كم تبقى منهم.
وهناك
26 طفلا كنديا عالقين في شمال شرق سوريا معظمهم أقل من ست سنوات من العمر، بحسب
تيلر. ومن ضمنهم اليتيمة أميرة التي تبلغ من العمر أربعة أعوام، التي ولدت
لوالدين كنديين في سوريا، وقتلت عائلتها في الحرب على يد تنظيم الدولة، ويحاول عمها
جلبها إلى كندا، لكن الحكومة الكندية رفضت السماح بذلك.
وقامت
دول أخرى بالتعامل مع كل قضية على حدة،
فتعطي أولوية للأطفال المرضى، لأن الحكومات لا تريد أن يموتوا في المعسكرات،
والأيتام الذين يمكن إعادتهم دون خشية عودة والديهم الجهاديين.
ومسألة
الإعادة إلى البلد مسألة شائكة في فرنسا، حيث تسببت هجمات تنظيم الدولة بمقتل أكثر
من 250 شخصا، ما جعل الفرنسيين يقفون ضد إعادة الجهاديين وعائلاتهم.
ومن
بين حوالي 300 طفل لوالدين فرنسيين في معسكرات سوريا تم إعادة 18 منهم فقط.
ودعت
القوات الكردية التي تدير المعسكرات إلى أنه يجب إعادة كل الأجانب (إلى بلدانهم)،
بحجة أنه لا يمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمى في منطقة غير مستقرة.
ولكن
الحكومة الفرنسية تعتبر النساء اللواتي انضممن لتنظيم الدولة مقاتلات، ويجب
محاكمتهن في الأماكن التي ارتكبن فيها الجرائم المزعومة، أي في سوريا أو العراق.
تلك
السياسة لم تترك خيارات أمام بعض العائلات الفرنسية، فقد حاول والدا مقاتل فرنسي
مع تنظيم الدولة أن يستعيدوا أحفادهم الأربعة وأمهم من معسكر سوري إلى فرنسا، لكن
دون نجاح.
وقال
الجد الذي أعطى اسمه الأخير فقط وهو لوبيز لحماية خصوصية عائلته: "ليس هناك
أي رحمة أو إنسانية تجاه هؤلاء الأطفال".
وتظهر
رحلة تيمية مدى تعقيد تلك الحالات؛ فقد
قام والداها بجلب أطفالهم الأربعة المولودين في فرنسا، بمن فيهم تيمية واختها
التوأم إلى سوريا، وولد لهم طفل آخر هناك.
وفي
عام 2015، ظهر أبوها، وهو جهادي فرنسي مشهور، في فيديو دعاية لتنظيم الدولة مع أخيها
الأكبر، حيث قام الولد بإعدام سجين برصاصة
في رأسه، وقتل الاثنان في 2018.
وامتنعت
صحيفة نيويورك تايمز عن نشر اسم عائلة تيمية، أو اسم أبيها أو أمها؛ لحماية
خصوصيتها.
وكانت
أمها قد سلمت نفسها مع أطفالها الأربعة المتبقين للقوات الكردية العام الماضي، وانضمت
إلى حوالي 80 ألف امرأة وطفل في معسكرات الاعتقال في سوريا.
وطلبت
أم تيمية من أقاربها في فرنسا مساعدتها ومساعدة أطفالها للعودة إلى فرنسا، لكن
الحكومة ترفض ذلك. وعندما أصبح وضع تيمية التي تعاني من خلل مزدوج في القلب صعبا وأصيبت
بالهزال، قام محامون ومؤسسات إنسانية بتبني قضيتها.
وقالت
أمها، في مقابلة هاتفية معها من معسكر الاحتجاز، عن ابنتها "إنها تموت".
وفي
نيسان/ أبريل، حيث كانت تيمية تتنفس بصعوبة وتورمت يداها وقدماها، سمحت الحكومة
الفرنسية بعودتها.
ولإدراك
أمها بأن اختيارها الانضمام لتنظيم الدولة يعني أن السلطات الفرنسية لا ترغب في
عودتها، تخلت عن حضانة ابنتها؛ كي تستطيع المغادرة.
وقالت
الأم: "كنت سعيدة وحزينة في الوقت ذاته، عرفت أنها أخيرا ستحصل على العلاج،
ولكن عرفت أيضا أنه سيمر وقت طويل قبل أن أستطيع ضمها بين ذراعي".
ويقول
المدافعون عن الأطفال إن تمكن فرنسا في جلب تيمية وسط جائحة عالمية حيث كانت هناك
حدود مغلقة وقيود على السفر الجوي، يظهر أنه عندما تتوفر الإرادة تتوفر الوسيلة. وانتقدوا
الحكومة الفرنسية لتركها إخوتها في سوريا.
وقالت المتحدثة
باسم اتحاد العائلات المنادي بإعادة عائلات الجهاديين الفرنسيين فيرونيكا
روي-بورين: "لماذا إعادة ذلك الطفل وليس أي طفل آخر؟ .. هل يجب أن يكون الطفل
على حافة الموت؟".
وقال
مسؤول فرنسي، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، إن فرنسا كانت تعمل على إعادة أكبر عدد
ممكن من الأطفال.
وقد
حذر عدد من خبراء الأمن القومي، في رسالة مفتوحة العام الماضي في الذكرى الـ18 لهجمات
11 أيلول/ سبتمبر، من أن الحياة في المعسكرات السورية "تقوي السردية الجهادية
السلفية حول المظلومية والانتقام، التي ثبتت فعاليتها الكبيرة في تجنيد
الأتباع".
ويعتقد
الخبراء أن ترك العديد من الناس هناك سيسمح للتاريخ بأن يعيد نفسه.
وقالت
أم تيمية: "سيكون الأطفال أسوأ من آبائهم.. لا أريدهم أن ينشأوا هناك".