كتاب عربي 21

لماذا يريدون تخريب تونس؟ ولماذا سيفشلون؟

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

لا تخطئ عين المراقب عندما تلاحظ أن ثمة "حملة" على تجربة ثورة تونس هذه الأيام، من أطراف داخلية وخارجية، اعتادت أن تضع العصي في دواليب الانتقال الديمقراطي في هذا البلد الجميل، الذي يخط تجربته الخاصة، ببطء، ولكن بمسار واضح.

وليس المقصود هنا فقط تكثيف الهجوم على رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة "راشد الغنوشي"، باتهامات سخيفة تتعلق بالمال العام والإثراء، ولا بكمية المقالات التي تنشرها صحف ومواقع مصرية وسعودية وإماراتية تتهمه وتتهم حركته بآخر شيء يمكن أن تتهم به وهو التطرف والسلطوية، في حين أن الحركة تتهم من بعض مؤيديها بالمبالغة في انفتاحها وتنازلها عن حصتها العادلة في السلطة بحسب نتائج الانتخابات، ولكننا نعني حملة بالمعنى الحرفي للكلمة، يقودها ويخططها "مايسترو" واحد، يسيطر على حركتها في الداخل والخارج.

فإضافة لتكثيف الضخ الإعلامي ضد النهضة ورئيسها، يمكن ملاحظة معالم أخرى للحملة على مسار تونس:


- صناعة حركة احتجاج وهمية، يقودها أشخاص مجهولون، تحت شعار "اعتصام الرحيل 2"، تهدف بحسب صحف سعودية! "لإعادة كتابة الدستور، وإقالة رئيس مجلس النواب لأنه غير منتخب من قبل الشعب، وصياغة قانون انتخاب جديد"، وكأن هناك رئيس مجلس نواب ينتخب مباشرة من قبل الشعب في أي بلد بالعالم!

- نشر تقارير إعلامية مفبركة في قنوات وصحف محور "الثورة المضادة"، كان آخرها تقرير لقناة الغد المقربة من الإمارات عن مظاهرات احتجاجية في 7 مدن تونسية، تبين أنها مظاهرات جرت قبل أسبوع من قبل جمهور كرة القدم. هكذا تتحول احتجاجات رياضية معزولة ببساطة إلى مظاهرات سياسية في سبع مدن!

 

اقرأ أيضا: خاص: بدء التحرك لمقاضاة مروجي الشائعات ضد راشد الغنوشي 


- ترويج إعلامي لمزاعم عن صراع على السلطات بين رئيس مجلس النواب ورئيس الدولة، واستغلال بعض الخطابات ذات الرسائل المختلطة من قبل الرئيس قيس سعيد لتعزيز هذه المزاعم، في حين أن أي طفل أو مبتدئ بالسياسة يعلم أن لا علاقة بين صلاحيات الرئيس في الدستور التونسي وصلاحيات رئيس مجلس النواب، وإذا كان هناك إمكانية لتنازع صلاحيات فمن الممكن أن يحصل بين الرئيس ورئيس الوزراء وليس رئيس مجلس النواب، الذي لا يملك صلاحيات تنفيذية!

لماذا يريدون تخريب تونس؟

لم تكن هذه المحاولة لتخريب مسار تونس هي الأولى. فقد بدأت دول الثورة المضادة سعيها للانقضاض على الانتقال الديمقراطي في عام 2013 بالاستفادة من أجواء خلقها الانقلاب العسكري في مصر، واستطاعت تحقيق بعض النقاط، ولكنها لم تنجح بشكل كامل حتى الآن، ولهذا فإنها تواصل المحاولة عند أي فرصة ممكنة.

 

ولعل السبب الأساسي الذي يجعل تونس هدفا لحملات التخريب من قبل محور "الثورة المضادة"، هو رمزية الثورة التونسية

 

باعتبارها موطن انطلاق الربيع العربي، ومصدر إلهام الشعوب العربية بإمكانية انتصار الثورات، فهي التي أثبتت أن الشعوب إذا أرادت الحياة "فلا بد أن يستجيب القدر"، وهو الأمر الذي شكل إلهاما لا يمكن القبول باستمراره بالنسبة لمحور الثورة المضادة، ولهذا فإنهم يريدون إنهاءه بأي ثمن.

