هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من علموني أصول كتابة المقال، نصحوني بأن أجعل عنوان المقال جاذبا، أو بلغة صيد الأسماك طعما يشد القارئ ويورطه في القراءة، واستنادا إلى تلك النصيحة كان العنوان أعلاه، وأعني بكلمة المنهج، المقرر/ المقررات الدينية في المدارس، وليس كما عنى الدكتور صادق جلال العظم في كتابه "نقد الفكر الديني" الذي صدر في ستينيات القرن الماضي، وأثار ضجة عالية في الأوساط المسلمة، وأخضعه للمحاكمة بشبهة أنه طعن في قناة وأصول الدين.
التعليم عندنا يقوم على التلقين و"الحفظ"، وليس الشرح والتبسيط، وأعود بالذاكرة إلى المرحلة التي بدأت فيها تعلم الأمور الدينية، ولا أذكر أن مدرس الدين قدم أمامنا بيانا بالعمل حول كيفية الوضوء، فقد كنا فقط مطالبين بحفظ فرائض وسنن الوضوء عن ظهر قلب، ونحن لا نعرف مثلا ما المقصود بـ"الفور والدلك"، و"مسح صماخ الأذنين"، وسألت أشخاصا تجاوزت أعمارهم الأربعين ما إذا كانوا يعرفون معنى كلمة "الكعبة"، فأجاب أكثر من 90% منهم بلا، وسبب طرحي لذلك السؤال هو أن وصف بيت الله بالكعبة لطفل سوداني أمر محير، لأن كعب/ كعبة تعني "سيئ/ سيئة" في العامية السودانية، وأذكر أنني ظللت أيضا في المرحلة الابتدائية أحسب أن مدرس الدين كافر لأنه كان يسمي بيت الله بـ"الحرام"، ولم يكلف نفسه قط أن يشرح لنا المقصود بـ"حرمة" بيت الله.
كانوا يلقنوننا أمور ديننا فقط كي ننجح في الامتحانات، ووالله لم أفهم بعض نواقض الوضوء إلا بعد دراستها بسنوات: ما المقصود بـ"ما يخرج من السبيلين"، ما هما السبيلان؟ هل هما شيء غير مكان توفير السقيا للمارة بلا مقابل؟ ثم هاك: دخول حشفة الذكر أو قدرها من مقطوعها في فرج المرأة!! هكذا كان النص الذي لصق بذاكرتي وعمري نحو تسع سنوات دون أن أعرف من معاني مفردات الجملة سوى "المرأة".
التعليم عندنا يقوم على التلقين و"الحفظ"، وليس الشرح والتبسيط، وأعود بالذاكرة إلى المرحلة التي بدأت فيها تعلم الأمور الدينية، ولا أذكر أن مدرس الدين قدم أمامنا بيانا بالعمل حول كيفية الوضوء، فقد كنا فقط مطالبين بحفظ فرائض وسنن الوضوء عن ظهر قلب،
لابد من توضيح أنني أتكلم هنا عن مقرر الدين الأكاديمي الذي يفترض أنني نهلت منه قبل عقود بعيدة، فإذا بصديق كنت أناقشه في هذا الأمر يأتيني باستشهاد حول واقع المنهج الديني المدرسي حاليا في السودان، والذي وضعته حكومة عمر البشير التي كانت تعلن ليل نهار أن وجودها في الحكم "لله وليس للسلطة أو الجاه"، يؤكد أن مناهج التربية الدينية ما زالت تعاني من عوار شديد، وانظر يا رعاك الله في ما جاء في كتاب للتربية الإسلامية حول مبطلات الصوم لصبية في سن العاشرة: تناول الطعام عمدًا... والاتصال الجنسي مع الزوجة أو غيرها"، ولا عليك بأن طفلا في تلك السن لا يعرف ما المقصود بالاتصال الجنسي، ولكن ما قولك في أن هذا النص لا يشير من قريب أو بعيد إلى أن الاتصال الجنسي بغير الزوجة "أكبر" من عدم الصوم بغير عذر شرعي؟
ثم وأعمارنا نحو 13 سنة درسونا شيئا اسمه الجنابة/ الغسل، وكنا نعرف أنه يكون حسب المقرر المدرسي: غسل الأعالي قبل الأسافل والميامن قبل المياسر!! ولكن لماذا؟ مفردات لم نسمع بها وبالتالي لم نفهم معانيها، ثم درسونا زكاة الإبل وكنا نعرف متى تكون الزكاة ببنت لبون ومتى تكون بجدعة، بينما لم نكن نعرف في شمال السودان ما هي الإبل ومنا من عاش ومات ولم ير ناقة أو بعيرا إلا في الصور.
وأذكر يوم طلب منا مدرس أن نردد أنشودة طلع البدر علينا، أخذا في الاعتبار أننا جميعا في حجرة الدراسة كنا نوبيين لا توجد في لغتهم حروف/ أصوات الثاء والحاء والخاء والذال والزاي والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين.
وبدأنا ننشد: تلأ البدر ألينا / من سنيات الوداء... إلى أن وصلنا: جئت شرفت المدينة / مرهبا يا هير داء، ولم نفهم لماذا انفجر مدرسنا غاضبا وشتمنا: يا عجم يا بجم يا غنم، سيد الخلق خير داء، لو الداء فيه خير يشيلكم من وِش (وجه) الدنيا، حسبما استنتجنا في سنوات لاحقة بعد أن تحسّن رصيدنا من اللغة العربية، ولو كان تربويا حقا لوجد لنا العذر، وسعى لتقويم ألسنتا، وقد كان يعرف أننا ولعجمة ألسنتنا نقول إن ليلة "الغدر" خير من ألف شهر، ولم ننتبه إلى خطئنا إلا بعصامية جعلتنا "نقلقل القاف ونغيِّر الغين تغييرا".
وما زلت أحتفظ بقصاصة مقال للأستاذ فهمي هويدي عن حال التربية الدينية في مدارس مصر، أورد فيه دخول أحد الموجهين التربويين إلى حجرة دراسة لرصد أداء معلمة التربية الدينية، وفوجئ بها تقول لتلاميذها إن الأنصار هم "نصارى" يثرب، وفي حصة أخرى كانت تلك المدرسة تقرأ على الصغار سورة "الكافرون" بصوت عال، ثم توقفت فجأة وقالت إن هناك خطأ مطبعياً تجلى في تكرار الآية "ولا أنتم عابدون ما أعبد"، وبكل "ثقة" طلبت من التلاميذ شطب الآية قبل الأخيرة في السورة، (بالتأكيد لم تقرأ تلك المعلمة "سورة الرحمن" وإلا لكتبت مقالا في الصحف تقول فيه أنها اكتشفت أن آية "فبأي آلاء ربكما تكذبان"، تكررت فيها عدة مرات نتيجة خطأ مطبعي)!
أسعدني الحظ أن جالست المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المستيري ذات عام في العاصمة القطرية الدوحة، وحدثني طويلا عن بؤس مناهج التربية الإسلامية في المدارس عموما وكيف أنها تنجب أجيالا لا تفهم عن الدين إلا ما يتعلق بالعبادات والصلاة تحديدا، ثم روى لي واقعة سيدة كانت تقف في كواليس مسرح، كانت بنتها تتأهب للصعود عليه لتخوض منافسة لاختيار ملكة جمال، مرتدية ما قلَّ ودلَّ من الملابس التي تكشف تضاريس الأنوثة، ونصحت الأم البنت: ادخلي المسرح برجلك اليمين واقرئي سورة الفاتحة.