كتاب عربي 21

في البنوك المصرية الأكبر ليس الأفضل دائما

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
إعلانات ضخمة في الصحف والفضائيات قام بها كل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر أكبر، مصرفين حكوميين بمصر، تذكر حجم الأصول الكبيرة والودائع الضخمة والقروض المتزايدة والأرباح العالية للمصرفين، بما يعطى إنطباعا للعامة بأنهما الأفضل بين البنوك العاملة بالبلاد والتي يصل عددها إلى 38 مصرفا مصريا وعربيا وأجنبيا وفروعا لبنوك أجنبية.

لكن هذا أمر غير صحيح بمعايير الكفاءة المصرفية، التي عند تطبيقها يأتي البنكان في ذيل قائمة ترتيب البنوك. فإذا كان البنك الأهلي هو الأكبر بين المصارف المصرية، في حجم الأصول والودائع والقروض ورأس المال وحقوق الملكية وقيمة الأرباح، فإن الأمر يختلف بمعايير الربحية، فمن بين 23 مصرفا أعلنت نتائجها عن العام الماضي، وحسب معيار العائد على حقوق المساهمين، جاء البنك الأهلي في المركز الخامس عشر بين تلك البنوك، حيث حقق معدل 18 في المئة، من خلال قسمة ربحه البالغ 20 مليار جنيه على حقوق المساهين البالغة 110 مليار جنيه، بينما نجد هذا المعدل يصل إلى 37 في المئة لدى مصرف "إتش إس بي سي مصر"، والذي حقق ربحا بلغ 5.7 مليار جنيه من خلال حقوق مساهمين لديه بلغت 15.3 مليار جنيه.

وهكذا تفوقت مصارف عديدة على البنك الأهلي في هذا المعيار. معيار آخر هو معدل العائد على الأصول، من خلال قسمة العائد على إجمالي الأصول، حيث جاء ترتيب البنك الأهلي في المركز التاسع عشر من بين 23 مصرفا أعلنت نتائجها المالية، وكان الفارق كبير بينه وبين بنوك عديدة، حيث حقق كل من مصرف كريدى أجريكول و"إتش إس بي سي مصر" أربعة أضعاف ما حققه البنك الأهلي من معدل للعائد.

ترتيب متأخر لبنك مصر بالربحية

وتكررت الصورة مع بنك مصر الذي احتل المركز الثاني بين المصارف المصرية في قيمة الأصول والودائع والقروض وحقوق المساهمين، لكنه حسب معدل العائد على حقوق المساهمين جاء في المركز العشرين، من بين المصارف الثلاثة والعشرين التي أعلنت بياناتها المالية. كما تأخر مركزه حسب معيار العائد على الأصول إلى المركز الثاني والعشرين من بين 23 مصرفا أعلنت بياناتها المالية.

وهكذا، فإن الأضخم حجما حتى بالأشخاص ليس شرطا أن يكون هو الأسرع سيرا، وهو أمر تكرر في الحالة المصرية مع شركات التأمين الحكومية، حيث تفوقت شركات تأمين خاصة بمعايير الربحية على شركات التأمين الحكومية الأكبر حجما والأكثر نصيبا من السوق، وتكرر ذلك مع شركات المقاولات الحكومية والمؤسسات الصحفية الحكومية والقنوات الفضائية الحكومية.

وها هي شركات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة الحكومية، ومنها شركة غزل المحلة الضخمة التي تعاني من خسائر مزمنة، بينما تحقق شركات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة الخاصة أرباحا جيدة، ونفس الأمر بالمقارنة بين خسائر شركة الحديد والصلب الحكومية الضخمة وشركات الحديد الخاصة الرابحة.

وهكذا نجد أن مصرفي الأهلي ومصر قد استحوذا على نسبة 47 في المئة من أصول المصارف في مصر، و48 في المئة من الودائع المصرفية، و43 في المئة من القروض، إلا أن معدلات النمو التي حققها المصرفان في العام المالي الأخير لهما، كانت أقل من مصارف أخرى أصغر حجما. فقد بلغ معدل نمو الأصول لمجموع المصارف حوالي 9 في المئة، بينما كان المعدل في البنك الأهلي أقل من 5 في المئة، في حين بلغ المعدل 26 في المئة في البنك الأهلي الكويتي.