أما السبب الآخر، فهو أن تونس تمثل جزءا من مجموعة دول تمتلك مسارا انتقاليا ناجحا بدرجات متفاوتة، ونعني بذلك المغرب تحديدا، ثم الجزائر بدرجة أقل، وأضيف لها مؤخرا ليبيا التي صارت الأحداث فيها تسير باتجاه يمكن أن يجعل تجربتها مؤهلة لنجاح نسبي. هذه النجاحات المتفاوتة جعلت محور الثورة المضادة ينشط في تلك الدول، في محاولة لتخريب مسارها الانتقالي.

 

وهو ما يحدث في تونس والمغرب سياسيا بشكل واضح، في حين يتخذ طابعا عسكريا في ليبيا عبر دعم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

 

اقرأ أيضا: الغنوشي يكسب دعوى قضائية ضد موقع عربي نشر أكاذيب

ولعل النجاحات النسبية في ليبيا، هي ما صعّدت من حملة محور الثورات المضادة في تونس بشكل علني، وفي المغرب بشكل ناعم أدى لظهور الخلافات المكبوتة على السطح خلال الأسابيع الماضية، ما يؤكد رغبة هذا المحور بمنع تشكّل منظومة ديمقراطية من عدة دول متجاورة في شمال إفريقيا.

لماذا سيفشلون؟

لا نشك للحظة أن محاولات تخريب تونس من قبل "الثورة المضادة" ستفشل فشلا ذريعا، لأسباب موضوعية كثيرة.

لقد كانت تونس عصية على التخريب منذ البداية وستبقى كذلك، لأن شعبها أثبت تصميمه على عدم العودة للماضي. صحيح أنه غير راض تماما عن المسار الانتقالي، وغاضب بسبب تأخير قطف ثمار الثورة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولكنه بنفس الوقت يدرك أهمية التغيير الذي حدث على صعيد الحياة السياسية ومستوى الحريات، وهو لا يريد العودة لدولة البوليس وعهد السرقة والفساد المحميّ بالقمع والاستبداد. 

وإذا كانت بعض النخب المعزولة في تونس رضيت بأن ترهن نفسها لأجندات التخريب الخارجية، بسبب انغماسها بالصراع الأيدولوجي مع النهضة، فإن غالبية النخب التونسية رضيت بالصراع داخل قوانين اللعبة الديمقراطية. فقد تمارس هذه النخب ألاعيب السياسة بأبشع صورها، ولكن ضمن إطار الدستور، ولذلك فإنها لن تقبل أن تكون جزءا من محاولات تخريب المسار الديمقراطي برمته، لأنها ستكون في مقدمة ضحايا هذا التخريب، إن حصل.

 

وبالمقابل، فإن حركة النهضة، وهي على رأس المستهدفين من محاولات تخريب تونس، أثبتت أنها قادرة على ممارسة سياسة حكيمة، غير مستفزة، ترضى بأقل مما تستحق حسب حجمها الانتخابي.

 

قد تخطئ بهذا القرار أو ذاك، ولكنها منذ نجاح الثورة غلّبت مصلحة التوافق وحفظ المسار الانتقالي على مصالحها وحقها بالحصول على نصيبها من السلطة، وهو هدف أي حزب سياسي في العالم.

وفوق كل هذه الأسباب التي تجعلنا متأكدين من فشل محاولات تخريب تونس، فإن رئيسا جاء بطريقة دستورية وشعبية، لن يقبل أن يرهن قرار بلاده لمشاريع تغيير غير دستورية.

 

اقرأ أيضا: البرلمان التونسي يعلق على وجود خلافات بين سعيد والغنوشي

 

قد يكون لديه خلافاته مع الحكومة أو البرلمان، وقد يمارس خطابا "انتخابيا شعبويا" مع أنه على رأس السلطة الآن، ولكنه في نهاية اليوم لن يقبل أن يكون معولا في عملية تخريب للمسار الذي جاء به لرأس السلطة، خصوصا أنه يمثل مؤسسة مهمة في بلد كانت مؤسساته العسكرية والبيروقراطية منذ يوم 14 يناير 2011 جزءا من الثورة ومسار الانتقال الديمقراطي، ولن تقبل أن تضع في سجلها أنها حادت عن هذا المسار، لصالح مساعي التخريب، التي ستكون تونس بلدا وشعبا أول الخاسرين فيها، لا قدر الله.

التعليقات (6)
بدرالدين عبدالهادي
الثلاثاء، 02-06-2020 09:33 ص
من الواضح من خلال مقالك انك لا تكتب بقلم الصحفي المتجرد من الولاءات ط والذي نصب اعينه التطرق لمشاكل الدولة وماتعانيه وإما إقتراح الحلول او طرحها علي المتخصصين لمحاولة معالجتها. للأسف كتاباتك تداخلت مع مشاكل دولة الجوار بطريقة متحيزة لذا لا أجد فيما كتبته ما يجعلك تستحق لقب صحفي محترف بل كاتب متحيز لطرف دون الآخر.
عاشق الوطن
الإثنين، 01-06-2020 10:54 م
نحنالشعب التونسي لا نخاف احد ولاحد من الخارج او من الداخل قادر على زعزعة الثورة وكل من تخول له نفسه ان يقترب من ثورة الشعب من قريب او من بعيد سنزعزع الارض تحت اقدامهم
محسن العربي
الإثنين، 01-06-2020 07:49 م
تحاليل واقعية وصادقة وممتازة تقطع الأمل والحلم بالنسبة لمحور الثورة المضادة أي محور الشر في محاولاته لإفشال المسار الديمقراطي وتضع أحلامه سراب
adem
الإثنين، 01-06-2020 02:22 م
لسبب بسيط جيناتهم إجرامية لو يتم فحصها سيجدونها مطابقة لأجدادهم المجرمين المنافقين أبي لهب أبي جهل ا بن سالول أُبَيْ و ..... ولكن لا يجب أن ننسى التاريخ هم يدفعون الثمن لأسيادهم الذين أعانوهم على بناء دويلاتهم اللّقيطة مقابل شقّ عصا الطاعة على العثمانيين تمهيدا لأكبر خيانة وهي إسقاط الخلافة الإسلامية و العمالة للصهاينة ، إذا فهمنا هذا الأمر ووعته الأمّة سيكون بداية الحلّ . بالنسبة للثورة كذلك يجب توعية الناس بأنّ قطف ثمار الثورة لن يكون ممكنا إلّا بعد عشرية من الآن لأنّ الأوضاع في قمّة التعقيد و الضّباع كثيرة لن ترضى لنا الخروج ممّا نحن فيه و ستضع العراقيل و ستتآمر علينا. بالنسبة لمصر لا تقنطوا كثيرا خسرت الثورة معركة وليس حربا الأيّام القادمة حبلى بمفاجآت تقلب الأوضاع على عقب بإذن الله .
مصري
الإثنين، 01-06-2020 10:46 ص
قبل قراءة المقال شياطين الخليج و غيرهم هم الوجه الحقيقي لاسرائيل هدفهم تدمير اي دولة اسلامية و ليس ثورة مضادة لان ثورة ايران على بعد امتار منهم الفرق بيننا و بين تونس ان جيش تونس رفض مليارات الخليج ليخون وطنه اما جيش مصر فقد سلمه السادات لامريكا في اتفاقية كامب ديفيد تدريبا و تسليحا امريكيا و رشوة سنوية قدرها 1300 مليون دولار اما ردا على الاستاذ عبدالرازق تعرضنا لسنوات طويلة منذ عام 1952 لغسيل مخ و لكن قمنا بثورة و وقفنا في طوابير لساعات طويلة في الانتخابات بينما لجان السيسي كانت خالية الفرق في الجيش و ليس في الوعي فمبروك عليكم جيشكم الوطني الامين الشريف و تحية له من القلب