فارق 10 شهور لنشر القوائم المالية

وبينما بلغ متوسط نمو حقوق المساهمين لمجموع المصارف المصرية 7 في المئة، كان المعدل أقل من 1 في المئة ببنك مصر، في حين بلغ المعدل 19 في المئة ببنك البركة وهو مصرف صغير بالقياس لبنك مصر.

فارق رئيسي آخر يتعلق بالشفافية، حيث تلتزم المصارف الخاصة بالنشر الفصلي لقوائمها المالية، وبما يفيد المؤسسات وصناديق الاستثمار والأفراد المتعاملين معها، بينما لا يفصح كل من البنك الأهلي وبنك مصر سوى عن البيانات السنوية فقط.

وها هما ينشران قوائمهما المالية عن العام المالي المنتهي في حزيران/ يونيو الماضي في الشهر الماضي، أي بعد مرور حوالي عشرة أشهر، بينما نجد بنك قطر الوطني مصر يعلن قوائمه المالية الدورية الفصلية والسنوية، قبل مرور أسبوعين على الفترة الزمنية التي يعلن بياناتها.

ولقد استفادت الحكومة المصرية من انتشار فروع مصرفي الأهلي ومصر في أنحاء البلاد بحكم قدمهما الزمني، حيث يرجع تأسيس البنك الأهلي إلى عام 1898 وبنك مصر إلى عام 1920، بينما غالبية البنوك الخاصة قد تأسست بعد مرحلة الانفتاح الاقتصادي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بالإضافة إلى تفضيل الجهات الحكومية التعامل مع المصرفين الأهلي ومصر كميراث تاريخي، وثقة الأفراد بهما باعتبارهما مصرفين حكوميين تضمن الحكومة عرفا ودائعهما.

إلزام البنوك العامة بمساندة البورصة

ومن هنا فقد استفادت الحكومة من الودائع الضخمة في المصرفين لدفعهما لشراء أذون الخزانة التي تطرحها الحكومية لسداد عجز الموازنة، حتى بلغت قيمة مشتريات المصرفين منها حوالي 394 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 57 في المئة من مشتريات مجموع المصارف المصرية من أذون الخزانة، ويتكرر ذلك مع سندات الخزانة الحكومية التي يتم طرحها دوريا لسد عجز الموازنة.

ورغم أن ذلك يأتي على حساب اقتراض الشركات الخاصة من المصارف، إلا أن الحكومة لم تكتف بذلك، بل إنها تدفع المصرفين لتمويل الهيئات الحكومية، وأبرزها هيئة البترول وهيئة الكهرباء والمشروعات القومية، وهو ما يأتى على حساب نصيب الشركات الخاصة من القروض، وكذلك على حساب التجزئة المصرفية للأفراد والتي تساهم في تنشيط السوق التي تعانى من ركود منذ عدة شهور، حيث تضمن التوزيع النسبي لقروض البنك الأهلي توجه نسبة 87 في المئة منها للشركات ونسبة 13 في المئة للأفراد. وتوزع نصيب الأفراد ما بين 10 في المئة للقروض الشخصية، وأقل من 2 في المئة للقروض العقارية، وأقل من 1 في المئة لبطاقات الائتمان، ونسبة 2 في الألف لقروض السيارات.

وتكرر الأمر مع قروص بنك مصر، حيث كان نصيب المؤسسات نسبة 86 في المئة منها، مقابل نسبة 14 في المئة للأفراد؛ معظمها قروض شخصية وقليل منها كقروض عقارية وبطاقات ائتمان.

وتستغل الحكومة قيامها بتعيين رؤساء البنوك العامة في توجيه مسار توظيف أصولها، حتى أنها وجهتها مؤخرا لتخصيص مبالغ كبيرة لمساندة البورصة بعد تراجعها بسبب تداعيات فيروس كورونا، رغم تحذير الخبراء من أن تلك الأموال ستدفع المتعاملين الأجانب للحصول عليها للخروج من السوق بخسائر أقل.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)